مع حلول شهر رمضان المبارك، تشهد المملكة العربية السعودية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإنفاق الاستهلاكي للأفراد ،والأسر، حيث يتحول الشهر الكريم إلى موسم استهلاكي مكثف يتجاوز متطلبات الحياة الأساسية ليشمل العديد من الجوانب الترفيهية، والاجتماعية، وتشير البيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي، والهيئة العامة للإحصاء إلى أن شهر رمضان يشكل أحد أهم المواسم التي يرتفع فيها الإنفاق العائلي مقارنة ببقية أشهر السنة، مدفوعًا بعوامل ثقافية،واجتماعية، واقتصادية متداخلة.
أرقام تعكس الواقع
بحسب تقرير الاستقرار المالي 2023 الصادر عن البنك المركزي السعودي (ساما)، فإن الإنفاق الاستهلاكي خلال شهر رمضان يرتفع بنسبة تتراوح بين 30% إلى 40% مقارنة ببقية أشهر السنة. وتشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى أن متوسط الإنفاق الشهري للأسر السعودية في رمضان يرتفع بنحو 25%، مع زيادة التركيز على الإنفاق الغذائي الذي يستحوذ على 22% من إجمالي الإنفاق الشهري للأسرة، مقارنة بحوالي 17% في الأشهر الأخرى.
أبرز القطاعات المستفيدة
تشمل أبرز القطاعات التي تستفيد من هذا الإنفاق المرتفع:
قطاع الأغذية والمشروبات: نتيجة الولائم الرمضانية والعزائم العائلية.
الملابس والهدايا: استعدادًا لعيد الفطر.
الخدمات الترفيهية، والتوصيل: مع ارتفاع الطلب على الوجبات الجاهزة.
العمل الخيري، والتبرعات: حيث يمثل رمضان موسمًا رئيسيًا للزكاة والصدقات.
عوامل ثقافية واقتصادية تقود الإنفاق
1.التقاليد الاجتماعية
يُعرف المجتمع السعودي بكرم الضيافة، وهي سمة تُتعزز خلال شهر رمضان المبارك عبر موائد الإفطار الجماعية ،والعزائم، مما يرفع الطلب على المواد الغذائية والتموينية بشكل كبير.
العروض الترويجية
تتنافس مراكز التسوق، والأسواق الكبرى في تقديم عروض وخصومات خاصة برمضان، مما يُحفز الأسر على الاستهلاك بنمط “الشراء الوقائي” الذي يدفعهم لتخزين المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية بكميات كبيرة.
الاستعداد للعيد
تمثل العشر الأواخر من رمضان ذروة الإنفاق، حيث تتجه الأسر لشراء مستلزمات العيد من ملابس، وهدايا وحلويات، ما يرفع الفاتورة الإجمالية للأسرة.
تأثيرات على الاستقرار المالي
رصدت تقارير البنك المركزي السعودي مؤشرات على تزايد التمويل الاستهلاكي خلال المواسم الرمضانية، مع اعتماد بعض الأسر على بطاقات الائتمان، والتمويل قصير الأجل لتغطية الإنفاق المرتفع. هذا النمط الاستهلاكي قد يهدد الاستقرار المالي الأسري خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
الوعي المالي: حاجة ملحة
في ظل هذه التحديات، تبذل هيئة السوق المالية، والبنك المركزي السعودي جهودًا متواصلة لتعزيز الوعي المالي من خلال برامج توعوية مثل برنامج “وعي” التابعة لهئية سوق المال ، الذي يهدف إلى توجيه الأسر، والأفراد نحو:
إعداد ميزانية رمضانية واضحة.
التمييز بين الضروريات والكماليات.
تعزيز ثقافة الادخار حتى خلال المواسم عالية الإنفاق.
الاستفادة الذكية من العروض دون إسراف أو استدانة.
تغيرات إيجابية بين الشباب
تشير التوجهات الاستهلاكية الحديثة إلى أن الشباب السعودي بات أكثر وعيًا بأهمية إدارة نفقاته، من خلال اعتمادهم على تطبيقات الإدارة المالية التي تتيح لهم تتبع الإنفاق اليومي وتنظيم الالتزامات الموسمية بشكل أكثر كفاءة، مما يعكس تحولًا إيجابيًا نحو سلوك مالي أكثر انضباطًا ووعيًا
ختامًا
تظل الثقافة الاستهلاكية في رمضان جزءًا أصيلًا من العادات الاجتماعية السعودية، إلا أن تنامي الوعي المالي، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة، بات ضرورة للحفاظ على الاستقرار المالي الأسري. تحقيق التوازن بين الكرم الرمضاني، والإنفاق المسؤول هو الضمان الحقيقي لحماية الأسر من ضغوط الديون الموسمية وتعزيز الاستدامة المالية على المدى البعيد.
المصادر:
البنك المركزي السعودي (SAMA) – تقرير الاستقرار المالي 2023
الهيئة العامة للإحصاء – تقرير الإنفاق الاستهلاكي للأسر 2023
هيئة السوق المالية – برنامج التوعية المالية “وعي”