ما يعبر عنه الجموع بصورة علنية وصريحة، تجاه قضية ما على الساحة، يشير إلى ماهية الرأي العام؛ ومن ثم يصبح له قوة، ويطغى على الرأي الخاص، أو الفردي، وهنا تتخذ الدولة الرشيدة الإجراءات الصحيحة حيال ذلك؛ حيث تعرض تفاصيل القضية، أو المشكلة، أو الأزمة، أو الحدث، الذي تم تناوله من خلال الآراء الجمعية، ويبدي الاهتمام بشأن ذلك، وهذا يدل على أن احترام وتقدير الرأي العام في المجتمعات الراقية، يشكل سياج التماسك، والترابط المجتمعي، ويدل بصورة قاطعة على أن قيم المجتمع النبيلة هي الحاكمة، وأن الشعب لا يقبل التفريط فيها، ولا يتقبل كل ما من شأنه يهدد، أو يكدر الأمن العام.
المجتمع المصري من المجتمعات المسالمة، التي تحب التعايش بسلام، وتعشق الاستقرار، وتنمو في خضم الأمن والأمان؛ لذا تجد هذا الشعب بطبعه، ينبذ الفكر الهدام، والممارسات المخلة، وكافة ما من شأنه يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، كما أن هذا الشعب المغوار يساند جيشه وشرطته، عند مواجهة براثن الإرهاب الأسود، وهنا يبدو الاختلاف بين مصر، ودول أخرى تفككت؛ نتيجة لضعف نسيج الوطنية، واتباع هوى الطائفية، والسير نحو المكاسب الشخصية، التي تقدم على المصلحة العليا للبلاد؛ فنرى انهيارًا مدويًا بسرعة البرق بتلك المجتمعات؛ فتنغمر في طيات صراعات، ونزاعات، لا نهاية لها.
الرأي العام المصري، يتوافق حول كل ما يغذي الوجدان بجليل القيم، والخلق الحميد، وينساق نحو كل ما يسهم في نماء وتقدم ونهضة وإعمار البلاد؛ فهذا الشعب العظيم يصطف دومًا في حالات الاستنفار التي تستهدف التنمية، أو تعمل على دحر المعتدي؛ لذا باتت مصر آمنة مطمئنة بفضل الله – تعالى – وتماسك، وتكاتف، وترابط شعبها، وهذا بالطبع يمد المؤسسات الوطنية بقوة وحماسة؛ لتؤدي ما عليها من واجبات، وتستجيب على الفور لنداء الشعب، وتعمل جاهدة كي تلبي متطلباته، واحتياجاته، وتطلعاته، وآماله الآنية منها والمستقبلية.
الرأي العام المصري، يرفض ما يخالف قيمنا المجتمعية؛ ومن ثم يعد منبرًا معبرًا يساهم في فك التشابك بين قيمنا الأصيلة والقيم الدخيلة، أو المستوردة، أو الوافدة؛ فيستفيق الإنسان وتثار حفيظته تجاه تحقيق التماسك الأسرى، وحفظ الأنساب، وصيانة الأعراض، والدفاع عن الأوطان؛ فيعدو التمرد والتفكك والتشرذم منا ومن أجيالنا ببعيد؛ فتحافظ المرأة على نفسها، وتصون عفتها، وتدحر صور محاولات النيل منها، ويتبنى أولادنا خلق الصدق، والأمانة، والشهامة، والإقدام، وحب العمل واتقانه، ويتخلى أبناؤنا عن الكذب، والغش، والإهمال، والتقاعس، واللامبالاة، وسائر ما يضعف العزيمة ويحبط الهمة.
تحرص الدولة بمؤسساتها على العناية بنبض الشعب عبر قراءة الرأي العام له؛ فتجد الاستجابة سريعة، حيال أي حدث، أو قضية، تثار تفاصيلها على الفضاء الرقمي، والإجراءات التي تتخذ لها طابع الدقة، والسرعة، والعدالة؛ حينئذ توصف بالناجزة؛ فالأمر يتعلق بتفعيل لمواد الدستور، وقوة القانون، الذي أقره الشعب، وبالأحرى تمخض عن قيم نبيلة، تبناها المجتمع؛ فكانت المعيار الحاكم الذي يعول عليه.
من يحاول أن يتجاوز العرف والقانون، وما تربى عليه المجتمع المصري المسالم، تجد أن الرأي العام يرصد ممارساته، ويعبر عن امتعاضه؛ ومن ثم تتخذ الجهات المعنية، ما يلزم من إجراءات؛ كي تؤكد على مسلمة الاستقرار، وأن لا أحد فوق القانون؛ مهما كان، وفي أي مكان كان؛ لذا تلاحظ أن الرأي العام أيضًا يعبر عن امتنانه؛ لما تقوم به مؤسسات الدولة، والجهات المعنية، من إجراءات، تحقق ماهية العدالة، والمساواة، ونصرة الحق، وإنفاذ القانون؛ فمصر وشعبها ما كان لها أن تتقبل الضيم، أو الظلم، أو التكبر، أو التجبر، أو أي ممارسة، تدل على الانحراف عن المسار القويم.
الرأي العام المصري، يؤكد في مكنونه على أهمية وماهية القيمة، لما لها أثر فاعل في الوجدان، وباعتبارها معيار ومبدأ يقبله المجتمع ويقره ويتمسك به؛ ومن ثم تسعى الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية إلى تشكيل المعتقد الراسخ لهذه القيمة؛ لتصبح إحدى لبنات التفكير ومكون رئيس للقناعة الذاتية، وفي ضوء ذلك تعد موجهة للسلوك في إطاره الحسن؛ ليتناغم مع أهداف المجتمع الكبرى عبر ممارسات وأقول تصدر من شخص يعي ما عليه من واجبات فيؤديها، ويدرك ما له من حقوق؛ فيطالب بها بالطرائق المشروعة.
وثمت ميزة تراها في الرأي الغالب، أو الاعتقاد السائد، أو إجماع الآراء، أو الاتفاق الجماعي، لدى غالبية فئات الشعب المصري؛ ألا وهي التوافق والتكاتف على صحيح الأمر؛ والسبب أن الجميع تربى على قيم جامعة، وأعراف وتقاليد، متجذرة، تقوم على صحيح الخلق، وصواب الممارسة والسلوك؛ لذا تجد المجتمع بكافة طوائفه، يستنكر التنمر، والتحرش، والاعتداء، وعلانية الفجور، والفسق، كون هذا المجتمع متدين بطبعه، ولديه وازع عقدي، لا ينطفئ سراجه؛ لذا لا تخشى على شعب، يؤكد الرأي العام به على قيمه، ومبادئه، ويحفظ به ثقافته، وحضارته، ويحمي من خلاله مقدراته، ويصون أرضه، وعرضه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.