مع أن تقليل السعرات الحرارية قد يساعد على إنقاص الوزن، إلا أنه قد يؤثر سلباً على صحتك النفسية. وتتزايد الأدلة التي تربط بين تقليل السعرات الحرارية وأعراض الاكتئاب، مما يدفع الخبراء إلى الحث على توخي الحذر عند اتباع عادات غذائية قاسية.
ويُحذّر خبراء طبيون في الإمارات العربية المتحدة من الآثار النفسية للحميات الغذائية التقييدية. وفي حديثهم لصحيفة “خليج تايمز”، أوضحوا كيف يُمكن للتحكم المُفرط في السعرات الحرارية أن يُسبب خللاً في كيمياء الدماغ، ويُسبب القلق وانخفاض المزاج، بل ويُؤدي إلى اضطرابات في الأكل لدى الأفراد المُعرّضين للخطر.
قالت “فيبا باجبايي”، وهي أخصائية التغذية السريرية في عيادة “أستر”، بر دبي: “إن اتباع نظام غذائي مقيد يمكن أن يؤدي إلى العديد من الآثار الجانبية النفسية بسبب التغيرات الفسيولوجية والضغوط السلوكية”.
“تتضمن التأثيرات الشائعة زيادة التهيج والقلق وأعراض الاكتئاب، والتي غالباً ما ترتبط بانخفاض توافر النواقل العصبية المنظمة للمزاج مثل “السيروتونين”.”
وأوضحت أن تقلبات سكر الدم الناتجة عن نقص الطاقة قد تؤدي إلى التعب وضعف التركيز وعدم الاستقرار العاطفي. وأضافت: “بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تقييد تناول الطعام إلى ارتفاع مستوى الكورتيزول (هرمون التوتر) واضطراب هرمونات الجوع مثل “اللبتين” و”الغريلين”، والتي تلعب دوراً في استقرار المزاج”.
نصحت “باجبايي” قائلة: “يحتاج العقل إلى الغذاء بقدر ما يحتاجه الجسد. فعندما يجوع أحدهما، يجوع الآخر أيضاً”.
التدهور المعرفي
قال الدكتور “أمير جافيد”، استشاري الطب النفسي في مدينة “برجيل” الطبية بأبوظبي، إن تقييد السعرات الحرارية يؤثر على وظائف الدماغ من خلال التسبب في انخفاض سكر الدم واستنزاف النواقل العصبية. وأضاف: “هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن اتباع نظام غذائي مقيد قد يؤدي إلى نقص التغذية، مصحوباً بانخفاض مستويات السيروتونين والدوبامين، مما يساهم في اضطرابات المزاج”.
وحذّر من أن الأعراض المبكرة، مثل انخفاض الطاقة، والانفعال، ونوبات البكاء، وحتى الأفكار الانتحارية العابرة، قد تشير إلى آثار خطيرة على الصحة النفسية. وأضاف: “من الضروري توخي الحذر وطلب المساعدة الطبية مبكراً”.
وأضاف الدكتور “جافيد”: “لا صحة بدون صحة نفسية”.
غالباً ما تُسبب الحميات الغذائية الصارمة أكثر من مجرد تقلبات مزاجية، بل قد تؤدي إلى التفكير الوسواسي والعزلة الاجتماعية. ووفقاً لـ”حُسن صالح الحمامي”، أخصائية التغذية في مستشفى “ميديور” بأبوظبي، فإن “الانفعال والقلق والانطواء الاجتماعي من النتائج الشائعة، خاصةً عندما يُفرط الناس في التركيز على قواعد الأكل”.
وأشارت إلى أن المراهقين والنساء والرياضيين أكثر عرضة للخطر بسبب ضغوط الأداء والحساسية الهرمونية. وأضافت: “إن المقارنة المستمرة بمعايير الجمال غير الواقعية قد تُضعف ثقة الأفراد بأنفسهم وتدفعهم إلى سلوكيات غذائية ضارة”.
وقالت الحمامي: “إن البيئات الداعمة التي تقدر الرفاهية على المظهر يمكن أن تعزز المرونة العاطفية”.
حالة من التوتر المزمن
وأوضحت “روان مهنا”، أخصائية التغذية السريرية في مستشفى الإمارات جميرا، أن تقييد السعرات الحرارية بشكل كبير يؤدي إلى استجابة الجسم للتوتر.
“يعتبر المخ هذا بمثابة جوع، مما يؤدي إلى زيادة مستويات الكورتيزول واضطراب في توازن الناقلات العصبية.”
وقالت إن هذا قد يُضعف التركيز والنوم واتخاذ القرارات، ويزيد أيضاً من خطر الإفراط في تناول الطعام. وأضافت: “إن دورة الحرمان والشعور بالذنب قد تُضعف بشكل كبير من تقدير الذات والرضا عن الحياة”.
وأشارت “مهنا” إلى أن فقدان الوزن الصحي ممكن دون الإضرار بالصحة العقلية، “لكن ذلك يتطلب رفض الكمال وتقبّل الذات”.
ما وراء الطبق
ويوصي الخبراء بإدراج فحوصات الصحة العقلية في أي برنامج لفقدان الوزن أو اتباع نظام غذائي، ويحثون على إجراء فحوصات عاطفية منتظمة للكشف عن علامات الضيق قبل تفاقمها.
بدلاً من حساب السعرات الحرارية، يوصي الخبراء بتناول الطعام بشكل بديهي، واتخاذ خيارات غذائية واعية، واعتماد نمط حياة متوازن يتضمن نشاطاً بدنياً ممتعاً، ونوماً كافياً، وإدارة فعالة للتوتر.
إن دور الأصدقاء والعائلة بالغ الأهمية أيضاً. يتفق جميع الخبراء على ضرورة أن يقدم الأحباء دعماً غير مُتحيز، وأن يشجعوا على طلب المساعدة المهنية، وأن يُحوّلوا النقاشات بعيداً عن صورة الجسم أو الوزن.
ومع تزايد شيوع الحميات الغذائية بين الشباب المتأثرين بتوجهات وسائل التواصل الاجتماعي، يحذر الخبراء من اتباع أنظمة غذائية متطرفة دون فهم العواقب النفسية.