استيقظ العالم يوم الأربعاء على خبر استغناء دار «غوتشي» عن مصممها ساباتو دي سارنو بعد عامين فقط. بهذا ينضم إلى لائحة طويلة من المصممين الذين تم الاستغناء عنهم بسبب تراجع المبيعات ورغبة المجموعات المالكة استرجاع بريق سرقته منها الأزمة الاقتصادية العالمية وتغير سلوكيات المستهلك. في خضم هذه الأزمة التي عصفت بصناعة الموضة في أوروبا وأميركا، ظلت منطقة الشرق الأوسط في منأى عنها. بالعكس هي تغلي منذ سنوات بأحداث ونشاطات تؤكد أن مستقبلها وردي بكل المقاييس.
أكبر دليل أن عرابة الموضة العالمية، والمسؤولة عن مجلات «فوغ» بكل نسخها، أنَّا وينتور، حطّت في دبي منذ أسابيع قليلة بعد الكثير من المكابرة والرفض. السبب أن مجموعة «كوندي ناست» المالكة لـ«فوغ» و«ترافلر» و«جي كيو» وغيرها من المجلات البراقة، اكتشفت أن المنطقة منجم ذهب. سَلمت الأمر لشركة «نيرفورا» بداية لجس نبض السوق… وانتظرت. بعد خمس سنوات تقريباً تأكدت أن موسم القطاف قد حان، وأنه لا بد من الوجود في منطقة تؤكد كل المؤشرات أنها أمل صناع الموضة حالياً. أدركت المرأة الجليدية، كما يحلو للبعض تسميتها أن المكابرة في هذه الحالة خسارة. حضرت شخصياً في الشهر الماضي لتفتتح مكاتبها بدبي. ليس هذا فحسب. تغزلت بالمنطقة كما لم يتغزل قيس بليلى، هي التي كانت تستبعد فكرة أن يكون لهذه المنطقة مجلتها الخاصة.
لكن أنا وينتور ومعها مجموعة «كوندي ناست» ليست وحدها من انتبه إلى أهمية الشرق الأوسط كمنطقة واعدة، بعد أن أثبتت قدرتها على الصمود في وجه الأزمة العالمية. فالموضة فيها منتعشة وتنمو بمعدل سريع. قد لا تكون بديلاً للسوق الصينية، بالنظر إلى الحجم والكثافة السكانية، لكنها تبقى الخيار الأفضل. فالسوق الصينية تشهد تراجعاً كبيراً منذ جائحة «كورونا»، وزاد الوضع سوءاً بعد انهيار سوق العقارات فيها وما سببه من خسارات فادحة لشريحة كبيرة كان صناع الموضة في أوروبا وأميركا يُعوِلون عليها. ومع ذلك ظل أمل التعافي يراودهم. بيد أن استمرار التذبذبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة، وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا لا تُبشِر بالخير. عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، واقتراحاته برفع تعريفات جمركية على السلع المستوردة، تزيد من حالة التوجس والقلق.
المنطقة العربية
دبي والرياض في المقابل، تعيشان عصراً ذهبياً. هناك انتعاش تشمه في الأجواء تتخلله رائحة منافسة بين العاصمتين لتعزيز صناعات الموضة والتجزئة، وبناء البنية الأساسية اللازمة لتعزيز مكانتهما عالمياً بشكل جدي وبدعم حكومي.
البيانات الصادرة حديثاً عن يورومونيتور إنترناشيونال تشير إلى أن دولة الإمارات تحتل حالياً المرتبة الثانية من حيث حجم سوق الملابس في دول مجلس التعاون الخليجي، بنسبة 36.8 في المائة من إجمالي مبيعات الملابس في المنطقة. المرتبة الأولى للمملكة السعودية.
المنافسة للاستحواذ على مرتبة الصدارة والحفاظ عليها تأخذ أشكالاً كثيرة، منها تنظيم أسابيع موضة بمستوى عال لإبراز مهارات وإمكانات مبدعيهما. إلى جانب الرغبة في احتضانهم وتوفير منصة مناسبة لهم يستعرضون فيها قدراتهم، هناك رسالة موجهة لصناع الموضة العالميين بأن المنطقة لم تعد مجرد مستهلكة. هي الآن منتجة وتمتلك صوتاً مسموعاً وذوقاً رفيعاً، سواء كان هذا الذوق على مزاجهم أم لا.
السعودية تحديداً سوق واعدة باستراتيجياتها الجريئة وأيضاً بشبابها، إذ إن متوسط أعمار نحو 44 في المائة منهم دون سن الثلاثين. هؤلاء يُحركون قطاع الموضة وينعشونه كما أنهم متعطشون لاستكشاف المزيد والتفاعل مع الغير.
