في إحدى زوايا السينما المصرية، حيث تُكتب الحكايات وتُرسم الأحلام، بزغ نجم فتاة شغوفة بالفن تُدعى إلهام شاهين. لم تكن إلهام مجرد اسم عابر في عالم الفن، بل كانت روحاً متمردة تسعى دائماً لإحداث فرق.
جذب بريقها أعين صُنّاع السينما، لتصبح واحدة من أبرز نجمات الشاشة الكبيرة. لكنها لم تتوقف عند حدود الجمال أو الشهرة، بل حملت على عاتقها رسالة الفن الحقيقي.
في كل دور قدمته، كانت إلهام تعيش الحكاية وكأنها جزء من واقعها، تتنقل بين الشخصيات بسلاسة تُبهر المشاهد، تُجسد قضايا المجتمع، وتُبرز معاناته وآماله. ومع كل جائزة أو تكريم، لم يكن ذلك مجرد اعتراف بموهبتها، بل شهادة على تأثيرها العميق في قلوب الملايين. إلهام شاهين ليست مجرد ممثلة، بل أيقونة للمرأة القوية والجريئة، التي كسرت الحواجز. أجرت معها “النهار” لقاءً خاصاً، حيث تحدثت عن مسيرتها الفنية، وتجاربها، ورؤيتها للفن والمجتمع.
ما هي المقولة في الحياة التي تؤمنين بها ورافقتك طيلة مسيرتك الفنية؟
من جدّ وجد، فلا شيء يأتي في الحياة من فراغ. يجب علينا أن نتعب لنصل إلى ما نريد، وخاصة في مجال الفن، حيث يتطلب الأمر جهداً كبيراً طيلة الوقت لتحقيق النجاح
كيف أثّر الفن على شخصيتك؟ ماذا علّمك؟ وماذا أخذ منك؟
لقد منحني الفن الهدوء النفسي والثقة الزائدة في الناس، لكنه في المقابل أخذ مني أوقات نومي، حيث أعمل دائماً لمدة 24 ساعة وعقلي لا يتوقف عن التفكير. كما أخذ مني أيضاً القدرة على أن أكون مستقلة في حياتي الشخصية، لأن الفن من الصعب أن يكون له شريك.
ومع ذلك، فقد منحني بالتأكيد حب الناس، والنجاح، ومكانة مرموقة في المجتمع.
في رصيدك ما يقارب 190 عملاً فنياً، هل شعرتِ يوماً بالتعب أو فكرتِ في الابتعاد عن التمثيل؟
بعد كل تلك الأعمال، قد يفكر الشخص في ترك العمل، خاصة عندما تعرض عليّ أعمال كثيرة ولا أجد فيها جديداً، بل تكون مكررة أو أقل من المستوى الذي أتوقعه وأقل من أعمالي السابقة. أريد أعمالًا أعلى أو على الأقل بنفس المستوى، ولكن لا أجد ذلك بسهولة. فكرت في ترك العمل، لكنني أعيد التفكير وأقول لنفسي إن هذا الأمر مؤقت، ولا بد أن يظهر عمل يغريني. ولكن هناك سنوات غبت عنها.
ما الرسالة التي تحرصين على إيصالها للجمهور قبل بدء أي عمل جديد؟
أن أكون دائمًا جديدة في أعينهم وألا أكون مكررة، وأن يكونوا على ثقة بأن إلهام شاهين تبذل جهداً كبيراً في عملها، وتفاجئهم بأدوار جديدة ومختلفة، خاصة في أدواري الأخيرة التي تتميز بأنها غير مكررة ولا تشبه أدوار أحد آخر. وآخر أعمالي كان مسلسل “ألفريدو” الذي يتكون من 10 حلقات خارج السباق الرمضاني، وتم عرضه على منصة Watch It، حيث لعبت دور مريضة ألزهايمر، وهو دور لم يمثله أحد قبلي وأحببته للغاية.
كما كان هناك مسلسل “بطلوع الروح” حيث تجسدت شخصية زعيمة داعش، وهو دور لم تمثله امرأة من قبل. وفي السينما، قدمت موضوعاً شائكاً جداً عن زنا المحارم، وهو موضوع لم يتطرق إليه أحد من قبل. عموماً، أنا أبحث دائماً عن الجديد، وعن المواضيع الشائكة والمسكوت عنها.
لكل إنسان تجارب يندم عليها، وكنتِ قد صرّحتِ سابقاً بندمك على فيلم “موت سميرة”. كيف تتعامل إلهام شاهين مع مشاعر الندم؟
توقفت عن قول إنني نادمة على أي شيء، لأنني عندما قلت إنني ندمت على فيلم “موت سميرة” الذي يسيء للأستاذ حمدي، أخذت السوشيال ميديا هذه الكلمات وابتكرت منها قصصاً أخرى، مثل المشاهد المسيئة والمشاهد الإباحية، في حين أن الفيلم لا يحتوي على أي من ذلك. الفيلم فقط يسيء إلى الفنان الكبير، ولذلك ندمت. لكن لا يوجد شيء أندم عليه، حتى وإن كان العمل ليس بالمستوى الذي أتمناه، لأنني في ذلك الوقت اخترت بناءً على قناعاتي. في ذلك التوقيت، كنت مقتنعة بكل ما قدمته.
