طوال الوقت كانت وما زالت الثقافة والفنون جزءا رئيسا من صناعة الوعى، لكن هذا الوعى لا يقوم على المباشرة والخطابة والمحتوى التعليمى فقط، بل حتى المحتوى التربوى والتعليمى الأفضل هو الذى يتم بطرق غير مباشرة ومن دون عناوين أو تهويل، وعندما يتم توجيه نقد إلى بعض الأعمال الفنية والدراما والسينما خوفا من تأثيرها على الصغار، ولهذا توضع التصنيفات العمرية، لكنه تظل بلا فاعلية فى ظل سيولة تقنية ومعلوماتية كبيرة، تجعل من الصعب التحكم الكامل فى البث او الفرجة، للصغار والكبار.
نقول هذا بمناسبة الجدل الدائر حول الأعمال الدرامية والإعلام ومدى تأثيرهما على الجمهور أو قدرتهم على جذب المشاهدين، حيث يفترض لمن يدرس هذه الأمور أن يحاول فهم ما شهده عالم الترفيه والتواصل خلال السنوات الماضية، وما تقوم به المنصات المختلفة التى أصبحت تنتج وتعرص الدراما بأنواعها وبإنتاج كثيف، وقد شهدت السنوات والمواسم الأخيرة حالة من الانتعاش، سواء بالدراما التقليدية، أو المنصات، ونجحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فى كسب أرضية فى سياق توسيع مجالات الإبداع الفنى، والدرامى، والأنشطة المتعددة فى صناعة وتسويق المنتجات الترفيهية، بشكل يناسب الجمهور المصرى، ويجمع بين الاحترافية والتشويق، وهذا العام هناك أعمال مهمة وفى السنوات الماضية كانت هناك أعمال جيدة لاقت إقبالا ومشاهدة، وهذا العام هناك أسماء لمعت وأغلبها بطولات مشتركة لم تعتمد على نجم وحيد يلتهم الميزانية، بل ظهر خلال السنوات الماضية نجوم شباب لمعوا ونجحوا، بينما فشل نجوم أفراد، نجحت الأعمال المكتوبة جيدا، والتى فيها لمسات إخراج وموسيقى، بينما فشلت أعمال انتهجتها شركات خاصة تغذى العنف والكراهية و«الأكشن المريض».
نظرة على حجم ما ينفقه الأفراد على الإنترنت والمنصات وما يتلقونه من بث، تكشف عن مدى تأثير هذا البث على الوعى، وحجم ما يتم ضخه وتداوله من معلومات وأفكار وترفيه، وتبثه الشاشات كل لحظة لنعرف أن الأمر صناعة مستمرة تسهم فى صياغة العقول والقلوب بشكل معقد، خاصة ولم يعد إنتاج المحتوى حكرا على جهة واحدة، بل إن الأفراد يمكنهم تقديم محتوى ينافس ما تنتجه المؤسسات والشركات، وهى سلع يمكن تسويقها، وهناك إنتاج ضخم اليوم للسينما والدراما يجتاح العالم، من خلال منصات استفادت ووظفت التطور التقنى والرقمى، لدرجة أن منصات حديثة عمرها سنوات نافست وربما أطاحت بشركات عريقة فى صناعة السينما والدراما، لأنها استغلت القفزات التقنية، الرقمية فى الصورة والجرافيك والمحتوى، مع إمكانية خفض التكلفة، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا المنتج فى النهاية هو نفسه منتج السينما والدراما الذى كان يقدم فى دور السينما أو الشاشات الفضائية، على العكس من محتوى آخر يتم إنتاجه خصيصا لمواقع التواصل مثل الريلز والبودكاست، والذى يصلح فقط للمنصات على مواقع التواصل ويفشل فى حال تم نقله إلى الشاشات التليفزيونية العادية وهناك عشرات التجارب تثبت هذه النظرية.
وربما تكون هناك حاجة أيضا لأن يدرس منتج المحتوى العام تنوع أمزجة الجمهور واحتياجاته المختلفة فى ظل فضاء يزدحم بأشكال وأنواع من المواد الترفيهية، التى تحمل رسائل مباشرة أو مبطنة، وأصبحت تمثل جزءا من احتياجات الجمهور بالرغم ما يبدو من انشغالاته او ازدحام حياته، وهو أمر يكشفه حجم التواجد على منصات التواصل الاجتماعى، والتى يتنافس على جمهورها أفراد وجماعات ومنظمات ولجان.
وهو واقع يجعل من تقديم أفلام ومسلسلات للجمهور العام أمر ليس سهلا، بل إن الأعمال الكبرى التى يحتفظ لها الجمهور بالحنين وقد يعيد الفرجة عليها تمثل نوعا من الحنين وتناسب أجيالا أكبر سنا، بينما الأجيال الأصغر لها متطلباتها، ويفترض التقاط ما تطلبه المنتجات الآن من سرعة وتقنيات أعلى فى الصورة والخداع وتوظيف التقنيات والأدوات.
ويفترض استيعاب أن السيادة فى الفرجة لم تعد للشاشات الفضية والملونة التقليدية وإنما انتقلت إلى شاشات الموبايل الذى حل مكان عشرات الأدوات واختصر التأثير، فى نافذة صغيرة، وهو أمر لا يتعلق فقط بالفن وإنما بكل منتجات البث والتأثير، وبالتالى لا يمكن تجاهل تأثير التطورات التقنية، والرقمية على إنتاج وعرض الدراما والسينما، وأدوات ومنصات التواصل التى تتقاطع مع هذه الصناعة، وتغيير أمزجة وتفاعل الجمهور، بجانب انها تتيح قدرات لكشف الزيف والنقل والتقليد.
ومع هذا لا يمكن اختصار الجمهور كله فى أنه يصنع التريند السطحى، لأنه جمهور متنوع يضم الجاد والسطحى والراغب فى الترفيه أو الوعى، ويظهر تأثير السوشيال ميديا، حتى فى طريقة تعاطى الجمهور الذى يتحول إلى نقد وتفاعل لحظى، ونقل وتناقل ونسخ، وأيضا لجان تسويق ودعاية تنتج حملات قد لا تكون حقيقية.
كل هذه عناصر يفترض استيعابها من قبل من يسعون للتطوير، وهى قضية مستمرة وتفرض نفسها من سنوات وليس بشكل موسمى، حيث يجب البناء على الجيد والذى ينتج مشاهدة، مع مراعاة الزمن والتنوع، وأهمية وجود حرية حركة ومجال يسمح بهذا التنوع، الذى سبق وكان عنصر نجاح المواسم والأعمال التى بقيت وعاشت، لكن الحنين وحده لا يكفى.
مقال أكرم القصاص فى العدد الورقى لليوم السابع