يسود اعتقاد شائع بأنك تحتاج إلى قضاء ساعة في النادي الرياضي مرات عدة أسبوعياً لتحقيق تقدم في أهداف الصحة واللياقة. لكن هذا ببساطة ليس صحيحاً بالنسبة إلى معظم الناس.
بدلاً من ذلك، أي نشاط منتظم يمكن أن يحدث فرقاً. فلقد أكدت دراسة حديثة نشرت في “المجلة الأوروبية للفسيولوجيا التطبيقية” ذلك، إذ وجدت أن روتين تمارين المقاومة لمدة خمس دقائق يومياً، لمدة أربعة أسابيع، أدى إلى “تحسن كبير في اللياقة البدنية والصحة النفسية لدى الأشخاص قليلي الحركة”.
لكن من جهتي، لم يكُن الروتين مذهلاً بحد ذاته، بل تضمن نسخاً متدرجة من تمارين القرفصاء بوزن الجسم والضغط وتمارين البطن ورفع الساق. والسر الحقيقي يكمن في التدرج والمواظبة على الأداء.
وصحيح أن حجم العينة في الدراسة لم يكُن كبيراً، بيد أن النتائج أثبتت أن ممارسة التمارين الرياضية على فترات قصيرة – ولا سيما تمارين المقاومة – قد تعود على المبتدئين بفائدة كبيرة لم تكُن في الحسبان. ومن ثم، فقد سعيت جاهداً إلى التحقق من السبب ومعرفة كيفية استغلال هذه المعلومات لتحسين الصحة واللياقة البدنية بفاعلية أكبر.
التمارين:
القرفصاء على الكرسي × 10
الضغط على الحائط × 10
إمالة على الكرسي × 10 (يشبه تمرين البطن للمعدة، لكنه يتم على كرسي وبنطاق حركة أقل)
إنزال الكعب × 10 (رفع الساق لتقوية عضلات الساق الخلفية).
وشارك في الدراسة 22 شخصاً “بصحة جيدة لكن قليلي الحركة” – أربعة رجال و18 امرأة تراوح أعمارهم ما بين 32 و69 سنة – نفذوا 10 تكرارات من كل تمرين وفق إيقاع صارم. وتطلّب ذلك إطالة مرحلة النزول (أو الانخفاض) لكل تكرار لمدة خمس ثوانٍ، ثم إتمام مرحلة الصعود في نحو ثانية واحدة.
فعلى سبيل المثال، يتضمن تمرين القرفصاء على الكرسي الجلوس ببطء خلال خمس ثوانٍ، ثم الوقوف بصورة طبيعية.
ويضيف البحث: “سمح للمشاركين باختيار توقيت أداء التمارين، سواء مجتمعة أو موزعة على مدى اليوم”.
وما إن تمكن المشاركون من إتمام 10 تكرارات لأحد التمارين مع تحقيق معدل جهد إدراكي – وهو مقياس الشعور بالتعب خلال التمرين – يبلغ خمسة من 10 أو أقل لمدة يومين متتاليين، طلب منهم الانتقال إلى نسخة أكثر صعوبة من التمرين. وجاءت هذه التدرجات على النحو التالي:
القرفصاء على الكرسي > القرفصاء على الكرسي بساق ممدودة > القرفصاء بساق ممدودة [بلا كرسي] بوضعية البندقية
تمرين الضغط على الحائط > تمرين الضغط بذراع واحدة > تمرين الضغط على الطاولة > تمرين الضغط على الركبتين > تمرين الضغط [من دون سند]
تمرين الظهر على كرسي منحنٍ > تمرين الظهر على كرسي منحنٍ (بساقين ممدودتين) > تمرين الجلوس للمعدة
إنزال الكعب > إنزال الكعب والإفراط في تمديده > إنزال كعب رجل واحدة والإفراط في تمديده
ومن جديد، أود التشديد على أن ما سبق ليس وصفة سحرية، بل ببساطة عبارة عن تلاعب بمبادئ تمارين القوة المختبرة والموثوقة – وعن اعتماد نمط تدريب يقوم على زيادة الضغط تدريجاً على الجسم، والجمع بين تمارين تتطلب تحريك القسم الأكبر من مجموع العضلات الرئيسة في الجسم – بهدف منح الجسم الاندفاع اللازم لإحداث تغيير إيجابي للأشخاص الذين لم يسبق أن مارسوا يوماً هذا النوع من التمارين.
والخلاصة هنا أن دقائق قليلة من تمارين المقاومة اليومية، حتى من دون أوزان، يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً لدى الأشخاص قليلي الحركة.
