حذر تحالف مكون من منظمات المجتمع المدني ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب من انتهاك سلطات الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حقوق الانسان وقمعها للحريات المدنية داخل حدودها وخارجها باسم مكافحة الإرهاب. وقد أطلقت المنظمات على هذه الظاهرة المتنامية اسم “القمع العابر للحدود”.
وخلال مناسبة أقيمت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك جمعت كلا منّا لحقوق الإنسان، وهي عضو في تحالف منظمات المجتمع المدني حول حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، والمركز العالمي للأمن التعاوني (المركز العالمي) والبعثة الدائمة للنرويج لدى الأمم المتحدة، خبراء وفاعلين في المجتمع المدني من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل مناقشة القمع العابر للحدود في المنطقة. وقد تزامنت حلقة النقاش مع نشر تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب في أكتوبر 2024 عن أدوار المنظمات الإقليمية في حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب.
وتناول المتحدثون في حلقة النقاش الحديث بالتفصيل عن الاتجاه الإقليمي المقلق لسلطات الدول التي تقمع فاعلي المجتمع المدني وأنشطته تحت ستار مكافحة الإرهاب. وعرضوا أمثلة عن استهداف السلطات الناشطين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان وإسكاتهم من خلال اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب التي لا تمتثل إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان. وزعم المتحدثون بأنه في حين أن الحكومات الوطنية وأجهزتها الأمنية هي المسؤولة عن هذه السياسات المقلقة فإن هيئات إقليمية ودولية قد ساهمت في تشريع ممارسة التعسف في مكافحة الإرهاب وانتشاره إلى خارج حدودها الوطنية.
وأشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بين سول إلى أن “أوجه القصور الرئيسية” في الأطر المعيارية للمنظمات الإقليمية التي تعمل على مكافحة الإرهاب، ولا سيما “استعمال تعاريف مبهمة وفضفاضة للإرهاب والتي تخلط بين القضايا الأمنية الوطنية ومسألة مكافحة الإرهاب الضيقة”. ثم أشار إلى أن المنظمات الإقليمية العاملة على مكافحة الإرهاب لا تقدم ضمانات كافية لحقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال فإن هذه المنظمات لا تحمي الأفراد بشكل صريح من الإعادة القسرية (تسليم الأفراد إلى بلد حيث يمكن أن يواجهوا انتهاكات لحقوق الإنسان). وشجع المقرر الخاص منظمات مكافحة الإرهاب الإقليمية على تحسين أنظمة الرقابة والمساءلة لديها من خلال تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وآليات حقوق الإنسان الإقليمية.
وأوضحت مسؤولة عن حقوق الانسان تانيا بولاكوفسكي أن منظمة منّا لحقوق الإنسان قد وثقت تعسف قوانين مكافحة الإرهاب على الصعيدين الوطني والإقليمي. ففي بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرتكب القمع العابر للحدود تحت ستار مكافحة الإرهاب من خلال إجراء عمليات تسليم ذات دوافع سياسية، وقدمت السيدة بولاكوفسكي تفاصيلا بشأن عمل مجلس وزراء الداخلية العرب، وهو هيئة متخصصة تابعة لجامعة الدول العربية و الذي يمكنه تعميم أوامر الاعتقال، التي تطلبها دولة ما، على الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. وأشارت السيدة بولاكوفسكي إلى تعاون هيكلة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة مع مجلس وزراء الداخلية العرب بالرغم من بواعث القلق الكبيرة حول الشفافية وحقوق الإنسان، كما شددت على المجازفة المتمثلة في أن يمكن مجلس وزراء الداخلية العرب وقوع القمع العابر للحدود مستفيدا من ختم الأمم المتحدة*.
