#لقاءات وحوارات
كارمن العسيلي
اليوم
تستضيف مؤسسة بسام فريحة للفنون معرضًا فنيًا استثنائيًا، بعنوان «مشروع الوحدة.. رحلة الثقة والامتنان والحب»، للفنان العالمي ستيفانو سيموناتشي، المعروف بلقب «ذا بريزم». ويستمر هذا المعرض حتى نهاية شهر أغسطس المقبل، حاملاً في طيّاته طاقة بصرية وروحية، تسعى لإيجاد حوار بين الزائر والعمل الفني، وبين الذات والعالم.
وبهذه المناسبة، نلتقي ميكايلا واترلو، المشرفة ومديرة المعارض في «المؤسسة»؛ لنتحدث عن أهمية هذا «المعرض»، وسبب اختيار أعمال «ذا بريزم» تحديدًا، وكيف تسعى «المؤسسة» لتقديم منظور جديد، يعيد تعريف السرديات التاريخية، وترسيخ قيم الوحدة والتواصل في المشهد الثقافي الإماراتي المتنامي.
في هذا الحوار، نسلّط الضوء على الدور الحيوي، الذي تلعبه مؤسسة بسام فريحة في دعم الفن المعاصر، والتجريدي.
– كيف تعكس «بسام فريحة للفنون» رؤيتها لدعم الفنانين المحليين والإقليميين، وما الدور الذي تلعبه في تشكيل المشهد الثقافي للمنطقة؟
في قلب مؤسسة بسام فريحة للفنون يوجد التزام عميق ودائم برعاية الجيل القادم من الفنانين، وجامعي الأعمال الفنية، والمبدعين في جميع أنحاء المنطقة ودولياً. وتعكس المؤسسة، التي أسسها بسام سعيد فريحة، رؤيته الإنسانية المتجذرة في الاعتقاد بأن الفن لديه القدرة على تعليم المجتمعات، وإلهامها، وربطها معاً. وتعمل المؤسسة كمنصة للمواهب الإقليمية والدولية الناشئة والراسخة، ما يوفر للفنانين الفرصة لعرض أعمالهم ونشرها، والمشاركة في الحوار النقدي. كما تُساهم بنشاط في تشكيل السرد الثقافي للمنطقة، وبناء الجسور بين التراث والتعبير المعاصر، وضمان استمرار ازدهار الإبداع للأجيال القادمة، من خلال دعم الأصوات غير الممثلة بشكل كافٍ، وتعزيز التفاعل المدروس مع الفنون.
– ما الذي يُميّز نهج المؤسسة في تعزيز ثقافة الرعاية الفنية، وكيف يمكن لهذا النهج أن يضمن استمرارية الحوار الثقافي للأجيال القادمة؟
نؤمن بأن الرعاية الحقيقية للفنون تتجاوز مجرد الجمع؛ فهي تتعلق بزرع روح الفضول، وتوسيع سبل الوصول، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الثقافية المشتركة. وتتمحور مهمتنا حول احتضان الجيل القادم من الفنانين، والمفكرين، والمدافعين عن الثقافة. ومن خلال تسليط الضوء على الفنانين الإماراتيين والإقليميين والدوليين، وتشجيع التفاعل مع أعمالهم، ندعو جمهورنا من الشباب لاكتشاف إمكاناتهم الإبداعية والمشاركة الفعّالة في الحوار الثقافي. كما نعتمد نهج التعلم عبر الأجيال، حيث نجمع بين الطلاب والباحثين والعائلات وجامعي الأعمال الفنية في بيئات تحفّز التبادل الثقافي. ولا يضمن هذا النهج الحفاظ على التقدير الفني فقط، بل إثراءه المستمر بمنظورات وأفكار جديدة.
– يحمل «ذا بريزم.. مشروع الوحدة» رسالة تتجاوز الحدود الفنية التقليدية. كيف نشأت فكرة المعرض، وما الذي يميزه عن المعارض الفنية الأخرى؟
وُلدت فكرة معرض «ذا بريزم.. مشروع الوحدة» من رغبة في إعادة تصور كيفية تفاعل الجمهور مع الفن، ليس كمجرد مشاهدين، بل كمشاركين في رحلة أعمق من الاتصال والتأمل والحضور. أردنا إنشاء معرض يتحدى الحدود التقليدية، ويدعو الزوار إلى التفاعل ليس فقط بصريًا، ولكن أيضًا عاطفيًا وروحيًا. لقد أصبح مفهوم الوحدة، وترابطنا معاً، ومع الطبيعة، ومع الذات، الأساس الذي يقوم عليه المشروع. ومن خلال استكشاف الضوء والفضاء والصوت، يغمر المعرض زواره في بيئات تحفّز التأمل والوعي الذاتي. وما يجعل “مشروع الوحدة” فريدًا حقًا هو نهجه متعدد الحواس؛ إذ يدمج بين العناصر التفاعلية والبرامج، التي تركز على الرفاهية، مثل: العلاج بالصوت، والتأمل الموجه، ما يشجع الجمهور على التمهل، وعيش اللحظة بكل وعي وحضور.
