اتصل الفنان صلاح جاهين برئيسة التليفزيون المصرى المذيعة سامية صادق، وكان صوته متغيرا، وفسر لها ذلك بأنه ظل يكتب حتى الساعة السادسة صباحا الحلقات الجديدة من برنامج الأطفال «بوجى وطمطم»، وعندما أراد أن ينام طلبت منه حفيدته الجلوس معها حتى تذهب إلى المدرسة، وبعدها بساعات انتقل إلى المستشفى، حسبما تذكر سامية صادق فى «الأهرام» يوم 22 أبريل 1986.
رقد صلاح جاهين ستة أيام فى غيبوبة بمستشفى الصفا وتوفى يوم 21 أبريل 1986، وعمره 56 عاما أعطى فيها إبداعه النادر فى الشعر والكاريكاتير والفن، وحسب تقرير «الأهرام» فى اليوم التالى لوفاته، فإن حالة الغيبوبة التى لازمته تعود إلى كثرة وتنوع الأدوية التى كان يتعاطها تخفيفا لآلامه، وفى أغلب الأحيان كانت بغير استشارة طبية مما نتج عنه هبوط حاد فى قلبه، وجعل خلايا المخ لا تتلقى القدر الكافى من الأكسجين الوارد إليها عن طريق الدم، وكشفت الأهرام عن قيام مركز السموم بجامعة عين شمس بإجراء العديد من التحاليل لدم صلاح جاهين لتحديد نوع الأدوية التى تعاطها وثبت أن معظمها لا يفرزه الجسم إلا بكميات ضئيلة، وتم الاتصال بمراكز الأبحاث العالمية المعنية ووافقت على بروتوكول للعلاج، غير أن كل الجهود الطبية لم تفلح فى إنقاذ حياته.
شيعت جنازة الفقيد فى الساعة الثالثة ظهر يوم وفاته، وأوفد الرئيس مبارك مندوبا عنه، وكذلك رئيس الوزراء الدكتور على لطفى، وشارك فيها وزراء ومبدعون ورؤساء تحرير الصحف وعشرات الصحفيين والفنانين، وعمت الأحزان على هذا الاستثنائى فى تاريخ الإبداع العربى المولود فى 25 ديسمبر 1930، ودرس فى مدارس أسيوط الثانوية، وحصل على التوجيهية من مدرسة قنا الثانوية، وشارك فى تأسيس مجلة «صباح الخير» سنة 1957، وفى 1 مارس 1964 انضم إلى أسرة تحرير الأهرام كرسام للكاريكاتير، وفى 19 ديسمبر 1965 نال وسام الفنون والعلوم من الدرجة الأولى.
كان كشافا وراعيا للموهوبين فى الإبداع فنا وأدبا، وكان مجمعا للمواهب بوصف الموسيقار محمد عبدالوهاب فى أهرام 22 أبريل 1986، قائلا: «لم نفقد صلاح جاهين، فقدنا أكثر من 20 فنانا، فقدنا الفنان الشامل، الرسام، الشاعر، الساخر، الزجال، القصصى، الممثل، والسيناريست، وأيضا المغنى، وكل هذا متوج بخلق لا يعرف الحقد، كان له فضل كبير فى الوطنيات والأغانى العامة، وكان فنان الصالون والشارع»، وقال الكاتب الصحفى أحمد بهجت: «كان صلاح جاهين شمسا تشع بالفرح رغم أن باطنه كان ليلا من الأحزان العميقة، وكان يدارى أحزانه ويخفيها عن الناس، ويصنع منها ابتسامة ساخرة، ويظهر على الناس بوجهه الضاحك كل يوم، أحزننى موت صلاح جاهين، الشاعر، الكاتب، الرسام، الممثل، الفنان الشامل ذو الوجوه العبقرية المتعددة».
وبكاه الموسيقار سيد مكاوى، قائلا: «كان هرما فنيا قائما بذاته، تعامل مع مختلف ألوان الفنون، وكان إنسانا بمعنى الكلمة وصديقا نعم الصديق، وبرحيله فقدت آخر أصدقاء رحلة الكفاح والصداقة، كنا صلاح جاهين وسيد مكاوى وفؤاد حداد وحسن فؤاد تربطنا علاقة أشبه بالتوأم، جيل كافح وصنع نفسه وخاض المعارك»، أما الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فلفت النظر إلى موهبة جاهين المبكرة، قائلا فى «الأهرام» يوم 23 أبريل 1986: «كتب صلاح جاهين أغنيات حرب السويس عام 1956 وهو ابن السادسة والعشرين، كيف لم نلتفت إلى أنه فى تلك السن كتب «سنحارب»، و«يا سايق الغليون»، و«يا حمام البر سقف» و«الجنة هى بلادنا»، كيف لم يخطر ببالنا أن السلام الوطنى لمصر كان موسيقى لكلمات كتبها شاعر فى السادسة والعشرين لأغنية «والله زمان يا سلاحى»، وصمت صلاح وأصبح العمر الباقى عبثا».
ويراه الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش: «هو واحد من معالم مصر، يدل عليها وتدل عليه، نايات البعيد وشقاء الأزقة ودفوف الأعياد، سخرية لا تجرح، وقلب يسير على قدمين»، ويضيف فى «مقاله «شاعر القمر والطين» بمجلة «اليوم السابع» الصادرة من باريس يوم 12 مايو 1986: «عرفت صلاح جاهين منذ تعرفت على صواب قلبى الأول، منذ يممت مع أبناء جيلى شطر الصعود إلى أعالى الأمل، ولم يكن فى مقدور ولد مثلى أن يسلم بأنه يتيم الوطن والهوية ما دامت مصر ذلك الزمان تقدم للعرب هوية روحهم، وتقود القوافل المشتتة إلى شمال البوصلة، عبدالناصر يصوغ مشروع الوعد الكبير، عبدالحليم حافظ ينشد للعمل والموج والصعود، أم كلثوم تشهر شوقنا للسلاح، وصلاح جاهين يسيس حناجر المغنيين، ويؤسس تاريخ الأغنية الجديدة ويحول العمل إلى ورشة الأفراح، صلاح جاهين الشاعر الذى قال نيابة عنا ما عجزنا عن قوله بالفصحى، هو الشاعر الذى قال لنا ما عجزت عن قوله العامية، الشاعر الذى حل لجمالية الشعر ولفاعليته العقدة الصعبة، وعورة المسافة بين لغة الشعر ولغة الناس وما بينهما من تباين والتحام».