على مدى ثلاثة عقود، كانت “دوناتيلا فيرساتشي” القوة المطلقة خلف الدار التي تحمل اسمها، عالمٌ مذهب من الفخامة الجريئة، والإغراء الحاد، والتكلف المترف. والآن، يُعلن عن تغيير جذري في أروقة الموضة الإيطالية، حيث تتنحّى “دوناتيلا” عن منصبها كمديرة إبداعية لدار “فيرساتشي”. لكنها لا تغادر المشهد، بل تتّخذ موقعًا جديدًا كسفيرة العلامة التجارية، رمزًا حيًّا لإرثٍ حافظت عليه بشراسة.
إعادة كتابة الأسطورة
منذ أن تسلّمت القيادة عام 1997، بعد الرحيل المأساوي لشقيقها “جياني فيرساتشي”، شكّلت “دوناتيلا” القوّة الدافعة وراء إحياء الدار محوّلة إياها إلى مصدراً للجرأة والأناقة الجامحة. فبفضلها عاد “فيرساتشي” إلى القمة، وأصبحت مجموعاته بيانًا بحدّ ذاتها: فساتين من السلاسل المعدنية، وسترات صارمة تحمل رأس “الميدوزا”، وأسلوب أنثوي مُتحرّر رسم معالم الأنوثة العصرية. لقد كانت “دوناتيلا” مهندسة اللحظات التي تجاوزت حدود الموضة لتصبح ظواهر ثقافية، من فستان “جينيفر لوبيز” الأيقوني المطبّع بالأدغال و هي الصورة التي أدت إلى ابتكار “Google Images”، إلى لمّ شمل عارضات التسعينيات على منصات عروض زلزلت الصناعة.




واليوم، وهي تعتلي منصبها الجديد، تخصّص “دوناتيلا” نفسها لدعم القضايا الخيرية والإنسانية التي تتبناها الدار، وتبقى الصوت الأعلى لـ”فيرساتشي” على الساحة العالمية. وقد ودّعت حقبتها الإبداعية بكلمات مؤثرة:
“لقد كان أعظم شرف في حياتي أن أحمل إرث شقيقي “جياني”. لقد كان العبقري الحقيقي، ولكن آمل أن يكون لدي بعض من روحه وعزيمته. “فيرساتشي” يسري في عروقي، وسيبقى دائمًا في قلبي.”
“داريو فيتالي”: الوريث الجديد للإبداع
وككل سلالة عظيمة لا بدّ أن يأتي السؤال عن الخليفة. واليوم، تستعد “فيرساتشي” لفصل جديد مع تعيين المصمم “داريو فيتالي” الذي شغل سابقًا منصب مدير التصميم والصورة في “ميو ميو” كمدير إبداعي للدار، ابتداءً من 1 أبريل. اختيار “فيتالي” لا يأتي محض التجربة، بل يحمل وعودًا بمستقبل متجدد للدار حيث يلتقي إرث الأنوثة الجريئة لـ”فيرساتشي” مع لمسات “ميو ميو” الشابة والمتمرّدة.
وقد أعرب “فيتالي” عن امتنانه لهذه الخطوة قائلاً:
“إنه لشرفٌ عظيم أن أنضمّ إلى دار “فيرساتشي” كمدير إبداعي وأن أكون جزءًا من هذه العلامة الفاخرة والاستثنائية التي أسّسها “جياني” و”دوناتيلا”. إن إرث “فيرساتشي” يمتدّ لعقود، وقد شكّل جزءًا من تاريخ الموضة. أقدّم خالص شكري لـ”دوناتيلا” على ثقتها بي، وأتعهد بالمساهمة في تطوّر الدار وتعزيز تأثيرها العالمي برؤيتي وإبداعي وتفاني.”

