في عالم الفنون المتنوعة، حيث تتداخل الألوان مع المشاعر وتتفاعل الأفكار مع الأشكال، يبرز الفنان أسعد رشدان كأحد الأسماء البارزة التي تجمع بين مجالي الدراما والفن التشكيلي. في هذا الحوار نستعرض رحلة رشدان الفنية منذ بداياته في الرسم في الصفوف الابتدائية، وصولًا إلى تجربته الثرية في التمثيل، موضحاً كيف ساهمت هذه التجارب في تشكيل رؤيته الفنية المعاصرة.
يتناول الحوار العديد من الموضوعات المهمة، بما في ذلك سعي رشدان للتحرّر من قيود الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، وحرصه على استكشاف آفاق جديدة في عالم الفن التشكيلي. كما يسلّط الضوء على رؤيته لحرية التعبير في كل من الدراما والفن التشكيلي، مما يوفر لنا لمحة عن كيف يمكن للفنون أن تتكامل بدلاً من أن تتعارض. يتحدث رشدان أيضاً عن الكاريزما وتأثيرها على العمل الفني، مما يعكس إدراكه العميق لتداخل الفنون وعناصر النجاح في كل منها. وعبر هذا الحوار، نكتشف أن الفن بالنسبة لرشدان هو رحلة مستمرة، تتجاوز مجرّد الأداء أو الإبداع، لتصبح أسلوب حياة يستدعي التحدّي والأمل في ظل الظروف الصعبة.
{ هل تريد التحرّر من الفن الدرامي وتحديد الدور بالفن التشكيلي وحرية الريشة؟
– في الواقع، الرسم تحديداً، كان هوايتي الأولى زمن الصفوف الابتدائية. وكان أساتذتي يشجعونني للتخصص في الرسم. تطورت هذه الموهبة عند التحاقي بدار المعلمين سنة 1970، وكان أستاذ الرسم يومها الكبير جوزف مطر، الذي أصبح أيضاً أستاذي في مادة الرسم في الجامعة حيث تابعت اختصاص الرسم بعد اختصاص التمثيل. اليوم أرسم يومياً، كون العمل الدرامي متوقف بسبب الحرب واللاحرب في لبنان. هناك عدة أعمال جاهزة ولا إمكانية للبدء بالتصوير بسبب الوضع في الجنوب، لذا أنا أريد التحرر من سيئات هذا البلد وليس من الفن الدرامي، الذي بسببه أنا موجود الآن في البلد منذ عشر سنوات، منفصل عن كامل العائلة بسبب المهنة في الفن الدرامي. الفنون لا تتعارض بل تتكامل. التشكيلي يُغني الدرامي والعكس صحيح. والتقاعد حالة قاتلة، أهرب منها إلى الريشة حتى تحين ساعة الدراما.
{ هل تسعى لتغيير الهوية الفنية بالرسم أم تستكمل رحلتك الفنية عبر الريشة؟
– كما قلت سابقًا، الفنون تتكامل. لا تغيير في الهوية الفنية، بالعكس، هي محاولة إضافة واستكمال للرحلة الفنية. متخصص في الفن الدرامي وهو مهنتي الوحيدة، ومتخصص بالفن التشكيلي وهو هوايتي وليست الوحيدة. فالموسيقى هي حبي الأول من قبل الدراما والتشكيل. أمارس هذه الهواية يومياً بعيداً عن الإعلام والميديا. أمارس العزف على الكيبورد والأكورديون والعود والغيتار والهارمونيكا، وما زلت أمتلك كل هذه الآلات ما عدا الأكورديون. وقد خضعت لدروس خاصة في الموسيقى ولديّ بعض ثقافة موسيقية متواضعة. وقد شاركت منذ المراهقة في عدة جوقات موسيقية، وأهمها مع الصديق الحبيب الكبير مرسال خليفة.. والصورة على الـ«فايسبوك» معه في كورال نادي عمشيت عمرها 55 سنة.
{ تمتلك كاريزما خاصة، وأنت تدرك ذلك، لما تمتلكه من معرفة ما الذي تريده من كاريزما اللوحة التشكيلية؟
– أولاً، شكراً على الإطراء. ثانياً، المعرفة تأتي من مجهود فردي بعيد عن الثقافة والعلم، وتشمل كل شيء، تستفيد منها في الدراما وفي التشكيل كما في الموسيقى وباقي الفنون. الأداء الدرامي الجيد يدعم الكاريزما والعكس صحيح. إتقان الفن التشكيلي وتحديدًا الرسم، يدعم الكاريزما الموجودة إيجاباً، فيثير الدهشة، خاصة عندما يظهر المرء رساماً غير متوقع، بأعمال غير متوقعة أيضاً بجودتها. لو امتهنت الرسم، قد كان بالإمكان أن أحقق نجاحاً متواضعاً كما في الدراما. الدراما قدري ولا إمكانية للهروب من الأقدار.
{ هل تشعر بحرية التعبير في الفن التشكيلي أكثر من التمثيل، وأنت تمتلك الإرث الدرامي المشرّف؟
– لا أخفي أنه لا رأي لي في العمل الدرامي بعيداً عن الأداء. حرّيتي في الأداء تجعلني أعبّر عن مشاعر الكاتب والمخرج والشخصية الدرامية بأسلوبي الخاص، وليس عن مشاعري أنا. في الفن التشكيلي أتمتع بحرية تعبير مطلقة لا محدودة. الإرث الدرامي فعلاً يشرّفني، فقد أعطيته من ذاتي قدر ما هو بحاجة، وما ارتداده إيجاباً على مسيرتي الدرامية سوى تأكيد على نجاحي المتواضع في إيصاله بالشكل والمضمون السليمين. صحيح… إن التعبير في الفن التشكيلي، أكثر حرية، لكنّ انتشار الفن الدرامي الواسع بواسطة الشاشات والمواقع، يبقى متقدماً آلاف الخطوات على الفن التشكيلي، وهذا واقع لا مفر منه. وتبقى الفنون بكل أشكالها، زبدة المعرفة والثقافة والعلم، وعسلها.
{ متى سنشهد أول معرض فني لك؟
– خلال السنوات الغابرة، أقمت وشاركت في عدد لا يحصى من المعارض الخاصة والجماعية على مستويات محلية موسّعة. أما فيما يخص أول معرض للأعمال الحالية، فمسألة فيها نظر.. الظروف الاقتصادية اليوم، هي عامل سلبي جداً، ينعكس بخاصة على الفنون بكل أشكالها، إلّا إذا اكتفينا بدعوة المتموّلين إلى هكذا معرض، وهم عادة أبعد ما يكون عن الفن وتشعباته. تبقى الفكرة قائمة وبقوة، فقد شارفت على إنجاز حوالي المئة لوحة. الفكرة التي تدور في رأسي الآن، هي الاكتفاء بالـ«سوشيال ميديا» للإعلام والإعلان والمشاهدة، ومن ثم بيع اللوحات «أونلاين» بأسعار تجعل هذه الأعمال بمتناول كل الناس من كل الطبقات الاجتماعية والمادية على السواء.