– ما رؤيتكِ لدور المؤسسات الفنية في تشكيل مستقبل الفن بالشرق الأوسط؟
تتحمل المؤسسات الفنية في الشرق الأوسط مسؤولية حيوية، ليس فقط في الحفاظ على الثقافة، لكن في تشكيلها بنشاط أيضًا. لذا، يجب أن تكون بمثابة محفزات للحوار والتعليم والتبادل، وإيجاد مساحات يمكن فيها تحدي الأفكار وتبادلها والاحتفاء بها. في مؤسسة بسام فريحة للفنون، نرى دورنا كمحفّز ومبتكر في آنٍ. وتتمثل رؤيتنا في مشهد فني نابض بالحياة وشامل، ومترابط عالميًا، لا تُسمع فيه أصوات هذه المنطقة فحسب، بل تقود الحوار الثقافي. وتمتلك المؤسسات مثل مؤسستنا قدرة على ضمان بقاء الفن قوة دافعة للفهم الثقافي، والنمو الإبداعي، والتأثير المستدام.
– مثل: الفن الرقمي، وفن الرموز غير القابلة للاستبدال، هل ترين أن هذه التطورات في عالم الفن تتماشى مع رؤية المؤسسة؟
لقد وسّع صعود الفن الرقمي، وفن الرموز غير القابلة للاستبدال، بلا شك، حدود كيفية إنشاء الفن ومشاركته واقتنائه. ويظل تركيزنا الأساسي في المؤسسة على الأعمال الفنية الملموسة، حيث تلعب المادية والملمس والحضور دورًا محوريًا في تجربة المشاهد. ومع ذلك، ندرك إمكانيات المنصات الرقمية في دعم وتعزيز رسالتنا. نحن منفتحون على استكشاف الأشكال الرقمية؛ عندما تسهم في إثراء رؤيتنا التنظيمية، أو تعميق تفاعل الجمهور، أو تقديم زوايا جديدة حول الموضوعات التي نتناولها.

– ما الذي يجذب الجماهير إلى الفن اليوم، وهل ترين تحولات في اهتماماتهم، وتوقعاتهم في ما يتعلق بالفنون؟
بالتأكيد، يتفاعل الجمهور اليوم مع الفن بطرق ديناميكية وشخصية بشكل متزايد. فهناك تحول واضح من المشاهدة السلبية إلى التجارب التفاعلية الغامرة، التي تدعو إلى المشاركة والتواصل العاطفي. يريد الناس أن يشعروا بشيء ما، وأن يكونوا جزءًا من القصة، وأن يغادروا المكان بفهم أو تفكير أعمق. نشهد، أيضًا، تزايدًا في الاهتمام بالمعارض، التي تستكشف التراث الثقافي والهوية والسرد، حيث يمكن للمشاهد التواصل مع الفن شخصياً أو حتى روحياً، فلم يعد الأمر يتعلق فقط بالجماليات، بل بالمعنى والسياق والخبرة.
– كيف كانت رحلتك في عالم الفن حتى الآن، وما الذي دفعكِ للانضمام إلى هذه المؤسسة؟
تأثرت رحلتي في عالم الفن، بشكل عميق، بشغفي بجمع الأعمال الفنية ورعايتها، وكيف يمكن للأفراد – من خلال رؤيتهم وشغفهم – أن يسهموا بشكل كبير في إتاحة الفن للجمهور، وتطوير المشهد الثقافي بشكل عام. وقد ركزت دراستي لدرجة الدكتوراه بشكل خاص على هذه المواضيع، حيث بحثت في دور المجموعات الفنية الخاصة في تشكيل المؤسسات العامة، وتعزيز التقدير المستدام للفنون. وبعيدًا عن البحث الأكاديمي، لطالما كنت شغوفة بجعل عالم الفن أكثر سهولة وانفتاحًا. سواء من خلال العمل التنظيمي، أو المبادرات التعليمية، فقد كان هدفي هو تبسيط سوق الفن، وتشجيع العديد من الأشخاص على استكشافه والتفاعل معه، خاصة جامعي الأعمال الفنية الجدد، لتمكينهم من التفاعل مع الفن بأسلوب مدروس وعميق. كان الانضمام إلى مؤسسة بسام فريحة للفنون تطورًا طبيعيًا لعملي، إذ تتوافق رؤية المؤسسة في الجمع بين المجموعات الخاصة والعامة، وتعزيز رعاية الفنون، ودعم الجيل القادم من الفنانين، وجامعي الأعمال الفنية مع قيمي ومبادئي. وإنه لشرف لي أن أكون جزءًا من مؤسسة لا تقتصر على الاحتفاء بالفن فقط، بل تسعى جاهدة لجعله أكثر وصولًا، وشمولية، وتأثيرًا.