فعاليات ثقافية وإبداعية
لتغذية فضولهم وتعطشهم للمعرفة، احتضنت الرياض في بداية العام الحالي عدة فعاليات تسلط الضوء على مكانة السعودية كمركز رائد في عالم الموضة من خلال حوارات توضح كيف يمكنهم الاستفادة من الانتعاش الحاصل حالياً في المملكة بطرق عقلانية ومدروسة. قمة التجزئة مثلاً استقطبت أكثر من 400 مشارك انضموا إلى حوارات حول مشهد التجزئة المتنامي في ضوء رؤية السعودية 2030 ما استخلص من هذه القمة أن نمو الطلب على منتجات الأزياء في مجال البيع بالتجزئة أصبحت تقدر هذا العام بـ48 في المائة أي نحو 32 مليار دولار أميركي. مبيعات السلع الفاخرة أيضاً سجلت نمواً بنسبة 19في المائة، وفق تقرير صدر عن هيئة الأزياء السعودية بعنوان «حالة الأزياء في المملكة العربية السعودية 2023».
في الشهر ذاته، نظمت هيئة الأزياء قمة WWD احتفاءً بالمواهب المبدعة، والعلامات التجارية المحلية بهدف بناء حضور أوسع وتحقيق تطلعات واعدة، باعتبارها من الأسواق العالمية. كان فاوستو بوغليسي، المدير الإبداعي العالمي لعلامة روبرتو كافالي من بين الحضور. وقد بهره ما رأى.
في حديث مع «الشرق الأوسط» قال إنه لم يكن يتوقع ما عاينه في الشوارع من تطور مدهش في مجال الموضة، سواء تعلق الأمر بـ«أزياء الشارع» أو الأزياء المحتشمة التي تُعبِر عن الهوية والثقافة العربية بأناقة معاصرة.
دبي والرغبة في المرتبة الخامسة:
دبي لم تقف مكتوفة الأيادي أمام المد السعودي. فهي ترى أنها أحق بمرتبة الصدارة في منطقة الشرق الأوسط نظراً للاستثمارات التي تقوم بها منذ زمن أبعد في مجالات إبداعية متنوعة، على رأسها الموضة. ثم أنها منذ أكثر من عشر سنوات تعمل كل ما في وسعها لتكون في المرتبة الخامسة ضمن أسابيع الموضة العالمية بعد نيويورك وميلانو ولندن وباريس. بات الأمر بالنسبة لها قاب قوسين حسب المواسم الأخيرة لأسبوع دبي.
أسبوع دبي
بنسخته الأخيرة لخريف وشتاء 2025 – 2026 أكد أنه الآن أشد ورؤيته أوضح بعد أن حصل على دعم من حي دبي للتصميم ومجلس الأزياء العربي. قوته تكمن في أنه يُوفِر منصة لمصممين من كل الوطن العربي إلى جانب مشاركين من آسيا وأوروبا وأميركا واستراليا. هؤلاء يأتون من كل صوب على أمل استقطاب ود زبون مقتدر ويُقدر الموضة.
من جهتها قدّمت علامة «Velvety Couture» مجموعة احتفت فيها بالمهندسة المعمارية الراحلة زها حديد ورؤيتها المستقبلية. من مركز حيدر علييف الثقافي في مدينة باكو الأذربيجانية تحديداً، والذي صممته زها أخذت الكثير من التفاصيل طرزتها على فساتين فخمة من الشيفون والتافتا والمخمل، بألوان الأبيض والأسود والرمادي والفضي.
العراقية تارا بابيلون، صاحبة علامة «Tara Babylon» والمقيمة في نيويورك، قدمت مجموعة بعنوان «أميرة اللصوص Princess of Thieves»، لم تشرح سبب اختيارها للعنوان، لكن المتابع للعرض يلاحظ أن الطابع الشرقي غلب عليها. ظهر أكثر في نقشات أشجار النخيل ودرجات اللون الأخضر. كما استعملت تارا أقمشة قطنية مُعاد تدويرها، مستخدمة تقنيات النسج والطباعة والمعدات وأدوات الكروشيه. فهي ترفع راية الاستدامة في كل عرض. النتيجة هذه المرة كانت مفعمة بالديناميكية والعصرية.
ديما عياد مؤسسة علامة «Dima Ayad»، التي تحتفل بالمرأة أياً كانت مقاييسها أو مقاساتها مجموعة ظلت وفية لقناعاتها. فهي لكل مكان وزمان ولكل الأعمار والأجسام.
أما المصمم فيكتور وينسانتو مؤسس علامة «Weinsanto»، مثلاً قدَّم خلال الأسبوع مجموعة بعنوان «كابوس في المطبخ Cauchemar in the Kitchen»، قال إنه استوحاها من الطابع العام لمطعم «Georges» الباريسي، وهو ما جسَّده في النقشات الزاهية والتطريزات المستوحاة من الفنِّ الحديث.