ومن أجل إيضاح نمط القمع العابر للحدود، أشارت السيدة جنان المرزوقي، وهي مدافعة إماراتية عن حقوق الإنسان ومحامية مساعدة في مركز مناصرة معتقلي الإمارات إلى تسليم الدكتور خلف الرميثي وهو معارض إماراتي تم تسليمه من الأردن إلى الامارات العربية المتحدة من دون أي إجراءات قانونية. والدكتور الرميثي هو عضو في مجموعة “الإمارات94” وهي مجموعة مؤلفة من 94 باحثا وناشطا ومحاميا وطبيبا ومدافعا عن حقوق الإنسان وجميعهم إماراتيون قد حوكموا في عام 2013 بعد توقيع عريضة تطالب بإصلاحات ديمقراطية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن بين أفراد هذه المجموعة والد السيدة المرزوقي السيد عبد السلام المرزوقي الذي تم احتجازه بشكل تعسفي في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2012. وتوضح هذه الحالتان النمط المثير للقلق الذي تنتهجه سلطات الإمارات العربية المتحدة مستهدفة معارضين إماراتيين ومدافعين عن حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب.
وشارك عبد الله العودة، وهو ناشط سعودي ومدير مكافحة ممارسة الاستبداد في مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط، تعريفا عن القمع العابر للحدود وهو” محاولة دولة أجنبية تقييد الحقوق والحريات خارج حدودها” ووفقا لبحث أجراه فإن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أسوأ مرتكبي القمع العابر للحدود إذ تستخدم طرقا كالاعتداء والمضايقة والمراقبة وشن هجومات رقمية وفرض حظر السفر وإجراء عمليات تسليم وذلك من أجل قمع مواطنيها المعارضين المقيمين في الخارج. وعلى سبيل المثال عمم مجلس الوزراء الداخلية العرب أمر اعتقال صادر عن السلطات السعودية في حق السيد حسان أل ربيع الذي تسلمته السعودية من المغرب على الرغم من المخاطر الكبيرة بالتعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة التي تلقاها إبان وصوله. وأشار السيد العودة أيضا إلى الحالة الحالية للسيد عبد الرحمن الخالدي وهو معارض سعودي، إذ يحدق به خطر تسليمه من قبل بلغاريا إلى المملكة العربية السعودية. وقد اعتقلت السلطات السعودية على نحو تعسفي أيضا والد السيد العودة وهو السيد سلمان العودة منذ عام 2017 وذلك على خلفية نشره منشورا سلميا على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووصف الناشط المصري السيد شريف عثمان الحاصل على الجنسية الأمريكية اعتقاله في دبي خلال زيارة العائلة في الإمارات في نوفمبر 2022 حيث كان معرضا لخطر التسليم إلى موطنه الأصلي وفقا لأمر اعتقال أصدرته في حقه مصر، وزعم أن تجربته الشخصية تكشف عن “النظام المكسور” لكل من الإنتربول ومجلس وزراء الداخلية العرب باعتبارهما منظمتي شرطة وتفتقران إلى الإشراف واللوائح اللازمة لمحاسبتهما على أفعالهما. كما أشار السيد عثمان إلى أن “سراب الضغط على الدكتاتوريات من أجل تغيير سياساتها لم يعد مقبولا لدى نشطاء حقوق الإنسان”. ووفقا للسيد عثمان، فإن الحكومات الغربية تروج لروايات كاذبة عن الدكتاتوريات في الشرق الأوسط، وأن أفعال الحكومات تسيرها في نهاية المطاف مصالح جيوسياسية وجيوستراتيجية وليس الالتزام الحقيقي بحقوق الإنسان.
وبعد فسح المجال أمام عدد قليل من أسئلة الجمهور، قدم كل متحدث بعض الملاحظات الختامية وشارك توصيات للدول والأمم المتحدة والمجتمع الدولي وكذلك أصحاب المصلحة الآخرين ذوي الصلة للتخفيف من التأثير الضار للقمع العابر للحدود على حقوق الإنسان. وتضمنت بعض هذه التوصيات الإشارة إلى أهمية اعتراف هيئات مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة بالتأثير الفعلي لعملها وشراكاتها على حياة الناس، والحاجة الملحة للإشراف على منظمات مكافحة الإرهاب الإقليمية ومحاسبتها، وضرورة منع حدوث انتهاكات مستقبلية من خلال إعطاء الأولوية بصورة مجدية لحقوق الإنسان على أي جدول أعمال أخر.
لمشاهدة الحدث كاملاً، انقر هنا.