منظمة الصحة العالمية هي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، وتُعنى بتحسين الوضع الصحي العالمي وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. تأسست في السابع من أبريل/نيسان 1948، وهو التاريخ الذي يُحتفل به سنويا باعتباره “يوم الصحة العالمي”.
جمعية الصحة العالمية هي أعلى سلطة داخل المنظمة، وتُسند إليها مهمة اتخاذ القرارات المحورية، في حين يتولى المجلس التنفيذي المكوّن من 34 عضوا الإشراف على تنفيذ السياسات والتوصيات.
النشأة والتأسيس
تأسست المنظمة رسميا في 7 أبريل/نيسان 1948، وهو التاريخ الذي أُعلن لاحقا “يوم الصحة العالمي”، ويُحتفل به سنويا تأكيدا لرسالتها في النهوض بالصحة العامة عالميا.
بدأت الفكرة الأولى لتأسيس منظمة صحية دولية أثناء مؤتمر الأمم المتحدة التأسيسي الذي عُقد في سان فرانسيسكو عام 1945، حينها اقترح ممثلو البرازيل والصين إنشاء هيئة عالمية تُعنى بالشؤون الصحية، وعُرضت الفكرة ضمن مداولات تشكيل الأمم المتحدة.
وبناء على ذلك، أوعز المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة إلى الأمين العام في 15 فبراير/شباط 1946 بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لصياغة دستور المنظمة.
سبق ذلك اجتماع لجنة تحضيرية تقنية في اعصمة الفرنسية باريس في الفترة بين 18 مارس/آذار و5 أبريل/نيسان 1946، نتج عنه إعداد مقترحات الدستور، التي عُرضت لاحقا على مؤتمر الصحة الدولي المنعقد في نيويورك بين 19 يونيو/حزيران و22 يوليو/تموز 1946.
اعتمد المؤتمر مسودة دستور منظمة الصحة العالمية ووقّعه ممثلو 51 دولة عضوا في الأمم المتحدة إلى جانب 10 دول أخرى، كما أنشأ المؤتمر لجنة مؤقتة لتولي بعض المهام الصحية إلى حين دخول الدستور حيّز التنفيذ.
ونصّت المادة 80 من الدستور على أن يدخل حيّز النفاذ بعد تصديق 26 دولة من الدول الموقعة، وهو ما تحقق في 7 أبريل/نيسان 1948، وبذلك اكتسبت المنظمة صفة قانونية رسمية، وأصبحت وكالة متخصصة تُعنى بالشأن الصحي العالمي كما نصّت الديباجة والمادة 69 من دستورها.
التمويل
تعتمد منظمة الصحة العالمية في تمويلها على المساهمات السنوية للدول الأعضاء، والتي تُحتسب حسب قدرات كل دولة على الدفع. ومنذ عام 1951، حصلت على موارد إضافية من برنامج المساعدات الفنية الموسع التابع للأمم المتحدة، مما مكنها من توسيع نطاق أنشطتها في الدول النامية والناشئة.
المقر
تتخذ المنظمة من مدينة جنيف بسويسرا مقرا رئيسيا لها، إضافة إلى ستة مكاتب إقليمية حول العالم، هي:
المكتب الإقليمي لأفريقيا، ومقره برازافيل في الكونغو.
المكتب الإقليمي للأميركتين، ومقره واشنطن.
المكتب الإقليمي لجنوب شرق آسيا، ومقره نيودلهي في الهند.
المكتب الإقليمي لأوروبا، ومقره كوبنهاغن في الدانمارك.
المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، ومقره القاهرة في مصر.
المكتب الإقليمي لغرب المحيط الهادي، ومقره مانيلا في الفلبين.
كما تضم المنظمة 150 مكتباً قُطريا، وتشغّل حوالي سبعة آلاف شخص من الأطباء والأخصائيين والخبراء العلميين في علوم الإدارة والاقتصاد والإغاثة في حالات الطوارئ.
أهداف منظمة الصحة العالمية
تسعى منظمة الصحة العالمية إلى التصدي للقضايا الصحية على المستوى العالمي وضبط أولويات البحث الطبي، وتقديم الدعم الفني للدول الأعضاء، وتعزيز قدراتها في مجالات الأمن الصحي والتنمية المستدامة.
