كشفت مراجعة بحثية جديدة أن العلاج بالموسيقى قد يساعد في تحسين أعراض الاكتئاب لدى الأشخاص الذين يعانون من الخرف، مما يعزز الاعتراف المتزايد بالتدخلات غير الدوائية في رعاية ها المرض.
ويُعد الخرف مجموعة من الاضطرابات التنكسية التقدمية في الدماغ، والتي تؤثر على الذاكرة والتفكير والسلوك والعواطف.
ووفق منظمة أبحاث ألزهايمر، بلغ عدد المصابين بالخرف في العالم نحو 55 مليون شخص في عام 2019، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 139 مليون شخص بحلول عام 2050.
وبينما تتاح بعض الأدوية لتخفيف الأعراض، إلا أن العلاجات غير الدوائية مثل العلاج بالموسيقى تُعد بديلاً بسيطاً وغير مكلف، يمكن تطبيقه حتى في المراحل المتأخرة من المرض.
الخرف والاكتئاب
يرتبط الخرف والاكتئاب بعلاقة معقدة، حيث يمكن أن يتداخل كل منهما مع الآخر بطرق متعددة، فمن الناحية البيولوجية، ترتبط الحالتان بتغيرات في كيمياء الدماغ مثل انخفاض مستويات السيروتونين والدوبامين، مما يؤثر على المزاج.
كما تسبب بعض أنواع الخرف، مثل مرض ألزهايمر والخرف الوعائي، تغيرات في مناطق الدماغ المرتبطة بتنظيم العواطف مثل اللوزة الدماغية والقشرة الجبهية.
وتشير الدراسات إلى أن الاكتئاب المزمن في منتصف العمر قد يزيد من خطر الإصابة بالخرف لاحقاً، ربما بسبب التغيرات الالتهابية، أو تسريع التنكس العصبي.
وفي بعض الحالات، قد يكون الاكتئاب أحد الأعراض المبكرة للخرف، ويُعرف باسم الاكتئاب المصاحب للخرف، حيث يبدو أن الشخص يعاني من ضعف إدراكي بسبب الاكتئاب بدلاً من الخرف الفعلي، إذ تؤدي الإصابة بالخرف إلى فقدان الاستقلالية، وزيادة العزلة الاجتماعية، مما يعزز من احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
تشخيص الاكتئاب
يُمثّل تشخيص الاكتئاب لدى مرضى الخرف تحدياً؛ لأن الأعراض مثل الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الاهتمام، تتداخل مع أعراض الخرف نفسه، بينما قد تكون العلاجات الدوائية التقليدية غير فعَّالة، أو تسبب آثاراً جانبية سلبية.
لذلك، يُعتبر العلاج بالموسيقى وغيره من التدخلات غير الدوائية بدائل واعدة لدعم الصحة النفسية، وتحسين جودة الحياة لدى مرضى الخرف دون تعريضهم لمخاطر الأدوية.
العلاج بالموسيقى
وأجرى فريق بحثي من عدة مؤسسات في هولندا مراجعة منهجية شملت 30 دراسة وبمشاركة 1720 شخصاً، حيث تم تقييم تأثير التدخلات العلاجية بالموسيقى على الرفاهية العاطفية، بما في ذلك جودة الحياة، واضطرابات المزاج، والمشكلات السلوكية، والسلوك الاجتماعي، والإدراك.
وأجريت معظم التجارب في دور الرعاية في دول ذات دخل مرتفع مثل أستراليا وتايوان والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، وتضمنت العلاجات عناصر نشطة مثل عزف الآلات الموسيقية، بالإضافة إلى عناصر استقبال مثل الاستماع إلى الموسيقى الحية المقدمة من معالجين متخصصين.
وأظهرت النتائج أن العلاج بالموسيقى يُرجَّح أنه يُحسِّن أعراض الاكتئاب، وقد يساعد في تقليل المشكلات السلوكية بنهاية فترة العلاج، لكن لم يظهر تأثير كبير على حالات القلق، أو العدوانية، أو الإدراك. ومقارنة ببرامج أخرى، هناك بعض الأدلة على أن العلاج بالموسيقى قد يعزز السلوك الاجتماعي ويخفف القلق.
وقالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، جيني فان دير ستين، الباحثة في جامعة “لايدن” والمركز الطبي لمرض ألزهايمر، إن هذه المراجعة تعزز فهمنا لتأثيرات العلاج بالموسيقى، وتقوّي الدعوة لدمج الموسيقى في رعاية الخرف، خاصة في دور الرعاية.
وأضافت الباحثة أن الجلسات الموسيقية المنظمة يمكن أن تدعم المزاج والسلوك بطريقة تفاعلية وسهلة الوصول، حتى في المراحل المتقدمة من المرض.
نحو نهج شامل
وأشار الباحثون إلى أن العلاج بالموسيقى طريقة خالية من الأدوية لمساعدة الناس على الشعور بقدر أقل من الحزن والقلق، ويأملوا أن تؤدي جودة الدراسات الحديثة إلى مزيد من الاهتمام بالعلاج بالموسيقى كبديل معقول للعلاجات الدوائية.
كما أكدوا على ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث حول الآثار طويلة المدى للعلاج بالموسيقى، خاصة في البيئات المجتمعية، حيث ركَّزت معظم الدراسات الحالية على دور الرعاية.
وتعكس هذه النتائج الدور المتزايد للعلاجات غير الدوائية في رعاية الخرف، مما يوفر بديلاً أكثر إنسانية وشخصية لتحسين جودة حياة المرضى.
بينما لا تزال هناك حاجة لدراسات إضافية لتحديد التأثيرات طويلة الأمد، فإن النتائج الحالية تعزز أهمية تبني نهج شامل لرعاية الأشخاص المصابين بالخرف.