تختلف الضربات التي تشنها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الحوثيين في اليمن عن الضربات التي شنتها إدارة الرئيس جو بايدن السابقة، والاختلاف هو في الهدف بين ضربات ردعية، وبين ضربات اقتلاعية، أي اقتلاع الحالة الحوثية من جذورها والتخلُّص منها بالضربة القاضية من خلال تدمير بنيتها العسكرية برمتها، فيما الحرب السابقة عزّزت وضعية هذه الحالة كونها أظهرتها قادرة على التصدي لهجمات واشنطن ولندن وتل أبيب وغيرها من العواصم.
ولم يعد السؤال هل ستلقى الجماعة الحوثية مصير “حماس” و”حزب الله” ونظام الأسد، إنما متى ستلقى هذا المصير، وما الوقت الذي ستستغرقه العملية العسكرية لإخضاع هذه الجماعة او اقتلاعها؟ فالقرار بإنهاء الوضعية الحوثية اتخذ وانتقل إلى التنفيذ، والمسألة مسألة وقت قصير وتكون إيران قد خسرت ورقتها الرابعة، فيما ورقتها الخامسة العراقية حيّدت نفسها منذ بداية حرب الطوفان وأظهرت تمايزاً حفاظا على وضعيتها الداخلية.
ومن الواضح أن واشنطن قرّرت إنهاء أذرع إيران قبل الانتقال إلى التفاوض معها بهدف تجريدها من كل أوراق قوتها قبل الجلوس معها حول الطاولة، وتخييرها بين التحوّل إلى دولة عادية وبين إسقاط نظامها، فيما طهران تسعى للاحتفاظ بهذه الأوراق تعزيزاً لموقعها التفاوضي، وهذا ما يفسِّر محاولتها الانقلابية على النظام السوري الجديد، ورفض حزبها في لبنان تطبيق ما وقّع عليه لجهة إنهاء مشروعه المسلّح، ومواصلة “حماس” قتالها في غزة، وإصرار الحوثي على مواجهة غير متكافئة ستخرجه من الملعب قريباً.
والفارق كبير جداً بين أن تجلس القيادة الإيرانية مع القيادة الأميركية وهي تتحكّم بأربع دول عربية زائد غزة، وبين أن تجلس فاقدة أوراقها ومشروعها، ولم يعد باستطاعتها لا المقايضة ولا التهديد بهذه الأوراق، وواشنطن ليست في وارد الحديث معها حول أذرعها بعدما قرّرت ومعها تل أبيب التخلُّص منها، وأقفلت في وجهها أبواب مقايضة الدور بالنووي أو العكس، ولم يبق أمامها سوى التراجع عن برنامجها النووي وإلا إسقاطه بالقوة.
والقتال التأخيري الذي تخوضه إيران بواسطة أذرعها بالرهان على ظروف غير معلومة ولا محددة تؤدي إلى إنقاذها من ورطتها، يرتد سلباً على هذه الأذرع، كونه يزيد في إضعافها واستنزافها من خلال قتال من دون نتيجة ويقود إلى هلاكها، فيما كان من مصلحتها بعدما لمست لمس اليد الاتجاه الحاسم لواشنطن وتل أبيب، كما لمست غياب ميزان القوى الذي يسمح لها بالرهان على عامل الوقت، أن توفِّر على نفسها وأذرعها خسائر تعمِّق خسارتها، وأن تذهب إلى تسوية تحفظ لها ولو جزءاً يسيراً من ماء وجهها.
لن يختلف مصير عبدالله الحوثي عن مصير السنوار ونصرالله والأسد، وقد حفر قبره بيده، فيما كان من مصلحته أن يحذو حذو العراق ويحيِّد نفسه عن صراع لا يواجه فيه إسرائيل فقط بانخراطه في حرب غزة، إنما وضع نفسه في مواجهة مع العالم من خلال تهديده الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وأي دولة كبرى تحترم نفسها لن تسمح لفصيل تصنِّفه بالإرهابي بأن يتحول إلى مصدر تهديد لدول العالم.
ولن تتوقّف العمليات العسكرية الأميركية قبل القضاء على القيادة الحوثية وفي طليعتها عبد الملك الحوثي، وهذه الضربات التي ستدمِّر قدرات الحوثيين القتالية وبنيتهم التحتية ستمكِّن الفصائل اليمنية المعارضة للحوثيين من حسم الوضع اليمني الداخلي على الأرض بعدما تكون الضربات الأميركية قد فعلت فعلها.
أمام القوى اليمنية المعارضة للحوثيين فرصة تاريخية للتخلُّص من الانقلاب الحوثي وفتح الطريق أمام إعادة صياغة الوضعية اليمنية على قواعد دستور ودولة بعيداً من هذا الفصيل الذي جرّ الخراب على اليمن وشعبه، ولا شك أن هذه القوى تتحضّر للساعة الصفر لأن الولايات المتحدة لن تنزل بعسكرها لحكم اليمن، وليس هذا هدفها أصلاً، إنما تريد إعادة الحق في اليمن لأصحابه بعدما سلبه الحوثي بالأمر الواقع، والأهم تريد أن تضع حداً لفصيل زعزع الأمن في الشرق الأوسط وتحدى المجتمع الدولي بتهديده الملاحة البحرية. وأن عدم وضعه عند حدِّه، هو بحد ذاته وصمة عار على جبين مجلس الأمن والمجتمع الدولي.
والسيناريو الذي قد يكون الأقرب إلى الواقع في اليمن هو السيناريو السوري مع الرئيس أحمد الشرع الذي انتظر التوقيت المناسب لخلع نظام الأسد، والسؤال الذي يطرح نفسه: من هو أحمد الشرع اليمني الذي سيتحرّك قريباً لإعادة توحيد اليمن وإنهاء الحالة الحوثية الشاذة والانقلابية؟
الأكيد أن عبد الملك الحوثي انتهى ولن يكون له أي دور في مستقبل اليمن لأنه تجاوز حدوده والسقوف كلها، والأكيد أن إيران ستفقد قريبا آخر أوراقها وتصبح في مواجهة منفردة مع واشطن، والأكيد أن اليمن بانتظار قيادة جديدة ستبصر النور قريباً.