(ريتا الجميل)
لم يكن مصير معرض رينيه فوّاز المعنون “خفايا اللون” أفضل حالاً. افتتح في 30 أيلول، وترهّبت بعض الخليقة، أو معظمها، الخروج من منازلها. أعمال فوّاز التجريدية تعاكست مع الواقع المر، وحاولت خلق أجواء مختلفة من خلال العلاقة الوثيقة باللون، وقد عمدت الفنانة إلى إعادة افتتاح معرضها منذ فترة كي يٌتاح للراغبين معاينة الأعمال بعيداً من أجواء التوتر. على أن المعارض التي تعود إلى النصف الأول من العام، فقد استطاعت المرور بسلاسة، ضمن أجواء لم تكن بعيدة من الحرب، لكنها لم تكن ضاغطة، بحيث لم يكن منسوب التوتر مرتفعاً. عرضت يولاند نوفل أعمالاً تفوح منها رائحة الوضع الشخصي، وعلى هذا المنوال، إلى حد ما، يمكن النظر إلى لوحات كويش الفراجي، وهواء بيروت وشخصياتها، وأمكنتها المرئية وغير المرئية، المنعكس في أعمال ماغدا شعبان، ذات الأسلوب الذي صارت تُعرف من خلاله.
هذه النزعة الشخصية لم تغب عن لوحات نزار عثمان، حيث طغى الطابع الفطري الطفولي على برورتريهاته الخارجة عن إطار القواعد الأكاديمية. لوحات غيلان الصفدي تركزت حول موضوع الطاولة، أو الطاولات، وهي فكرة مبتكرة شاء من خلالها تبيان ما يمكن أن تحمله طاولات المقاهي، أو غير المقاهي من ذكريات الجالسين عليها في مناسبات مختلفة. هذا النحو صوب بسط الأفكار وإخراجها ضمن أسلوب مبتكر كنا لحظنا مفاعيلة في معرض منار علي حسن “حكايات أجساد مؤلمة”، الذي لفت انتباهنا في شكل خاص، نظراً للمحتوى الذي صرفت عليه الفنانة وقتاً وجهداً كبيرين، وكذلك يمكن الحديث عن أعمال منصور الهبر، ذات الشخصيات المرسومة على ورق، وتحمل الكثير من العناصر التعبيرية. أما أعمال أسامة بعلبكي الذي عنونه “ضوء داخلي”، والذي اعتبرناه نوعا من الرجاء في خضم الأزمنة المضطربة، عبر الغوص في مسارات اللون الغنية، فإن هذا الرجاء والأمل كانا تعرّضا لانتكاسة مادية ومعنوية ارتبطت ببيت العائلة. إذ عمد العدو الإسرائيلي إلى تدمير منزل الوالد عبد الحميد بعلبكي، من ضمن منازل بلدة العديسة المستهدفة بوحشية فائقة، لتتحوّل كتب وأعمال فنية ومخططات غرافيكية تخص البعلبكي، أو عائدة إليه، رماداً منثوراً فوق قطع الحجارة.
(نزار عثمان)
(إلهام شاهين)
أول ما يثير انتباهنا، فيما استعرضناه من معارض ومن أعمال احتوتها الصالات، خلال العام المشرف على نهايته، هو طغيان العنصر النسائي. ربما كانت الفنانات أكثر حساسية، وكنّ أقرب بطبيعتهن إلى النواحي الشعورية، من دون أن نبخس دور الفنانين الذكور في هذا المجال. البعد النفسي والسيكولوجي كان واضحاً في كل ما ذكرناه، وهذا الأمر لا يعتبر غريباً، أو دخيلاً على الفن التشكيلي، بل يقع في صلبه، وما كلامنا، هنا، سوى نوع من التذكير والتأكيد على هذه الناحية المحورية.
مرّ شهران وأكثر، منذ منصف أيلول وحتى نهاية تشرين الثاني، أقفلت خلالها صالات العرض، بل أقفلت أماكن كثيرة في البلد، حين كانت القنابل تنهمر على رؤوس الخليقة، وتهدم ما بنته أياديهم. فعلت الحرب فعلها في أمكنة عدّة، وتأثرت أماكن أخرى من دون أن تطاولها الحرب في شكل مباشر. لقد تركت هذه الحرب آثاراً لن تُمحى بسهولة، أكان فيما يخص الأوضاع المادية أو النفسية. هذه الآثار، التي لم تظهر حتى اللحظة إلاً قليلاً في الفن التشكيلي، لا بد من أن تشكّل لاحقاً أرضية خصبة للخلق والإبداع، من أجل تجسيد أمور كثيرة ومسائل عديدة، تختلط فيه المأساة والألم والفقدان والحطام على أنواعه، بالأمل الذي لا مفر منه، كما يقول المتفائلون.