كتبت رفيدة عادل همام
في عصرٍ بات فيه العالم الافتراضي يسيطر على تفاصيل حياتنا اليومية، تحولت السوشيال ميديا من مجرد وسيلة ترفيه وتواصل، إلى قوة خفية تعيد تشكيل سلوكيات البشر، وتؤثر على تركيبتهم النفسية والاجتماعية بشكل خطير.
وفي هذا السياق، كشف الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، عن أبعاد هذا الخطر وتأثيراته العميقة على المجتمع العربي، وصولًا إلى تغيير ردود الفعل الإنسانية الطبيعية، واغتيال المشاعر الحقيقية.
السوشيال ميديا وتأثيرها على الصحة النفسية والجسدية
وأكد «هندي» في تصريح خاص لـ«الحرية»، أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ذات تأثير نفسي سلبي واسع النطاق على المجتمع العربي، لدرجة أن آثارها امتدت لتؤثر على البنية الجسدية والنفسية للأفراد.
وأوضح أن 75% من المتقدمين للكليات العسكرية يتم استبعادهم في الكشف الطبي بسبب ضعف البصر وتشوه القوام، وهي نتائج مباشرة للإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية والتعلق المفرط بالسوشيال ميديا.
الأرق والخمول.. نتائج الاستخدام المفرط
وأشار الدكتور هندي، إلى أن الاستخدام المفرط لمنصات التواصل أدى إلى زيادة الشعور بالأرق، وآلام الظهر، والخمول، ما جعل الإنسان يفقد الحماس والمبادرة. وأصبح الفرد أكثر انعزالًا وأقل استعدادًا للتفاعل مع الواقع. ضرب مثالًا على ذلك بأن الشخص إذا شاهد حادثة، فإنه يفضل تصويرها على التدخل للمساعدة، ما يعكس حالة من “الخمول الاجتماعي” والانفصال عن الواقع.
بلادة المشاعر وضعف الاستجابة الإنسانية
وأضاف أن طبيعة التفاعل عبر السوشيال ميديا جعلت الناس أكثر برودًا في المشاعر، إذ فقدوا ردود الفعل الإنسانية الطبيعية. ففي الماضي، عند وقوع حادثة، كان الناس يسارعون لإطفاء الحريق أو إنقاذ المصابين، أما اليوم فغالبًا ما يكتفون بالمشاهدة والتصوير.
هذه الحالة، بحسب الدكتور هندي، تعكس “بلادة حسية” اكتسبها المجتمع بسبب التعامل المزمن مع العالم الافتراضي.
الاستعراض النفسي والهشاشة العاطفية
تحدث الدكتور هندي أيضًا عن أثر السوشيال ميديا على البناء النفسي للأفراد، مؤكدًا أن منصات التواصل أصبحت مسرحًا لاستعراض المشاعر والهشاشة النفسية.
وأوضح أن بعض الشخصيات الهيستيرية والمهتزة نفسيًا تستغل هذه المنصات لتحقيق شهرة سريعة أو تعويضًا عن نقص عاطفي، ما يخلق حالة من “الاستعراض النفسي” المدفوع بالسعي وراء اللايكات والتعليقات.
الفصام الاجتماعي وصعوبة مواجهة الواقع
وأشار إلى أن هذه الحالة من “الفصام الاجتماعي” تؤدي إلى صعوبة في التفاعل مع الواقع، حيث يعاني الأفراد من أعراض انسحابية نفسية مثل الخوف والقلق عند مواجهة المجهول.
وأكد أن التعامل المستمر مع السوشيال ميديا أدى إلى انحصار التفكير المنظم والقدرة على اتخاذ القرار السريع في المواقف الحقيقية.
ألعاب الفيديو والبيئات الافتراضية.. خطر على التفاعل الإنساني
لم يخفِ الدكتور هندي قلقه من تأثير ألعاب الفيديو والتفاعل في البيئات الافتراضية، مشيرًا إلى أن هذه البيئات خالية من الدعم الإنساني الحقيقي، ما يخلق بيئة “جافة” نفسيًا واجتماعيًا.
هذه الحالة، وفقًا له، تُضعف القدرة على التفاعل العاطفي الحقيقي وتؤدي إلى تكوين شخصيات باردة، تفتقد للأحاسيس الطبيعية في المواقف الإنسانية.
إعادة النظر في التعامل مع السوشيال ميديا.. هل هي ضرورة؟
ما كشفه الدكتور وليد هندي في تصريحاته يعكس واقعًا مريرًا تعيشه مجتمعاتنا في ظل سيطرة السوشيال ميديا.
الأمر لم يعد مجرد إدمان على التصفح، بل تحول إلى حالة من الانفصال النفسي والاجتماعي، تهدد التركيبة النفسية للمجتمع، وتفقد الإنسان إنسانيته الحقيقية.
فهل نحن أمام خطر حقيقي يستلزم إعادة النظر في كيفية التعامل مع العالم الافتراضي؟ وهل باتت العودة إلى التواصل الإنساني المباشر ضرورة لاستعادة التوازن النفسي والاجتماعي؟ أسئلة تفرض نفسها بقوة في زمنٍ تحكمه الشاشات.