خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتشرت بين أطفال الأسر الفلسطينية والعربية في الدنمارك مقاطعة مطاعم ماكدونالدز، وغيرها، إلى جانب مقاطعتهم قائمة من السلع الأميركية، كما كانوا يحثّون المتضامنين على مقاطعة الاحتلال في فعاليات إسناد مع غزة.
بعض المدارس التي يرتادها الصغار في الدنمارك أنصتت إلى التحول الذي كان يحصل عندهم، إذ رفض بعضهم دعوات الخروج مع صغار آخرين يحتفلون بأعياد ميلادهم في ماكدونالدز. استدعيت بعض الأمهات إلى تلك المدارس، وبعضهن ولدن في الدنمارك، ليشرحن ما يجري. استغراب معلمات أطفال ولدوا في الدنمارك، تحوّل تدريجياً إلى تفهّم وقبول.
اليوم يُستبدل في الدنمارك التعجّب لاستمرار مقاطعة فلسطينيي وعرب البلد مطاعم أميركية ومقهى ستاربكس إلى ما يشبه الانضمام إلى تلك المقاطعة، بعد أن بدأت تنتشر شعبياً بمسمى “حملة شعبية لمقاطعة سلع أميركا”. في الفترة الأخيرة تطوّرت المقاطعة الشعبية الدنماركية لأميركا إلى ما هو أبعد من دعوات فردية. فعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أُسّست صفحة على فيسبوك بعنوان “قاطعوا السلع من الولايات المتحدة” (Boykot varer fra USA) والتي باتت تضمّ اليوم نحو 60 ألف متابع.
تسارع المقاطعة وتوسعها، على خلفية سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي استهلّها بصدام مع كوبنهاغن لرغبته في شراء غرينلاند، يجعلانها الآن ظاهرةً شبيهةً بتلك الفلسطينية-العربية. فيتبادل الدنماركيون أسماء السلع البديلة لمشروبي كوكا وبيبسي كولا ونبيذ كاليفورنيا، وقائمة طويلة أخرى تصل إلى سيارات فورد، وبصورة خاصة سوق سيارات تيسلا لمالكها الثري ومستشار ترامب إيلون ماسك، وغيرها.
مثل هذه الدعوات لمقاطعة من اعتبروه الحليف والمثل الأعلى (أميركا) كانت في بدايتها خجولةً، وأغلبها ممن هم أقرب إلى اليسار، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى حملة شعبية. اللافت في هذا النشاط المجتمعي في البلد الاسكندنافي الصغير أن البعض يُطلق على المقاطعة تسمية “المقاومة واجب حين يصبح الخطأ صواباً”، كما سماها الصحافي الدنماركي لارس هـ. نيلسن. واعتبر نيلسن أول من أمس الاثنين أن المقاطعة رسالة للأميركيين “اذهب أيها اليانكي إلى بلدك”، وبأنه حين يقاطع الجميع البضائع والمنتجات الأميركية “ففي ذلك استهداف لمحفظة أميركا المالية تحت حكم ترامب”.
توسع المقاطعة وإيجاد بدائل في متاجر الدنمارك قد يفيدان الأخيرة والطبقة السياسية التي تشعر بأن شعبها يدعم مواقفها الرافضة للتنازل عن جزيرة غرينلاند (تضم حوالي 56 ألف نسمة) التي تتمتّع بحكم وتتبع سيادتها لكوبنهاغن. وفي الأيام الأخيرة اضطرت الصحف والتلفزة الدنماركية إلى تناول هذا التطور الشعبي في التمسك المقاطعة وتوسيعها، ما يثبت أنها حملة مقاطعة جدّية.
ويرى بعض مشجعي المقاطعة الشعبية أن “أميركا وترامب لا يفهمان سوى القوة”، وأن ترامب يحترم القوي والمال، راغبين في توسع المقاطعة نحو مساهمة أوروبية فيها.
النصائح المتبادلة للمقاطعين تُذكّر مرة أخرى بالمقاطعة المتضامنة مع غزة، إذ تخاطب المواطنين وتُبدي سهولة إيجاد البدائل، بالدعوة مثلاً إلى وقف استخدام معجون أسنان كولغيت وشامبو هيد آند شولدرز وشفرات حلاقة جيليت والمشروبات وغيرها الكثير. إذاً، الهدف الذي كان في البدايات لفت انتباه الناس إلى أهمية الحملة الشعبية للمقاطعة، تطوّر سريعاً من بضعة أشخاص على “فيسبوك” إلى توسعها، خلال الأسبوع الماضي، إلى عشرات آلاف الأعضاء. اللافت أن المقاطعين يتحدثون عن أنهم يخاطبون أطفالهم حول ضرورة مقاطعة مجتمع بلدهم لنتفليكس وتلفزيون آبل، إلى جانب ما يهضمونه من وجبات سريعة أميركية وما يشربونه من مشروباتها.
بمعنى أن المقاطعة كانت قبل أشهر بسيطة تستدعي استدعاء أولياء أمر فلسطينيين من إدارات مدارس كان يستغرب فيها المعلمون أن يقول طفل “نحن مقاطعون لماكدونالدز بسبب دعم أميركا قتل إسرائيل أطفال غزة”. والآن ها هي مقاطعة سلع أميركا تتبنّى حرفياً المقاطعة الفلسطينية-العربية، كرسائل شعبية تتوسع لتشمل المجتمعات التي كانت حريصة على إبقاء العلاقة مع الجانب الأميركي كشقيق أكبر في معظم دول الشمال الأوروبي، وتذكر أن المقاطعة الشعبية يمكن أن تكون وسيلة للتعبير عن إرادة أفراد المجتمعات.