في ظل تزايد الحديث عن طقس “حق الملح” بالمغرب، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، يبرز التساؤل حول أصل هذه الممارسة التي يروج لها على أنها عادة مغربية أصيلة، غير أن شهادات مجموعة من الأسر التي تحدثت إليهم “الصحراء المغربية”، في مدن الدار البيضاء والرباط والقنيطرة، تكشف أن الكثيرين لم يكونوا على دراية بهذه العادة من قبل، أو أنهم لم يعتادوا على ممارستها ضمن تقاليدهم الأسرية، في حين أوضح البعض أنهم سمعوا عنها وأنها موجودة في محيطهم العائلي لكنها تمارس بشكل محدود.
وتبعا لذلك، يفتح التباين في الآراء حول “حق الملح” باب التساؤلات بشأن أصالة هذه الممارسة في الثقافة المغربية، هل هي نابعة من الأعراف المحلية أم أنها طقس مستورد من المجتمعات المغاربية المجاورة، نتيجة الانفتاح الإعلامي والثقافي، خاصة مع الانتشار الواسع للمؤثرين والمؤثرات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولمقاربة أبعاد هذه القضية، أجرت “الصحراء المغربية” حوارا مع الدكتورة أمينة حميدي، باحثة في القانون العام والعلوم السياسية ومهتمة بقضايا التربية الأسرية، بهدف فهم السياق العام لهذه الظاهرة، ومدى ارتباطها بالهوية الثقافية المغربية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على تماسك الأسر المغربية.
هل يمكن اعتبار “حق الملح” عادة نابعة من الأعراف المغربية الأصيلة أم أنها طقس دخيل على المجتمع المغربي نتيجة العولمة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة؟
“حق الملح” هدية رمزية تقدم من قبل رب الأسرة للزوجة أو الأم أو الأخت كمكافئة على المجهودات التي بدلنها لتدبير وإدارة المنزل وتحضير الوجبات خلال شهر رمضان، وقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن هذه العادة في الوسط المغربي بعدما كانت متداولة في باقي بلدان شمال افريقيا وفي التقاليد العثمانية القديمة.
وبسبب التطور التكنولوجي والتقني الذي شمل مجال الاتصالات والإعلام وتدفق المعلومات، أصبح العالم في زمن العولمة أكثر تداخلا وتعقيدا، وقد ساهمت هذه التحولات في تغيير أبرز مقومات الخصوصيات الوطنية، مما أدى الى تقارب بشري لا تقف أمامه تفاصيل الزمان أو المكان أو اللغة أو التوجهات الثقافية. وانتشار بعض العادات في المجتمع المغربي ومنها “حق الملح” لاسيما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي جعله يحظى بحيز كبير من اهتمام النساء حتى أن البعض منهن اعتبرنه مؤشرا على مودة الرجل وامتنانه، لاسيما بعدما عرضت بعض المؤثرات فيديوهات وصور لهدايا تلقينها من أزواجهن على شكل قطع من الذهب أو الفضة أو مبلغ من المال، وعليه فإن التفاعل مع هذا الخطاب وقوة تأثيره على النظام الاجتماعي وعلى المناخ النفسي للحياة الأسرية، يختلف حسب درجة وعي المتلقي فكلما كان هذا الأخير واعيا لا تتحقق الاستجابة الفورية وتكون هذه المواقع أقل تأثيرا والعكس.
كيف يمكن لمثل هذه العادات أن تسهم في تعزيز الروابط الأسرية دون الوقوع في المقارنة أو التأثير على استقرار العلاقة الزوجية؟
حق الملح سيف ذو حدين، ذلك أن إدخال مثل هذه الأفكار الى الأذهان يمكن أن يساهم في توطيد العلاقات الأسرية بين الأزواج على اعتبار أن الثناء على العمل أو المجهود هو اعتراف صريح بالدور الذي قامت به المرأة خلال شهر رمضان وهي صائم مما يولد لديها الاحساس بنوع من الرضا والتقدير، في المقابل مقارنة أسرة بأخرى تسبب الحرج لبعض الأزواج الذين لا يستطيعون توفير هدايا لزوجاتهن بسبب التكلفة الغالية للمعيشة عامة ولقطع الذهب والفضة خاصة مما يمكن أن يتسبب في مشاكل أسرية.