فهل سيحافظ “فيتالي” على جوهر “فيرساتشي” الجامح، أم سنشهد ملامح عصرٍ أكثر رصانة وحداثة؟
“دوناتيلا فيرساتشي”: إرثٌ من الجرأة والتفرّد
كانت رحلة “دوناتيلا” استمرارية لإرث شقيقها و إعادة ابتكار متواصلة، مدفوعة بفلسفة لا تساوم على الحداثة والابتكار. في مقابلة حصرية أجراها معها الأستاذ عدنان الكاتب، مدير التحرير ومحاور المشاهير في مجلة “هي” عام 2021، تطرقت إلى نقاط محورية في مسيرتها، حيث قالت:
“من أكبر التحديات التي تواجهها المرأة اليوم أنها لا تزال تكافح من أجل إسماع صوتها، لتثبت جدارتها أكثر من الرجل. عندما تولّيتُ قيادة الدار، كنتُ المرأة الوحيدة على رأس الشركة، واستغرق الأمر وقتًا طويلاً لكسب ثقة الآخرين واعترافهم بقدراتي.”
أما عن أكبر التحولات التي شهدتها الصناعة، فقد أكدت أن وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت ملامح الموضة جذريًا، قائلة:
“مع نمو جيل الإنترنت، سنشهد ما يشبه الثورة في هذا المجال. هؤلاء الشباب هم المستهلكون المتعطشون للفخامة في المستقبل، وهم الذين سيحدثون التغيير في عالم الموضة ويساعدون في رسم معالم مستقبله.”
وعن أكثر إنجازاتها فخرًا، قالت:
“أنا فخورة بأننا، فريقي وأنا، نجحنا في جعل “فيرساتشي” جزءًا من الحديث الثقافي، بصورة تتجاوز حدود الموضة. تصاميمنا ألهمت الناس، دعمت المجتمعات، واتخذت خطوات نحو الحفاظ على كوكبنا. لقد تجرّأنا على كسر القواعد، من دون أن نفقد مكانتنا في السوق.”
وعندما سُئلت عن القيم الثلاث الأساسية التي تتمسك بها “فيرساتشي”، أجابت دون تردد:
“الشمولية، الشجاعة، والأنوثة!”
أما عن العلاقة بين الموضة الإيطالية والحرفيّة، فقد شددت على أهمية المحافظة على إرث الصناعة الإيطالية، قائلة:
“لا يسعني حتى تقدير ثمن هذا الغنى، لأنّه فريد من نوعه. يضم فريقي خيّاطين يعملون معنا منذ عشرات السنوات، وأصبحوا اليوم يدرّبون جيلاً جديدًا لإتقان فنّ تصميم الأزياء، انطلاقًا من صورة على الورق، إلى جانب التطريز والتلفيف وما شابه. إن “صُنع في إيطاليا” ليست مجرد علامة، بل مرادف لأعلى معايير الجودة والابتكار.”
أما عن مصدر إلهامها، فقالت:
“قد يأتي الإلهام من أي شيء: تعليق عابر، صورة، أو حتى رؤية العالم بعيون الآخرين. أنا أخلط بين كل هذه التأثيرات مع تجاربي الشخصية، فتكون النتيجة بمثابة أحجية من عناصر متعددة.”
وأخيرًا، عندما سُئلت عن رؤيتها لمستقبل “فيرساتشي”، أجابت بحزم:
“أن نجاري السوق، ونواصل الابتكار، بما يتناسب مع ذوق الناس. بصفتي مصمّمة، لا يسعني أن أتمنى أي شيء أكثر من ذلك.”

إرثٌ يعبر الأزمان
عبر تبدّل الأجيال وتغيّر ملامح الصناعة، ظلّت “فيرساتشي” دارًا قائمة على القوة والإغراء وسرد الحكايات. ما فعلته “دوناتيلا” لم يكن مجرد استمرارية، بل كان تحوّلاً، احتفالًا لا ينتهي بالجمال والجرأة والتمرد الأنيق. والآن، وهي تتراجع خطوة، تفعل ذلك بطمأنينة من يثق أن بيته سيظل صامدًا، نابضًا بالحياة، ومستعدًا لمغامرة جديدة تحت راية إبداع جديد.
إنها لحظة فاصلة، نهاية عهد وبداية آخر.
Versace هي حالة ذهنية من الترف المُبالغ وصرخة تمرد لا تموت. والأهم من ذلك، أنه لا يزال حيًا، مستعدًا لصناعة الأسطورة من جديد.