وتعمل على دعم وتقوية النظم الصحية الوطنية، وتوفير معلومات صحية دقيقة وموثوقة، وبناء شراكات إستراتيجية مع جهات دولية متعددة لضمان تنفيذ البرامج الصحية بكفاءة واستدامة.
العضوية
تضم منظمة الصحة العالمية 194 دولة عضوا، وتُمنح العضوية للدول التي تقبل دستور المنظمة وتلتزم بمبادئه. كما يمكن منح عضوية جديدة لدول أخرى شريطة موافقة جمعية الصحة العالمية بأغلبية بسيطة على طلب الانضمام.
وتحرص المنظمة على إبقاء الدول الأعضاء على اطلاع دائم بأحدث التطورات في البحوث الطبية والصحية، بما في ذلك مجالات السرطان وتطوير اللقاحات والأدوية والوقاية من الأمراض ومكافحة الإدمان وتحليل المخاطر المرتبطة بالمواد الكيميائية، وذلك عبر قنوات رسمية وتقارير علمية دورية، مما يسهم في توحيد الجهود العالمية نحو تعزيز الصحة العامة.
الهيكلة
تُدار منظمة الصحة العالمية عبر هيكل تنظيمي متعدد المستويات، يهدف إلى ضمان فاعلية اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات الصحية العالمية.
جمعية الصحة العالمية
هي أعلى سلطة تقريرية في المنظمة، وتنعقد سنويا بجنيف في شهر مايو/أيار، بمشاركة وفود من جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة. وتتمثل مهامها في:
تحديد السياسات العامة للمنظمة.
تعيين المدير العام.
مراجعة وإقرار الميزانية.
مراقبة الأداء المالي والإستراتيجي للمنظمة.
انعقدت أولى جلسات الجمعية بتاريخ 24 يونيو/حزيران 1948، بحضور وفود من 53 دولة، وقررت الجمعية إنهاء عمل اللجنة المؤقتة في منتصف ليل 31 أغسطس/آب 1948، وتولت بذلك منظمة الصحة العالمية مسؤولياتها الكاملة بدءا من اليوم الموالي.
المجلس التنفيذي
يتكون المجلس التنفيذي من 34 عضوا، ترشحهم الدول الأعضاء وتنتخبهم الجمعية لولاية مدتها 3 سنوات. وتتمثل مهامه في:
تنفيذ قرارات جمعية الصحة وسياساتها.
تقديم المشورة الفنية والإدارية للجمعية.
تسهيل عمل المنظمة.
يعقد المجلس اجتماعين على الأقل سنويا: الاجتماع الرئيسي في يناير/كانون الثاني، والثاني في مايو/أيار بعد اختتام جلسات جمعية الصحة العالمية.
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية
المدير العام أعلى منصب تقني وإداري في منظمة الصحة العالمية، يُرشّحه المجلس التنفيذي، ويتم تعيينه رسميا من قبل جمعية الصحة العالمية عن طريق الاقتراع السري، ويتولى فيها قيادة عملياتها الإستراتيجية والإشراف على تنفيذ سياساتها وبرامجها العالمية، وتستمر ولايته 5 سنوات، ويمكن إعادة تعيينه لولاية ثانية مرة واحدة فقط بالمدة ذاتها.
يساعد المدير العام في أداء مهامه عدد من كبار المسؤولين، من بينهم نائب المدير العام ومجموعة من المساعدين المتخصصين، يتولى كل منهم الإشراف على ملفات محددة منها صحة الأسرة والمرأة والطفل، أو نُظم الصحة العامة والابتكار الصحي.
تولّى منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عدد من الشخصيات البارزة من بينهم:
بروك تشيشولم من كندا، وكان أول مدير عام للمنظمة، وشغل هذا المنصب من عام 1948 وحتى 1953.
غرو هارلم برونتلاند من النرويج، وهي طبيبة ورئيسة وزراء سابقة، قادت المنظمة في الفترة من 1998 إلى 2003.
لي جونغ-ووك من كوريا الجنوبية، تولى المنصب من 2003 حتى وفاته عام 2006.
مارغريت تشان من الصين، وقد أدارت المنظمة بين 2007 و2017.