إذا عاد بك الزمن إلى الوراء، ما الذي كنتِ ستغيرينه في حياتك؟
لا أعتقد أنه إذا عاد الزمن إلى الوراء كنت سأغير شيئاً في حياتي. هذا قدر ومكتوب، وأنا اخترت عملي، وعملي أعطاني العديد من الأمور أيضاً.
عندما تشعرين بالإحباط أو الاكتئاب، كيف تتعاملين مع الأمر؟
عندما أشعر بالاكتئاب أو الإحباط، أغلق على نفسي وأعيش مع إلهام، وأعلم كيف أتعامل مع تلك الحالة وأخرج منها. وقد تعودت على ذلك لأنه لا يوجد حل آخر. أجبر نفسي على الخروج من هذه الحالة حتى لا أعطي الفرصة لمن تسبب في إحباطي أو اكتئابي أن ينتصر عليّ، لأنني أكره الهزيمة بشدة.
خلال مسيرتك الفنية، هل هناك تعليق معين من أحد الأشخاص أثر فيكِ وبقي في ذاكرتك؟ سواء كان من الوسط الفني أو من شخص مقرّب؟
خلال مسيرتي الفنية، هناك تعليقات من أشخاص يهمونني، مثل السيدة فاتن حمامة، التي دائماً ما تعطيني دافعاً للاجتهاد في عملي واختيار الصواب، وعدم الاستعجال في انتقاء الأدوار والقبول بها فقط لأنها معروضة عليّ. وعندما شاهدت أعمالي، قالت لي إنني موهوبة، وأوصتني بألا أسمح لأحد أن يقول إني شبيهة بفاتن حمامة، بل يجب أن يقولوا إلهام شاهين، وأن يكون لديّ شخصية مستقلة، لأن الأصل موجود. وبالفعل، بدأت أختار أدواراً مختلفة عن الأدوار التي كان يمكن أن تقدمها السيدة الكبيرة فاتن حمامة، واتخذت خطاً مختلفاً لكي يكون لي خط فني مميز.
من هو الممثل أو الممثلة التي تحبين العمل معها؟ ومن هو المخرج الذي ترغبين بالتعاون معه؟
أنا من أشد المعجبات بميريل ستريب، وأعتبرها أستاذتي وأتعلم منها لدرجة أنني أذاكر أعمالها. أتمنى أن أشارك في أعمالها وأن تختار المخرج الذي تريده، لكن هذه مجرد أحلام.
برأيك، هل يمكن أن تصل السينما العربية اليوم إلى نفس مستوى التطور الذي تشهده السينما العالمية؟
السينما العربية اليوم تستخدم أحدث التقنيات العالمية، ولكن ماذا تعني “أفلام عالمية”؟ هي اللغة فقط، على سبيل المثال، يمكننا إنتاج العديد من الأفلام الأميركية، ولكن اللغة الإنجليزية هي المسيطرة على العالم، وأميركا هي القارة المسيطرة. لهذا السبب، تحظى الأفلام الأميركية بنجاح كبير، لأنها تعرض في قارة بأكملها، حيث يعرض الفيلم في أسبوع في 50 دولة. لذلك، من الطبيعي أن تحقق هذه الأفلام أرقاماً خيالية. نعم، هناك العديد من الأشخاص في بلاد كثيرة، وليس فقط في مصر، الذين يستطيعون إنتاج أفلام مشابهة للأفلام الأميركية، وربما تكون أفضل أيضاً.
ما رأيك في الأدوار التي تناسب عمر كل ممثلة؟ خصوصاً مع وجود ممثلات يرفضن أداء أدوار الأم أو المرأة الأكبر سناً.
لا أعتقد أن هناك ممثلات يرفضن القيام بدور الأم طالما أن أعمارهن تسمح بذلك. بالنسبة لي، هذه المسألة لا تشغل بالي، فقد قدمت العديد من الأعمال التي تفوق سني منذ صغري. قد مثلت دور الأم أمام أشرف عبد الباقي، وهو من نفس عمري
في زمننا الحالي، هناك ضغط كبير على الممثلات والنساء بشكل عام بسبب معايير الجمال وصورة الجسم المثالية التي يفرضها المجتمع والتريند. ما نصيحتك للنساء في هذا الشأن؟
مسألة الجسم والشكل مهمة بالنسبة للممثلة، والأهم من ذلك هو الحفاظ على الصحة لكي لا يؤثر ذلك سلباً على الجسد. لذلك، أنصح كل امرأة، قبل التفكير في شكلها، أن تفكر في صحتها أولاً. يجب على الإنسان أن يولي اهتماماً بصحة جسده. شخصياً، بذلت جهداً كبيراً لإنقاص وزني لأنني واجهت مشكلة في الركبة، وقد تناولت حقن الكورتيزون دون أن أعلم أن هذه الحقن تحتوي على كورتيزون، وكان لدي أيضاً مشاكل في الغدة الدرقية. كنت قد أهملت صحتي لفترة، وهذا كان خطأ. وعندما علمت أن الحقن فيها كورتيزون ، توقفت عنها واستبدلتها بأدوية أخرى واتبعت نظاماً غذائياً.
