في إنجاز علمي فريد من نوعه، نجح باحثون أمريكيون في تطوير أول جهاز قابل للارتداء في العالم قادر على مراقبة صحة الجلد من دون تلامس البشرة.
يعتمد الجهاز على تقنية متقدمة تتيح له قياس الغازات المنبعثة من الجلد بشكل طبيعي؛ ما يسمح له بتحليل مؤشرات حيوية دقيقة من دون الحاجة إلى ملامسة البشرة؛ وهو ما يقلل من التهيّج أو الحساسية لدى بعض المرضى.
كيف يعمل جهاز تتبع صحة البشرة من دون لمسها؟
في دراسة حديثة نشرتها مجلة Nature، طوّر علماء من جامعة “نورث وسترن” الأمريكية أول جهاز في العالم يمكنه قياس الغازات المنبعثة من الجلد أو التي يمتصها، من دون الحاجة إلى لمسه فعليا.
وتعتمد هذه التقنية المبتكرة على تحليل الغازات المحيطة بالجلد، مثل ثاني أكسيد الكربون، وبخار الماء، والأكسجين، والمركبات العضوية المتطايرة (VOCs). وتشير الدراسة إلى أن البشرة ليست مجرد حاجز وقائي، بل تعمل كـ”طريق ذي اتجاهين” بين الجسم والبيئة.
جهاز لا يلمس الجلد… لكنه يقرأ حالته بدقة
يتكوّن الجهاز من مجموعة دقيقة من المستشعرات تراقب تغيّرات الحرارة، والرطوبة، وتركيز الغازات المنبعثة؛ ما يقدم بيانات قيّمة حول حالة الجلد والصحة العامة.
وتُجمع هذه الغازات في حجرة صغيرة داخل الجهاز تحيط بالبشرة من دون ملامستها؛ وهو ما يسمح بقياس المؤشرات الحيوية حتى لدى الأشخاص ذوي البشرة الحساسة، من دون إزعاج الأنسجة.
وبفضل هذا التصميم الفريد، يتمكّن الجهاز من مراقبة وظائف الجلد والتفاعل مع البيئة بشكل لحظي؛ ما يفتح آفاقا واعدة في مجال الرعاية الصحية الذكية وتشخيص الأمراض الجلدية في مراحلها المبكرة.
ما فوائد هذا الجهاز؟
من خلال تحليل هذه الغازات، يُقدّم الجهاز طريقة جديدة كليا لتقييم صحة الجلد؛ إذ يمكن للبيانات التي يجمعها أن تُقدم رؤى ثاقبة حول كل شيء، بدءا من التئام الجروح ومستويات الترطيب، وصولا إلى العلامات المبكرة للعدوى، وحتى التعرض للمواد الكيميائية السامة.
ووفقا لصحيفة New York Post، يستطيع الجهاز مراقبة الجروح، والتنبؤ بحالات التهابات الجلد، كما يُستخدم لرصد صحة الجلد بشكل عام بدقة غير مسبوقة.
وأكد الدكتور غييرمو أمير، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية وأحد قادة الدراسة، أن لهذه التقنية “قدرة كبيرة على إحداث تحول نوعي في الرعاية السريرية، خاصةً للفئات الأكثر هشاشة، مثل حديثي الولادة، وكبار السن، ومرضى السكري، وغيرهم ممن يعانون من مشاكل جلدية معقدة”.
مزايا أول جهاز يتتبع صحة الجلد من دون تلامس
لا يتعدى طول الجهاز السنتيمترين وعرضه سنتيمترًا ونصف السنتيمتر، ويعتمد على أجهزة استشعار دقيقة تقوم بسحب عينات من الغازات المنبعثة من الجلد عبر حجرة هوائية صغيرة تطفو فوق البشرة، من دون لمسها نهائيا.
ووفقا لموقع Feinberg.Northwestern، فإن هذه التقنية تُعد طفرة مهمة؛ لأن معظم الأجهزة القابلة للارتداء تتطلب الالتصاق المباشر بالجلد؛ وهو ما يُشكّل تحديا للمرضى ذوي الأنسجة الهشة أو التالفة، مثل الأطفال حديثي الولادة وكبار السن ومرضى السكري.
بيانات آنية… من هاتفك
إحدى أبرز مزايا هذا الابتكار هي القدرة على استخدامه في المنزل من دون الحاجة لمعدات طبية ضخمة. يتزامن الجهاز مع الهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي ليعرض بيانات آنية حول الغازات التي يمتصها أو يطلقها الجلد؛ ما يُسهم في اتخاذ قرارات طبية دقيقة في الوقت الفعلي.
وأكد الباحثون أن هذه المعلومات السريعة وسهلة الوصول يمكن أن تساعد مقدمي الرعاية الصحية على اتخاذ قرارات علاجية أسرع وأكثر استنارة، وهو أمر بالغ الأهمية لالتئام الجروح.
قال الدكتور غييرمو أمير: قد يكون وصف المضادات الحيوية للجروح مخاطرة. أحيانا يصعب تحديد ما إذا كان الجرح مصابا بالعدوى أم لا. وبحلول الوقت الذي يتضح فيه الأمر، قد يكون الأوان قد فات، وقد يُصاب المريض بتسمم الدم، وهو أمر خطير للغاية.
يتوقع فريق جامعة “نورث وسترن” أن يُسهم هذا الابتكار في تعزيز فعالية طاردات الحشرات، ومنتجات العناية بالبشرة، وحتى الأدوية المصمّمة لتحسين صحة الجلد.
فعلى سبيل المثال، يُعد ثاني أكسيد الكربون والمركبات العضوية المتطايرة من أبرز العوامل التي تجذب البعوض والآفات الأخرى. ومن خلال قياس انبعاث هذه الغازات من سطح الجلد، يمكن للجهاز أن يساعد الباحثين على تطوير حلول فعالة لإبعاد الحشرات وتحسين منتجات الوقاية.
إضافة إلى ذلك، يوفر الجهاز وسيلة مبتكرة لأطباء الجلد لقياس مدى اختراق الكريمات والمستحضرات الجلدية للطبقات السطحية؛ ما يُمكّن من تقييم فعالية المستحضرات وسلامة المنتجات التجميلية.
ومن أجل المستقبل، يسعى الباحثون إلى تحسين قدرات الجهاز، بما في ذلك إضافة مستشعر لرصد التغيرات في مستويات الرقم الهيدروجيني (pH)، وتطوير مستشعرات غازات ذات انتقائية كيميائية أعلى للكشف المبكر عن اختلال وظائف الأعضاء والأمراض الأخرى.
وقال الدكتور جون روجرز، الأستاذ والباحث بجامعة نورث وسترن، والمشارك في قيادة المشروع: هذه التقنية تتجاوز مجرد تتبع الغازات أو تحليل خصائص الجلد، بل تمهد الطريق نحو نظام صحي شخصي يعمل دون تدخل جراحي وبشكل مستمر، يساعد في الوقاية من الأمراض والتنبؤ بالحالة الصحية العامة.