– ماذا يعني لك تنسيق المعارض الفنية، وكيف تصفين فلسفتك في تنظيم المعارض، واختيار الأعمال الفنية؟
بالنسبة لي، تنسيق المعارض وسيلة لسرد القصص، فهو يتعلق ببناء روابط عميقة بين الأعمال الفنية والفنانين والجمهور، ونسج حوار يُلهم الفضول، ويدعو إلى تفاعل أعمق مع الموضوعات المطروحة. كما أرى أن كل معرض فرصة لاستكشاف أسئلة جديدة، وتقديم وجهات نظر مختلفة، وإيجاد مساحة للتأمل والتجربة. إن نهجي في تنظيم المعارض يعتمد على التوازن، إذ أحرص على إعطاء أهمية كبيرة للسياق التاريخي، مع السعي في الوقت نفسه إلى إبراز الصلة بالعصر الحاضر. وأريد أن يشعر الزوار بالإثراء الفكري والارتباط العاطفي والبصري مع ما يشاهدونه، وهو ما يتطلب تفكيرًا دقيقًا في تسلسل المعرض، والعلاقات بين الأعمال، ودور كل قطعة في سرد القصة الكاملة. وقبل كل شيء، أنسّق المعارض بوعي وهدف، وأبحث عن أعمال فنية تتحدى المفاهيم السائدة، وتشجع على التفاعل، وإنشاء تجربة غامرة، سواء من خلال الأجواء، أو المواد، أو الرسالة. ففي النهاية، هدفي هو تقديم معارض لها تأثير دائم في العقل، والقلب.

– ما المعرض أو المشروع الفني، الذي تحلمين بتنظيمه في المستقبل؟
أحلم بتنظيم معرض يتناول التأثير الكبير لجامعي الأعمال الفنية في تشكيل تاريخ الفن. لطالما أثارت اهتمامي مساهمة جامعي الأعمال الفنية في إنشاء بعض المجموعات الفنية الأكثر أهمية في العالم، من خلال رؤيتهم وذوقهم والتزامهم. وسيضم المعرض أعمالًا رئيسية، انتقلت من المجموعات الخاصة إلى المؤسسات العامة، وسيسلط الضوء على الأثر الثقافي والتاريخي لتلك القرارات. كما سيتناول المعرض دور جامعي الأعمال الفنية، الذي لم يقتصر فقط على حفظ التراث، بل غالبًا قدموا حركات فنية جديدة، ودعموا المواهب الناشئة، وساهموا في تشكيل المشهد الفني.
– ما تصورك لمستقبل الفنون في الإمارات والمنطقة، وما العوامل الرئيسية التي تعتقدين أنها ستشكل المشهد الفني، خلال السنوات المقبلة؟
يبدو مستقبل الفنون في الإمارات والمنطقة بأكملها واعدًا للغاية، ويرجع ذلك لعوامل عدة، منها: دعم الفنانين الناشئين، والاستثمارات المتزايدة في القطاع الفني من قبل الجهات العامة والخاصة، بالإضافة إلى الحضور الثقافي العالمي المتزايد. كل هذا يساهم في تشكيل مشهد فني مؤثر، ونابض بالحياة. ما يثير حماسي أكثر هو التحول الذي تشهده هذه المعارض نحو الابتكار والانفتاح، حيث أصبحت أكثر تفاعلية، وذات تخصصات متعددة، في حين تتطور البرامج لتركز أكثر على الجمهور، وتُناسب المجتمع، وتتجاوب مع القضايا المعاصرة، ويُساهم هذا الانفتاح على التجربة والحوار، بين الثقافات والأجيال، بدَوْره في بناء بيئة فنية حيوية ومستدامة.