باسل المقوسي في إحدى ورشاته بصبحة أطفال غزيّين (صفحة الفنان على الفيسبوك)
ينشر باسل المقوسي على صفحته في “فيسبوك” صورته وهو يرسم على وجه طفلٍ صغير طائراً محلّقاً بجناحيه؛ طفل مغمض العينين مستسلماً لمخيّلته مثل عشرات الأطفال الذين درّبهم المقوسي على مدار سنوات ماضية على الحلم.
صورة الطفل ومعلّمه أُدرجت في الثالث عشر من الشهر الجاري، يوم الثقافة الفلسطينية، حيث اختير الفنان التشكيلي والمصوّر الفوتوغرافي الغزّي (1971) شخصية العام الثقافية للعام الجاري، لدوره في “تعزيز مفهوم الفنّ المقاوم، والفنّ من أجل توثيق الحياة الفلسطينية ويومياتها وهمومه”، بحسب بيان وزارة الثقافة في رام الله.
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واظب المقوسي على نشر رسوم ونصوص تنقُض رواية الاحتلال الإسرائيلي حول “إرهاب” غزّة، في سعي دؤوب على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق المشاهد التي تصل إليها عدسات الإعلام، متقصداً عدم تجميلها ونقل الحقيقة كما هي بطريقة فنية، بحسب حديثه لـ”العربي الجديد”.
أقام ورشات رسم لأطفال من ذوي الإعاقة السمعية منذ 7 أكتوبر
“غزّة بكلّ ألوانها، وتنوّع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فيها”؛ عبارة توجز مشروع الفنان الذي يرى الفنّ مُهمّاً في تقديم كل نواحي الحياة، ونقل معاناة الشعب الفلسطيني، بصورة مختلفة عن التي يراها المشاهد على شاشات التلفزة، للمساهمة في تغطية الإبادة التي تستمرّ حتى اللحظة بأشكال متعدّدة.
يضيف المقوسي: “مع بداية العدوان، كان يؤلمني وجود الأطفال من دون مدارس ومراكز تعليمية، حيث يتجوّلون في الشوارع بحثاً عن لقمة للعيش أو لجمع حطب وأخشاب من أجل إيقاد النار التي تحتاجها عائلاتهم للتدفئة والطبخ”. لذلك انطلق في البحث عن الأطفال ذوي الإعاقة السمعية في مخيمات النزوح، الذين عمل معلّماً لهم سابقاً، لإقامة ورشات بهدف تجنبيهم التنمّر، ودمجهم مع بقية أقرانهم، وهي الغاية نفسها التي دفعته لتأسيس “محترف شبابيك” في غزّة عام 2003 بالشراكة مع الفنانَين شريف سرحان وماجد شلا، مؤمنين بنشر ثقافة الفنّ بين الأطفال والنساء وكبار السن بوصفها عملاً مقاوماً.
وبالرغم من محاولاته إبعاد الأطفال عن آثار الإبادة، إلا أنها ظلت ماثلة في رسوماتهم، وهم يستحضرون ذويهم الذين استشهدوا، إلى جوار أحلامهم بالنجاة من المذبحة، وخلق مستقبل يليق بهم، مكرّساً معظم وقته لزيارتهم والاطّلاع على أعمالهم التي كان ينشر بعضها على حسابه الفيسبوكي. كما قام بالفعل نفسه مع فناني “محترف شبابيك” لتأمينهم بأدوات رسم، من دفاتر وألوان، بعد أن يطمئنّ إلى توفير الطعام والمأوى لعائلته.
لا يغيب البحر عن رسومات المقوسي وتلاميذه، مبيّناً أن شطّ غزّة كان المتنفّس الوحيد لأهلها قبل السابع من أكتوبر وبعده؛ ملجأهم للشكوى والبوح، لذلك نصب غزّيون كثر خيامهم من النايلون والشوادر بالقرب من البحر، بينما طيران العدو يواصل قصفه القطاعَ.
مشهدٌ آخر ظلّ يُلاحق الفنان كلّما نزح من مكان إلى آخر. مشهد غزّي يغرّد خارج السرب، يظهر فيه شابّ عشريني وهو يعزف على العود للتفريغ النفسي، ولإسعاد الناس والتخفيف من أوجاعهم أيضاً، وقد انتشر له فيديو مرّة وهو يعزف تحت المطر. هذا العازف وخلفه طائرات العدوّ وآلته الحربية تُدمّر غزّة، احتواه رسمٌ للمقوسي ثُبّت على ملصق يوم الثقافة الوطنية الفلسطينية.
يختم المقوسي حديثه لـ”العربي الجديد” بالقول: “اختياري شخصية العام كان تكريماً لرحلتي مع أطفالي، ولما أنشره على مواقع التواصل الاجتماعي من رسومات، رفعها بعض المشاركين في تظاهرات، احتضنتها مدن عدة حول العالم، رفضاً للمجزرة”.
يُذكر أنه تمّ اختيار الثالث عشر من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش، من كلّ عام، يوماً للثقافة الفلسطينية، تنظّم خلاله فعاليات وأنشطة تتنوع بين مهرجانات ثقافية وفنية، ومعارض فنون تشكيلية، وعروض أفلام سينمائية، وأخرى مسرحية، وحفلات موسيقى، وأمسيات شعرية.