تتجّه أوروبا نحو زيادة تسلّحها، مع الأزمة الأوروبية الأميركية التي بدأت مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتقاربه مع روسيا، إذ كان للقمة الطارئة للزعماء الأوروبيين هذا الأسبوع هدف رئيسي واحد: إظهار الوحدة وتقديم الدعم للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تعرّض لموقف مسيء في البيت الأبيض خلال عطلة نهاية الأسبوع، وخسر بعد ذلك المساعدة الأمنية الأميركية. ويبدو أنّ الشركات الإسرائيلية ستكون المستفيدة الكبرى من التوجّه الأوروبي لزيادة التسلّح.
وفي الصورة الجماعية التي اختتم بها المؤتمر، حاول المنظمون أن يظهروا أنهم يدركون أن هذا عصر القوة، وأن القوة العسكرية أصبحت الآن العملة الوحيدة تقريباً في السوق. وفي وسط الصورة، في الصف الأول، كان زعماء الدولتين الأوروبيتين الوحيدتين اللتين تمتلكان أسلحة نووية، بريطانيا وفرنسا. وكان يقف بجانبهم زيلينسكي، الذي أظهر أيضاً روحاً قتالية في المكتب البيضاوي.
وكان على متن الطائرة رئيس وزراء بولندا، الدولة التي تهدف إلى بناء أكبر جيش في أوروبا، ورئيسة فنلندا، التي دعت إلى عدم الخوف من المواجهة العسكرية مع روسيا، وكذا الحال بالنسبة إلى ألمانيا. القوة العسكرية هي اسم اللعبة الآن، وفق صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية، ويبدو أن الشركات الحربية الإسرائيلية ستكون من بين أبرز المستفيدين.
سباق التسلح وشركات إسرائيل
وقفزت سوق الأسهم الإسرائيلية، بأكثر من 5% في بورصة تل أبيب. ومع زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا بشكل كبير، قد تكون الصناعة الإسرائيلية واحدة من أكبر المستفيدين، وفق “غلوبس”. وتدير شركة إلبيت فرعاً لها في المملكة المتحدة، في حين تمتلك رافائيل 20% من شركة يوروسبايك الأوروبية التي تزود إسرائيل بالصواريخ، من بين أشياء أخرى.
ويوضح العميد الإسرائيلي بيني جونجمان، رئيس مجلس الإدارة ونائب الرئيس التنفيذي لشركة TSG لتصنيع الأسلحة، في حديث مع “غلوبس” أن الأسواق تأخذ في الاعتبار تصريحات ترامب وأفعاله “ومن المتوقع أن ينعكس التأثير في توثيق الارتباط بين الدول الأوروبية وصناعاتها، مع تقليل الاعتماد على الصناعات الأميركية. ففي ولايته الأولى، قال ترامب إن أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي لا تستثمر 2% من ناتجها المحلي الإجمالي في الدفاع لن تحصل على مساعدات أميركية، وهذا يؤثر على الدول القوية في أوروبا”.
وبحسب تقديره، فإنه في أعقاب التطورات في القارة، من المتوقع أن تشهد إسرائيل موجة من التعاون بين الشركات الأوروبية والإسرائيلية، والعكس صحيح: “الشركات الإسرائيلية التي ستنشئ فروعاً ستكون في المقدمة مع العملاء في البلدان المعنية”.
ومن أبرز الأمثلة على التعاون الإسرائيلي الأوروبي صفقة بيع صاروخ “حيتس 3” إلى ألمانيا مقابل 3.5 مليارات دولار. وفي إطار الصفقة، اختارت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية شركة MBDA مقاولاً لإدارة التنسيق مع الألمان في مجالات البنية التحتية والجيش المحلي.
وتتعاون شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية مع شركة رافائيل في صفقة G2G إسرائيلية يونانية، والتي من المتوقع أن يجري بموجبها بيع أنظمة الدفاع الجوي إلى أثينا مقابل حوالي ملياري يورو. وتشارك الصناعات الإسرائيلية أيضاً في تطوير صفقة مقلاع داود مع فنلندا.
