بعد سنوات من سياسات التشديد النفطي وخفض الإمدادات، أعلنت ثماني دول من تحالف “أوبك+”، تشمل السعودية، الإمارات، روسيا، العراق، الكويت، كازاخستان، الجزائر، وسلطنة عمان، عن بدء العودة التدريجية إلى زيادة إنتاج النفط، وذلك اعتباراً من نيسان (أبريل) 2025، في خطوة تعكس ثقة التحالف بانتعاش السوق وتحسن أساسيات الطلب العالمي.
من التشديد إلى التوسيع: ماذا يحدث في أوبك+؟
منذ تفشي جائحة كورونا وحتى النصف الأول من عام 2024، اتبعت “أوبك+” سياسة صارمة لخفض الإنتاج بهدف موازنة الأسواق، إذ خفضت ما يصل إلى 2.2 مليون برميل يومياً بشكل طوعي من إنتاجها. والآن، ومع تحسن التوقعات الاقتصادية وتراجع المخزون العالمي، قررت الدول المعنية تعديل إنتاجها بدءًا من أيار (مايو) 2025، بإضافة 411 ألف برميل يوميًا، تمثل ثلاث زيادات شهرية مجمعة.
لكن اللافت أن هذه الزيادات ستكون مرنة وقابلة للإيقاف أو التراجع، حسب تطورات السوق، مما يعكس سياسة أكثر توازناً تراعي هشاشة التعافي الاقتصادي العالمي، واستمرار التوترات الجيوسياسية، خاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط.
أوبك+ (وكالات)
الأسواق ترحّب بحذر… ولكن ترامب يلوّح بالضرائب
في خضم هذا التوجه الإيجابي من أوبك+، برز تهديد جديد من الجانب الأميركي. ففي خطاب ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في يوم التحرير، أعلن أنه سيفرض رسوم جمركية واسعة على السلع الأجنبية، بما في ذلك ضريبة تصل إلى 10% على الدول المصدرة للنفط، باعتبارها “تستغل أميركا”، وفق تعبيره.
هذا التهديد ليس مجرد ورقة ضغط اقتصادية سياسية، بل يعكس فلسفة “الحمائية” التي لطالما تبناها ترامب خلال ولايته السابقة، والتي شملت فرض رسوم على الصين وأوروبا وحتى كندا والمكسيك.
ما العلاقة بين قرار أوبك+ ورسوم ترامب؟
رغم أن قرار رفع الإنتاج جاء استنادًا لتحسن أساسيات السوق، إلا أن توقيته لا يمكن فصله عن التطورات السياسية العالمية، وعلى رأسها التهديد الأميركي الجديد. فالتحالف قد يسعى إلى:
1. تحصين السوق من صدمات محتملة ناتجة عن اضطرابات التجارة العالمية أو فرض رسوم على النفط.
2. تخفيض أسعار النفط نسبيًا للتقليل من حدة الرد الأميركي، خاصة أن الأسعار المرتفعة تُستخدم كذريعة من قبل ترامب لتبرير الضرائب.
3. إعادة التوازن بين العائدات والحصص السوقية، في ظل نمو إنتاج النفط الصخري الأميركي وعودة الاستثمارات إلى القطاع.
وفي هذا الإطار يقول الخبير النفطي الدولي رودي بارودي في حديثه لـ”النهار” إنّه “ومع ارتفاع الرسوم الجمركية، فإن تكلفة كل ما يتعلق بهذا القطاع ستزداد تبعًا لذلك. فعلى سبيل المثال، من يعمل في صناعة الفولاذ سيضطر إلى دفع المزيد، مما يعني أن الرسوم المفروضة ستنعكس على المنتجات النهائية. وبذلك، فإن من يخطط لتصنيع سيارات أو بناء محطات أو تجهيز مختبرات تحليل سيواجه تكاليف أعلى، مما سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في تلك المناطق. ونتيجة لذلك، قد يتراجع الإقبال من قبل المستخدمين في الولايات المتحدة على هذه المعدات، حتى وإن كانت أساسية في مجالات مثل تحليل الهواء والغاز. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تلعب “أوبك+” دورًا مهمًا في التأثير على التوازن الاقتصادي المرتبط بهذه الصناعة”.
ويتابع بارودي “إذا أرادت أوبك+ البدء برفع الانتاج، فإن الزيادة التدريجية بمقدار 400 إلى 411 ألف برميل يومياً قد تكون خطوة استباقية للحدّ من أي تسريب محتمل قد لا تتمكن الولايات المتحدة من استغلاله أو تسليحه لصالحها. ومن المؤكد أن ذلك سيؤثر على البنية الاقتصادية العالمية، ما سينعكس على أسعار النفط والغاز”.
إلى أين يتجه سوق النفط؟
أكد تحالف “أوبك+” أن خطط زيادة الإنتاج ستخضع للمراجعة الشهرية، وأن أي زيادة سيتم تعويضها أو تعديلها وفقاً للمعطيات، كما شددت على ضرورة تقديم خطط تعويض دقيقة عن الإنتاج الزائد، بحلول 15 نيسان (أبريل) 2025.
قرار أوبك+ بالتحول من التشديد إلى التوسع قد يعيد رسم خريطة الإنتاج العالمي، لكنه يصطدم بتحديات جديدة، أبرزها السياسات الأميركية المقبلة، والرسوم الجمركية التي تهدد بإعادة إشعال حرب تجارية عالمية.
وفي ظل تراجع الاستثمار في مشاريع الطاقة التقليدية بفعل التحول نحو الطاقة النظيفة، فإن أي اضطراب في التدفقات قد يعيد الأسعار إلى مسار تصاعدي، مما يضع أوبك+ أمام اختبار دقيق بين دعم النمو العالمي وحماية مصالح المنتجين.
عودة أوبك+ إلى رفع الإنتاج هي رسالة ثقة للسوق، لكنها ليست خالية من المخاطر، خاصة إذا نفذ ترامب تهديداته. فهل تستطيع أوبك+ التكيف مع تحديات المرحلة القادمة؟ وهل تكون الرسوم الجمركية الجديدة سببًا في انهيار التحالفات النفطية؟ الأشهر المقبلة ستكون حاسمة.