لكن على العموم يمكن القول إن العلاقة الأسرية المبنية على أسس متينة ليست مرهونة بتبادل الهدايا وأغلب النساء المغربيات لا تقمن بتهيئة المائدة وإدارة الشؤون المنزلية من أجل الحصول على مقابل مادي. كما أن العمل المنزلي بشكل عام لم يعد حكرا على النساء لأن التطور الحديث في المجتمع المغربي جعل من الممكن تقسيم العمل بين جميع أفراد الاسرة كل حسب قدراته وميولاته. كما أن دور المرأة داخل المنزل لا تستحق عليه هدايا مادية فقط ولكن الأهم هو العرفان والتنويه لما تفعله لأن جهودها لا تقاس بثمن، فضلا على أن تقدير جهود المرأة لا يجب أن يكون موسميا يرتبط بفترة زمنية محددة بل ينبغي أن يتم بشكل مستمر طوال الحياة الزوجية وفي سائر الأيام. كما أن قيمة ونوع الهدية ليس مهما بقدر ما يهم ترسيخ ثقافة الاعتراف والامتنان.
كيف يمكن تعزيز قدرة الأفراد والأسر على مقاومة الاستلاب والتأثر السريع بالعادات والطقوس المستوردة من مجتمعات أخرى، خاصة في ظل انتشار ظاهرة “المؤثرين والمؤثرات” في العالم الرقمي، والذين قد يروجون لعادات قد لا تكون متوافقة مع الثقافة المغربية؟
يعيش العصر الحالي ثورة تكنولوجية كبيرة تم توظيفها لتحرير المعلومات والأفكار وسرعة تداولها في شتى الميادين لتتجاوز الحدود الجغرافية. واستعمال الناس لمواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها فتح المجال لمشاركة الثقافات ونقل العادات والتقاليد مما أدى الى التأثير على أسلوب العيش. ذلك أنها تعمل على استقطاب وحشد أكبر نسبة من الجمهور لإقناعهم بفكرة أو توجه معين حتى وان كان ذلك يهم طريقة الحياة أو القيم والمعتقدات التي يعيش وفقها.
ويعتمد التأثير الرقمي على استهداف الجانب النفسي للأفراد وتحريك عاطفتهم لضمان تحولات معرفية أو سلوكية معينة، وذلك باستخدام الحضور الواسع لأفكار وخطابات محددة وتكرارها حتى تترسخ في الذاكرة، فيكون التأثير على مستويين متباينين: إما إيجابيا بإعطاء المستعمل الفرصة لتحسين نمط الحياة أو سلبيا عند المس بخصوصيته في فضاء افتراضي كله ألغام. وتبقى عمليتي التأثير والتأثر مرتبطين بمدى التقدم الأخلاقي عند كل فرد.
وبالتالي فمواجهة العادات والتقاليد غير المحمودة تنطلق من التعليم والتوعية لتوفير الحماية لأفراد المجتمع والحفاظ على قيم هذا الاخير وثقافته من خلال الكشف عن التجاوزات والتمكن من الآليات الملائمة للتمييز بين ما يجب فعله وما ينبغي تجاوزه، وبالموازاة مع ذلك ينبغي التأطير القانوني والثقافي لكيفية توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لما ينسجم مع الوعي بالخصوصيات المحلية والثقافات الوطنية.
ومن المهم أيضا أن تلعب وسائل الإعلام دورا أساسيا في تكريس الارتباط بالهوية المغربية وتحصين الأفراد والاسر ضد العادات الدخيلة المنافية لأخلاق وقيم المجتمع، ويهم ذلك بالخصوص وسائل الإعلام الأكثر انتشارا والمتعددة لغويا، فضلا عن فتح النقاشات مع المهتمين والمحللين والباحثين من أجل مساعدة الجمهور على فهم ثقافته والدفاع عنها والحث على بناء مجتمع مترابط يعمل على ترسيخ الثقافة الوطنية عبر الأجيال.