ويوضح جونجمان أن هناك عنصراً آخر يعمل لصالح الصناعة الإسرائيلية مقارنة بالولايات المتحدة، وهو الطريقة التي تعمل بها. ففي حين يقدم العمال في الولايات المتحدة منتجاً نهائياً، فإن الصناعات الإسرائيلية قادرة على نقل صناعات التطوير والإنتاج إلى دول أخرى.
ويقول مسؤول في شركة “إيرباص” لـ”غلوبس”، التي تقدم حلول الاتصالات وإدارة الصوت في الأنظمة المحمولة جواً، إنه عندما يتحدث إلى العملاء في أوروبا، فإنهم يفضلون العمل مع شركة أوروبية بدلاً من شركة أميركية. ولهذا السبب، تعمل شركة أوربت حالياً على عملية استحواذ في ألمانيا. “إن التغيرات الجيوسياسية تؤدي إلى زيادة الطلبيات وتؤدي إلى الحشد العسكري”.
ويضيف أنه بعد ابتعاد أميركا عن الدول الأوروبية، بدأوا بالعودة إلى الشركات الإسرائيلية. “في أوروبا، ينظرون إلى العمل مع الشركات الإسرائيلية، مدركين أن أغلب الإمدادات كانت تُصنَّع في الوقت المحدد أثناء الحرب. وعلى النقيض من ذلك، قد يجدون أنفسهم في الولايات المتحدة في موقف أنه لن ترسل المعدات إليهم بمجرد ضربة قلم”.
ارتفاع الإنفاق الدفاعي الأوروبي
ورغم وحدة الصفوف، لا يزال هناك تباين كبير في نطاق الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية، وخاصة في النهج العام تجاه احتمال نشوب صراع مسلح مع دولة أخرى. قبل انعقاد المؤتمر، وقبل مغادرته للقاء الرئيس الأميركي ترامب، أعلن رئيس الوزراء البريطاني أن هذا هو الوقت الذي “يعتبر فيه بناء القوة العسكرية أهم شيء”، ولذلك قرر خفض ميزانية المساعدات الدولية للمملكة المتحدة بشكل حاد من أجل تعزيز قوتها العسكرية. وهذا يعني زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وبلوغ هدف 3% في السنوات المقبلة.
ويقود رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك خطاً مماثلاً: فقد أعلنت الدولة المهددة عن نيتها بناء أكبر جيش في أوروبا بحلول نهاية العقد بسبب إلحاح التهديد الروسي. كما ضاعفت إنفاقها الدفاعي إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وأطلقت خططاً لمضاعفة القوة العسكرية إلى 300 ألف جندي.
كما أن دول البلطيق، إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، تقترب أيضاً من حاجز 5% من الناتج المحلي الإجمالي للاستثمارات الدفاعية السنوية، وتدعو أوروبا إلى الانضمام إليها. فقد أعلن رئيس الوزراء التشيكي في لندن أن الإنفاق الدفاعي لبلاده سوف يرتفع إلى 3%.
وسجلت أسهم شركات الدفاع الأوروبية ارتفاعات متزايدة لأسابيع، ومع افتتاح التداول يوم الاثنين، واصلت الارتفاع. وأولئك الذين وضعوا أموالهم في شركات تصنيع الأسلحة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا ضاعفوا استثماراتهم. وما شجع على تحقيق هذه المكاسب كانت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، التي بدأت تخرج عن الحياد وتنضم إلى سباق التسلح. حتى الآن، لم تصل ألمانيا إلا بالكاد إلى عتبة الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي. والآن تتحدث وسائل الإعلام عن إمكانية إنشاء صندوق خارج الميزانية للأسلحة بقيمة تتراوح بين 200 و800 مليار يورو في السنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يزيد الإنفاق الألماني بشكل أكبر بكثير.
وبالتالي، هناك مساران محتملان لزيادة الإنفاق على التسلّح في الأسابيع المقبلة: الإعلانات الوطنية المستقلة عن زيادة ميزانيات الدفاع، إلى جانب الإعلان عن صندوق أوروبي (بالشراكة مع بريطانيا)، بقيمة تتراوح بين 300 و500 مليار يورو، وفقاً للتقارير الحالية، أو حتى أكثر من ذلك.