دائماً ما تتعرضين لهجوم في ما يخص الدين. هل تعتقدين أن الرد على هذا النوع من الهجوم يفيد؟
أنا لا أجيب على أي هجوم، وأقول رأيي مرة واحدة فقط. وعندما يتم الاستفسار عما قلته، يكون جوابي كالتالي: عندما أقول ما قلت بصوت وصورة، فهذا يعني أن الكلام صحيح. بخلاف ذلك، هم يتقولون عليَّ الكثير من الحكايات، ولا أرد على أي أحد. من يريد التعليق على كلامي، عليه التأكد أولاً من أنني قلت هذا الكلام.
تجمعك صداقة قوية مع يسرا وليلى علوي، برأيك، ما هي أسس الصداقة الناجحة؟
أسس الصداقة هي الصدق، أن نكون صادقين مع بعضنا البعض وحقيقيين. ولا يوجد شيء يفرض علينا أن نكون أصدقاء؛ فالصديق هو الشيء الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يختاره في حياته. العائلة لا نختارها، وحتى المهنة قد تكون دراستك فرضت عليك مهنة معينة، إلا الصديق. لدي أصدقاء من جميع الأجيال، وأنا غنية جداً بالصداقات.
في ظل ازدهار الأعمال المشتركة بين سوريا ولبنان، هل تعجبك هذه الأعمال؟
هناك أعمال رائعة بين السوريين واللبنانيين، وهناك مسلسلات ناجحة جداً مثل “خمسة ونص” و”ستيليتو” و”على أمل”. هذا المزج الرائع يخدم العمل الفني، كما أنه يخدم البلدين.
ما أهمية المسرح بالنسبة لك؟ ولماذا نراك غائبة عنه في السنوات الأخيرة؟
المسرح مهم للغاية، وأنا أخشى أن أقبل على أي عمل بسهولة، لأنني أنا الوحيدة من نجمات السينما التي خرجت من كلية فنون مسرحية، ودرست في المعهد العالي للفنون المسرحية التمثيل والإخراج. لذلك، أشعر أنه يجب أن أقدم مسرحاً على مستوى متميز. كما أنني عملت في المسرح سابقاً للقطاع العام وللقطاع الخاص، وآخر عمل في القطاع الخاص كان يفترض عرضه لمدة سنة، لكننا انتهينا بعرضه بعد 5 سنوات.
كانت المسرحية بعنوان “بهلول في إسطنبول” مع سمير غانم، من إخراج محمد عبد العزيز، وتأليف يوسف معاطي. حتى إننا عرضناها في دول عربية عديدة، وكان هذا آخر عمل قدمته.
وقبل هذا العمل، كان لي مسرحية مع مسرح الدولة بعنوان “كاليجولا” للكاتب العالمي ألبير كامو، من إخراج سعد أردش، وكان هذا أول إنتاج لأكاديمية الفنون مع النجم الكبير نور الشريف. ومن أجل أن أمثل في المسرح، يجب أن يكون هناك عمل يغريني أيضاً.
هل هناك شخصية أو قصة حياة تتمنين تقديمها في عمل فني؟
عرضت عليَّ قصتان عن شخصيات تاريخية. الأولى كانت قصة حياة الملكة حتشبسوت، أول ملكة فرعونية تحكم في الكون، وقد أحببت القصة وكان العمل مع يوسف شاهين، لكن القدر لم يمهلنا حيث توفي قبل أن يتم المشروع، فتوقف العمل. أما القصة الثانية فكانت عن الملكة شجرة الدر، من كتابة الأستاذ يسري الجندي، لكن التكلفة الإنتاجية كانت كبيرة للغاية، ولذلك توقف المشروع. في المرتين اللتين فكرت فيهما في أن أمثل سيرة ذاتية تاريخية، لم تتسنَّ لي الفرصة أبداً.
ما هي النصيحة التي تقدمينها لكل ممثلة جديدة في بداية مشوارها الفني؟
لا أحب أن أقدم نصائح، لكن يجب عليهم احترام الأكبر منهم سناً واحترام تاريخهم، والتعلم منهم ومن أخطائهم ونجاحاتهم. علينا أن نوفر على أنفسنا المرور بنفس التجارب. وأهم شيء هو ألا يستعجلوا، وأن يختاروا أدوارهم بعناية، وأن يتعاملوا مع الفن بصدق.
ما هي أخر أعمالك في رمضان؟
ستشاهدونني في رمضان على قناة MBC مصر وMBC 1 وعلى منصة “شاهد” في مسلسل “سيد الناس” مع المخرج محمد سامي، ومع مجموعة كبيرة جداً من الفنانين والفنانات.