تتجه مصر لرفع سعر شراء الغاز الطبيعي المنتج حديثاً من بعض شركات الطاقة الأجنبية العاملة في البلاد، بهدف تحفيزها على زيادة الإنتاج، في مسعى منها لتلبية احتياجيات السوق المحلية خاصة مع اقتراب فصل الصيف، بحسب 3 أشخاص من بينهم وزير سابق تحدثوا مع “الشرق”.
اتفقت الحكومة المصرية على زيادة سعر شراء الغاز المُستخرج حديثاً من حقول 3 شركات، هي “أباتشي”الأميركية و”كايرون بتروليوم” الإنجليزية “و”آي بي آر الوسطاني للبترول” التابعة لمجموعة “أي بي أر” (IBR) للطاقة، بنحو 61% ليصل سعر المليون وحدة حرارية بريطانية إلى 4.25 دولار مقابل 2.65 دولار في المتوسط بالاتفاقيات السابقة، بحسب مسؤولون حكوميون تحدثوا مع “الشرق”، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
محفز للشركات الأجنبية في مصر
الاتفاق ينص على اقتصار تطبيق السعر الجديد على الإمدادات الإضافية المُنتجة حديثاً، بينما لن يتغير سعر إمدادات الغاز الأساسية، المتفق عليه قبل إبرام هذا الاتفاق.
يستهدف هذا التحرك، بحسب وزير البترول الأسبق أسامة كمال، تحفيز الشركات على زيادة استثماراتها في عمليات استكشاف وتنمية الحقول، وبالتالي زيادة إنتاج الغاز، لتدبير احتياجات البلاد المتنامية خاصة خلال أشهر الصيف التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب.
تواجه مصر مخاوف من تكرار أزمة الكهرباء التي شهدتها خلال صيف العام الماضي، حين لجأت إلى تطبيق نظام تخفيف الأحمال بقطع الكهرباء لمدة تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات يومياً بالتناوب بين المناطق المختلفة، وهو إجراء أثار استياءً شعبياً واسعاً. أجبرت حقول الغاز المتقادمة، والطلب المحلي المتزايد، البلاد التي كانت مُصدّرة للغاز، على وقف مبيعات الغاز الطبيعي المسال، والبحث عن واردات من الأسواق العالمية.
وفي هذا الصدد، تعتزم مصر استيراد ما بين 155 و160 شحنة غاز مسال خلال العام الجاري لسد الفجوة بين الاحتياج الفعلي للسوق، والإنتاج المحلي.
هوى إنتاج البلاد إلى 4.35 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي، فيما تبلغ الاحتياجات اليومية حوالي 6.2 مليار قدم مكعب وترتفع بشكل أساسي في فصل الصيف.
أسعار الغاز تتناسب مع زيادة التكلفة
كمال أضاف لـ”الشرق” أن هذه الأسعار تتناسب مع زيادة التكلفة الإنتاجية في صناعة الغاز، في بعض المناطق البرية مثل الصحراء الغربية، حيث أظهرت سياسة تثبيت السعر عدم جدواها، إذ فضلت الشركات التركيز على إنتاج النفط المرتبطة أسعاره بخام برنت لتحقيق مكاسب، وذلك بدلاً من الغاز المحددة أسعاره في أغلب اتفاقيات الإنتاج بالصحراء الغربية وخليج السويس، بنحو 2.65 دولار للمليون وحدة حرارية.
وعلى الرغم من زيادة أسعار الشراء في بعض الاتفاقيات خلال الفترة الماضية ووصولها إلى أكثر من 3 دولارات، إلا أنها لم تكن مرضية لشركات الطاقة العالمية التي تطالب بزيادات أكبر، وفق وزير البترول الأسبق.
مصر تسدد المستحقات المتأخرة
قدمت وزارة البترول المصرية العديد من الحوافز لتشجيع الشركاء الأجانب على زيادة الإنتاج المحلي للبلاد من النفط والغاز بمناطق الامتياز البرية والبحرية، تضمنت الحوافز وضع جدول زمني لسداد مستحقات الشركات الأجنبية.
بالاضافة للاتفاق مع الشركاء الراغبين في بيع الغاز والنفط للحكومة المصرية، ولكن بأسعار أعلى من المتفق عليها، تعادل الأسعار التي تحقق لهم أرباحاً في حال تصديره.
تعوّل مصر على شركتي “إيني” الإيطالية و”أباتشي” الأميركية لزيادة إنتاج الغاز، في محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي مجدداً. واتفقت معهما على سداد المستحقات المتأخرة لتحفيزهما على استكمال عمليات الاستكشاف وتطوير الحقول.
سددت الحكومة المصرية مليار دولار جديدة من مستحقات شركات النفط الأجنبية المتأخرة الشهر الماضي، بحسب مسؤول حكومي مطلع على الملف تحدث مع “الشرق” سابقاً. المبلغ المسدد، يرفع مدفوعات مصر من المتأخرات لشركات النفط الأجنبية إلى 5.5 مليار دولار منذ يونيو 2024 وحتى فبراير 2025.
قال وزير البترول الأسبق إن أي سعر سيُدفع للشريك الأجنبي طالما كان يتمتع بجدوى اقتصادية لمصر، سيكون أفضل من الأسعار المدفوعة للاستيراد من الخارج.
كانت مصر حددت عدة شروط لتلقي طلبات التعاقد على استيراد شحنات الغاز الطبيعي المسال اللازمة لها خلال أشهر الصيف، بما في ذلك ألا يتعدى سعر المليون وحدة حرارية 14 دولاراً، بحسب مسؤول حكومي تحدث لـ”الشرق” في وقت سابق.
“أباتشي” تكثف الحفر
تطلق “أباتشي” في مارس الجاري برنامج حفر مكثفاً بمناطق امتيازها في الصحراء الغربية، بهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنحو 80 مليون قدم مكعب يومياً إضافية، باستثمارات تتجاوز 60 مليون دولار، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع “الشرق” في وقت سابق.
قدر المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إجمالي الإنتاج الحالي لشركة “أباتشي” من الغاز الطبيعي بمناطق الامتياز البرية بنحو 450 مليون قدم مكعب غاز يومياً، مضيفاً أن اتفاق تعديل سعر الغاز مع الشركة سيساهم في تشجيعها على زيادة استثماراتها في عمليات التنمية، وربط آبار غاز جديدة على إنتاج الشبكة القومية للغازات.
من ناحية أخرى، ستُطبق الزيادة الجديدة في أسعار الغاز من شركة “كايرون”، المملوكة للملياردير المصري صلاح دياب، على 3 مناطق امتياز جديدة فى الصحراء الغربية. لدى “كايرون بتروليوم” مناطق امتياز وحقول نفط في الصحراء الغربية وخليج السويس، ويبلغ إنتاجها نحو 140 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول السابق، قال إن رفع أسعار الغاز للشركات يجب أن يتسم بالطابع “الاقتصادي”، مؤكداً على أنه يتماشى مع هدف الحكومة بزيادة المعروض المحلي، مقابل تقليص المستورد من كميات الغاز المسال، مع ارتفاع أسعاره في السوق العالمية، ما يثقل كاهل ميزانية الدولة.
أضاف في حديثه مع “الشرق” أن سعر الغاز المسال طبقاً لمنصة “تي تي إف” (TTF) الهولندية يبلغ في المتوسط 12.16 دولار للمليون وحدة حرارية، يُضاف إليها دولار واحد للشحن ونصف دولار لإعادة التغييز، ليصبح سعر المليون وحدة للتسليم في مصر 13.66 دولار تقريباً.