ما الذي يعنيه ذلك على صعيد اللياقة البدنية؟
هذه المقالة لا تستهدف الأشخاص الذين يجرون الماراثونات للمتعة أو يسجلون في جميع سباقات “هايروكس” Hyrox للركض والتمارين، بل هي مصممة لأي شخص يرغب في تحسين صحته ولياقته البدنية، لكنه لا يجد الوقت والطاقة والحماسة لذلك، ويعجز عن إدخال التمارين الرياضية في نمط حياته المزدحمة.
لهذه الفئة، من المهم أن تدرك أن كميات قليلة من النشاط، عند أدائها بصورة منتظمة وتصاعدية كما في الدراسة السابقة، يمكن أن يكون لها أثر كبير.
ويقول الدكتور ريتشارد بلاغروف، المحاضر الأول في الفسيولوجيا (علم وظائف الجسم) بجامعة لوبورو: “تظهر معظم الأدلة أنه حتى قدر ضئيل جداً من التمارين أو النشاط البدني مفيدة للصحة، لكن كلما زاد النشاط زادت الفائدة”.
ويستشهد بدراسة نشرتها “المجلة البريطانية لطب الرياضة”، وجدت أن الأشخاص الذين يحرقون 500 سعرة حرارية إضافية أسبوعياً – بمعدل 70 سعرة حرارية فقط يومياً – “يظهرون انخفاضاً في أخطار الوفاة مقارنة بمن لا يمارسون أي نشاط على الإطلاق”.
وأضاف أن “الأمر ينطبق أيضاً على تمارين المقاومة”. وفي هذا السياق، كشف البحث عن أن مجموعة واحدة من التمارين الصعبة كفيلة بزيادة قوة الجسم مما يعزز “الأداء الوظيفي”، أي قدرة أجسامنا على خدمتنا في حياتنا اليومية.
وهذا التوجه الإيجابي للعلاقة بين مقدار التمرين والفائدة الصحية المحققة يؤكده جو ويكس [مدرب لياقة بدنية بريطاني ومقدم تلفزيوني] أيضاً في منهجه. فقد زار ويكس مقار عمل في أنحاء المملكة المتحدة ضمن مبادرة جديدة لتعزيز الحركة والصحة، ويقول إنه لاحظ فرقاً شاسعاً بين الأشخاص الذين وجدوا وقتاً للتمرين وأولئك الذين لم يفعلوا.
ويقول ويكس: “زرت كل هذه الشركات، وشاهدت أشخاصاً يعانون حقاً، وأشخاصاً مشغولين للغاية، وآخرين لديهم أطفال ويعملون في نوبات ليلية تمتد 12 ساعة”.
ويضيف: “ما أدركته هو أن هناك عادة مجموعتين؛ إحداهما لا تمارس أي تمرين، والأخرى تجد بعض الوقت لممارسة نوع من أنواع التمارين، سواء كان 10 دقائق مشياً إلى العمل، أو شيئاً خلال استراحة الغداء، أو تمريناً 20 دقيقة عبر ’يوتيوب‘ عند العودة للمنزل”.
ويقول إن المجموعة الثانية كانت أكثر صحة وحيوية، تعاني مستويات توتر أقل، وتتمتع بصحة نفسية أفضل. ولهذا السبب، يحرص على إبراز أهمية إيجاد بعض الوقت، مهما كان قصيراً، للحركة خلال اليوم.
ويشرح: “أريد أن أجعل الأمر قابلاً للتطبيق فعلاً، وأقول: ‘قد لا تملك ساعة كاملة اليوم، لكن هل لديك خمس أو 10 أو 15 دقيقة؟ هذا يُحدث فرقاً’”.
ويعتبر ويكس المشي والتمارين المنزلية من أفضل الخيارات للمبتدئين، إذ تزيل هذه الأنشطة السهلة كثيراً من الحواجز المعتادة التي تعوّق ممارسة التمارين، مثل ضيق الوقت وقلة المال.
خيار آخر فاعل هو ممارسة التمارين القصيرة على مدى اليوم، أي توزيع النشاط البدني على فترات قصيرة متعددة. وهذا الاتجاه الصحي سهل التطبيق والالتزام به مهما كان مستواك الرياضي.
وبحسب دراسة من إعداد جامعتي “إسكس” و”سافولك”، امتدت لأربعة أسابيع، تبين أن مجرد 16 دقيقة إجمالية من تمارين وزن الجسم مثل القرفصاء والاندفاع [التمرين الذي تخطو فيه خطوة كبيرة إلى الأمام مع ثني الركبتين، ويُستخدم لتقوية الساقين والعضلات الأساسية] موزعة على يوم عمل من ثماني ساعات، “يمكن أن تخفف الآثار السلبية للجلوس الطويل [أو العمل على المكتب طوال اليوم]”. ولاحظ المشاركون تحسناً في قوة الساقين والتوازن من خلال هذا البرنامج البسيط.
