تاريخ النشر :
الأربعاء
12:01 2025-4-9
آخر تعديل :
الأربعاء
12:18 2025-4-9
د. محمد رسول الطراونة
في عالم يتسم بتعقيدات صحية متزايدة وانتشار الأمراض غير السارية (المزمنة) مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة وغيرها، يبرز » نهج صحة الأسرة » كحلٍّ مبتكر لإصلاح النظام الصحي حيث أصبح من الضروري تبني نهج شامل ومتكامل لتحسين جودة الرعاية الصحية، ولعل النهج المنشود هو نهج صحة الأسرة الذي يُعتبر من النماذج الحديثة التي تهدف إلى تقديم رعاية صحية تركز على الفرد والأسرة كوحدة متكاملة، بدلًا من الاقتصار على علاج أعراض المرض كما هو في النهج التقليدي المُتبع حاليا في العديد من الأنظمة الصحية، بما فيها النظام الصحي الأردني. يعتمد هذا النهج على تعزيز الوقاية، والكشف و التشخيص المبكر، والعلاج الفعّال مع مراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية للمريض، و يشكل نهج صحة الأسرة نموذج رعاية صحية مبتكرا يركز على تقديم خدمات صحية شمولية، متكاملة ومستمرة للأفراد والأسر، من خلال فريق طبي متعدد التخصصات، و يعتمد هذا النهج على بناء علاقة طويلة الأمد بين المريض وفريق الرعاية الصحية، مما يضمن توفير رعاية شخصية وفعّالة تلبي احتياجات المريض الصحية والنفسية والاجتماعية.
يهدف نهج صحة الأسرة إلى تحسين جودة الخدمات الصحية من خلال تقديم رعاية شاملة تراعي جميع جوانب صحة الفرد في كافة المراحل العمرية، بما في ذلك الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية. اذ يركز هذا النهج على الوقاية من الأمراض من خلال التوعية الصحية حول عوامل الخطورة للامراض وتجنبها والتشخيص المبكر، مما يقلل من انتشار الأمراض غير السارية (المزمنة) والحد من مضاعفاتها ويحسن من نتائج العلاج.
يعتمد هذا النهج على بناء علاقة ثقة بين المريض وكامل اعضاء فريق الرعاية الصحية، مما يعزز من تجربة المريض ورضاه عن الخدمات الصحية المقدمة للفرد في نطاق الاسرة والمجتمع، يمكن لنهج صحة الأسرة أن يقلل من التكاليف الصحية المرتبطة بعلاج الأمراض المزمنة والمضاعفات الناتجة عنها من خلال التركيز على الوقاية والتشخيص المبكر.
يتكون فريق صحة الأسرة من أطباء أسرة وأطباء عامين، ممرضين، صيادلة، أخصائيين نفسيين، وأخصائيين اجتماعيين بعد تدريبهم على مهارات محددة تشكل أساس ومرتكزات هذ النهج منها على سبيل المثال لا الحصر: مهارات التواصل مع المريض ومهارات بناء الثقة وتشكيل معرفة جيدة للسيرة المرضية للمريض والعمل بمفهوم الفريق الواحد بما يضمن الاستغلال الامثل للموارد بكافة أشكالها، إذ يعمل هذا الفريق معًا لتقديم رعاية متكاملة تلبي احتياجات المريض وفقا لمبادئ الرعاية الصحية المتمركزة حول الفرد.
يقدم نهج صحة الأسرة رعاية مستمرة للمريض، بدءًا من مرحلة الوقاية اي قبل حدوث المرض مرورًا بالتشخيص والعلاج، وحتى المتابعة بعد العلاج، ويعتمد هذا النهج على توعية المرضى وأسرهم بأهمية الوقاية من الأمراض واتباع نمط حياة صحي ويقدم نهج صحة الأسرة رعاية متخصصة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، مما يساعدهم على إدارة حالتهم الصحية بشكل أفضل. يمكن لنهج صحة الأسرة أن يحسن من النتائج الصحية للمرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة من خلال تقديم رعاية صحية شاملة ومتكاملة للفرد في نطاق الاسرة و بفضل التركيز على الوقاية والتشخيص المبكر، يمكن لهذا النهج أن يقلل من الحاجة إلى دخول المستشفيات وتكرار الزيارات الطبية وبذلك ينهي حلقة الزيارات الطبية المتكررة.
وبذلك يساهم نهج صحة الأسرة في تحقيق التغطية الصحية الشاملة من خلال تقديم خدمات صحية عالية الجودة وميسورة التكلفة لجميع أفراد المجتمع، ولكن يحتاج تطبيق نهج صحة الأسرة إلى كوادر صحية مدربة على تقديم رعاية صحية متكاملة، مما يتطلب استثمارات في التدريب والتأهيل و توفير موارد مالية لتجهيز مراكز الرعاية الصحية الأولية وتدريب الكوادر البشرية في اطار عمل الفريق الصحي الواحد، كما يحتاج تطبيق نهج صحة الأسرة إلى تعزيز التوعية المجتمعية بأهمية الوقاية من الأمراض واتباع نمط حياة صحي.
خلاصة الكلام، نهج صحة الأسرة يمثل نقلة نوعية في تقديم الرعاية الصحية الشمولية والمستمرة، حيث يركز على تلبية احتياجات الفرد والأسرة بشكل شامل ومتكامل، و من خلال تعزيز الوقاية والتشخيص المبكر، يمكن لهذا النهج أن يحسن من النتائج الصحية ويقلل من التكاليف المرتبطة بعلاج الأمراض غير السارية (المزمنة).
في الأردن، يعد تطبيق هذا النهج خطوة مهمة نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
“خاتمة القول، الصحة هي الثروة الحقيقية، ونهج صحة الأسرة هو المفتاح لتحقيق رعاية صحية شاملة ومستدامة لان» الصحة لا تعني غياب المرض فقط، بل تعني رعايةٌ تلامس كل جوانب حياتنا… ونهج صحة الأسرة هو بداية الطريق».
* أمين عام المجلس الصحي العالي السابق