في المقابل، ركز بحث في مجلة “مراجعات علوم التمارين والرياضة” Exercise and Sport Sciences Reviews على مصطلح “وجبات التمارين”، وعرّفه بأنه “فترات قصيرة (أقل من 60 ثانية) من التمارين الشديدة تنفذ مرات عدة يومياً”، ووجد أن القيام بذلك ثلاث مرات يومياً (غالباً عبر ركوب الدراجة أو صعود الدرج) “فاعل في تحسين اللياقة القلبية التنفسية والأداء البدني لدى البالغين غير النشطين”.
والنظرية الأساسية التي تستند إليها هذه الفكرة تُعرف بمبدأ “التكيفات المحددة للمطالب المفروضة” واختصارها بالإنجليزية SAID. ببساطة، يعني هذا أن الجسم يتكيف تدريجاً ليصبح أكثر كفاءة في التعامل مع ما نطلبه منه باستمرار.
فعلى سبيل المثال، إذا كنا نجلس على كرسي طوال اليوم، فقد يؤدي ذلك إلى شد عضلات الورك المثنية بهدف توفير الطاقة. لكن هذا الشد قد يصبح مزعجاً عند محاولة تمديد هذه العضلات مجدداً أثناء المشي أو التمارين.
وعلى النقيض، إذا كنا نرفع معدل ضربات القلب بانتظام، فمن المرجح أن تتحسن اللياقة القلبية التنفسية. أما التمارين المقاومة المنتظمة والمجهدة، فستؤدي إلى تعزيز القوة والكتلة العضلية، شريطة أن نحصل على التغذية الكافية ووقت التعافي اللازم.
لهذا السبب، فإن أي تغيير سلوكي طويل الأمد يدفعنا إلى تحدي أنفسنا بدنياً ويزيد من نشاطنا مقارنة بالسابق، سيقود على الأرجح إلى تحولات إيجابية في الجسم.
ويفسر هذا جزئياً سبب احتياج الأشخاص المعتادين على ممارسة التمارين إلى تغييرات أكبر لمواصلة التقدم، بينما يتمكن المبتدئون من تحقيق نتائج لافتة من تعديلات بسيطة فقط مثل تلك التي جرى التطرق إليها أعلاه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهم الدروس الممكن استخلاصها – وخطة تمارين مجانية يمكن تجربتها
تتمثل الخلاصة في مجال التمارين الرياضية في أن قليلاً سيحقق حتماً كثيراً. ويصح هذا [القول] تحديداً إن كنت في بداية مسيرتك الرياضية.
الخلاصة هنا أن قليلاً من التمارين يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً، خصوصاً للمبتدئين. وتوضح الدراسة المذكورة كيف أن بضعة تمارين سريعة تعزز القوة والصحة النفسية لدى البالغين قليلي الحركة، وتشير أبحاث أخرى إلى أن هذه الفوائد تمتد أيضاً إلى اللياقة القلبية التنفسية – أي قدرة القلب والرئتين والأوعية الدموية على إيصال الأوكسجين إلى العضلات العاملة أثناء التمرين.
بالتالي، للاستفادة من هذه المعلومات وإدخال تمارين مختصرة في جدولك المزدحم، ينصح باختيار تمرين واحد لكل من الحركات الأساسية الخمس التي حددها المدرب دان جون (الدفع، السحب، الانحناء، القرفصاء، الحمل)، وأدائه من ثماني إلى 12 مرة، مرة إلى ثلاث مرات خلال اليوم. على سبيل المثال:
دفع: ضغط على الحائط 8-12 مرة
سحب: سحب أمامي باستخدام حقيبة ظهر 8-12 مرة
انحناء: الانحناء الأمامي مع استقامة الظهر 8-12 مرة
قرفصاء: الجلوس والوقوف من الكرسي 8-12 مرة
حمل: حمل حقيبة ظهر لمسافة 8-12 متراً بكل يد
ويمكنك أداء هذه التمارين عند الاستيقاظ، أو أثناء استراحة الغداء، أو حتى عند غلي الماء في المطبخ أثناء العمل من المنزل – مع احتمال إثارة بعض النظرات الطريفة في غرفة المكتب المشتركة.
وفي حال بدا أحد التمارين سهلاً عليك، حوّله ليصبح أكثر صعوبة. بالتالي، إن كنت تقوم بتمرين السحب والجر، قم بزيادة الوزن [الذي تجره] تدريجاً ليظل التمرين يمثل تحدياً. وهكذا تحصل على خطة تمارين للمبتدئين خالية من المعدات، حتى لمن لا يملكون وقتاً كافياً.