تيدروس أدهانوم غيبريسوس من إثيوبيا، شغل المنصب منذ عام 2017، وهو أول أفريقي يتولى هذا الدور، وقاد المنظمة أثناء أزمة جائحة كورونا (كوفيد-19). وفي يناير/كانون الثاني 2022، رشّح المجلس التنفيذي تيدروس لولاية ثانية في دورته الـ150.
المهام والاختصاصات
تستند مهام منظمة الصحة العالمية إلى اختصاصات تولتها منظمات دولية سابقة، أبرزها منظمة الصحة لعصبة الأمم التي تأسست عام 1923، والمكتب الدولي للصحة العامة الذي تأسس عام 1907، وقد شملت هذه المهام مواجهة الأوبئة وتنظيم إجراءات الحجر وتطوير معايير موحدة للأدوية.
وتحرص المنظمة على مراجعة أولوياتها القيادية بشكل دوري لمواكبة التحديات الصحية المتجددة. ففي الفترة ما بين 2014 و2019، تركزت جهودها على المحاور التالية:
دعم الدول في تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
تعزيز قدرات الدول الأعضاء للامتثال للوائح الصحية الدولية.
توسيع الوصول إلى الأدوية الأساسية عالية الجودة وبأسعار مقبولة.
معالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المؤثرة على الصحة العامة
تنسيق الاستجابات للأمراض غير المعدية.
تعزيز الصحة العامة والرفاه بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
أصبحت المنظمة مرجعا عالميا للمعلومات الصحية والوبائية، إذ تنشر بانتظام تقارير تحليلية، وإحاطات إعلامية، وتوصيات فنية موجهة لصناع السياسات والسلطات الوطنية والمختصين في القطاع الصحي، إضافة إلى توفير إرشادات عملية محدثة للجمهور العام، ومتابعة التطورات في البحوث العلمية الجارية حول العالم.
محطات
في عام 1978 أعلنت المنظمة أن هدفها المركزي هو تحقيق “الصحة للجميع”، وهو ما ترجمته عمليا بإطلاق مبادرات تاريخية، أبرزها استئصال مرض الجدري، الذي أُعلن القضاء عليه نهائيا عام 1980 بعد تنسيق دولي استمر 12 عاما.
كما أطلقت المنظمة عام 1988 “المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال”، والتي أدت إلى خفض الإصابات بنسبة 99% عالميا، واعتُبرت أحد أنجح نماذج التعاون الصحي الدولي.
وفي إطار جهودها المستمرة لمكافحة الأمراض، اعتمدت المنظمة في عام 2003 “الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ”، وتبنت لاحقا في عام 2004 إستراتيجية عالمية لتحسين النظم الغذائية والنشاط البدني والصحي، لمواجهة الأمراض غير السارية.
وقادت المنظمة حملات صحية واسعة للحد من الأمراض المعدية تضمنت:
دعم برامج التطعيم الوطنية.
التوعية بشأن الاستخدام الآمن للمضادات الحيوية والمبيدات.
تحسين البنية التحتية للمختبرات والمرافق الطبية.
الإسهام في توفير مياه الشرب النظيفة وأنظمة الصرف الصحي.
نشر التعليم الصحي في المجتمعات النائية والريفية.
وقد كان لهذه الجهود دور محوري في السيطرة على أمراض مثل داء فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) والسل والملاريا، وأثبتت المنظمة قدرتها على التنسيق والاستجابة الفاعلة في فترات الأزمات الصحية.
وفي مارس/آذار 2020، أعلنت المنظمة أن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019، قد وصل إلى مستوى جائحة عالمية، وحينها بدأت مرحلة جديدة من تنسيق الاستجابات الصحية الطارئة عالميا.
أزمة المنظمة مع الولايات المتحدة
شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الصحة العالمية توترا حادا أثناء جائحة كورونا، بلغت ذروتها عام 2020. ففي خضم تصاعد الإصابات والوفيات داخل بلاده، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهامات مباشرة للمنظمة بالتواطؤ مع الصين، متهما إياها بالتقاعس عن كشف خطورة الفيروس في مراحله المبكرة.
وعلى إثر ذلك أعلن في يوليو/تموز 2020 انسحاب بلاده رسميا من المنظمة، على أن يسري القرار اعتبارا من يوليو/تموز 2021.
غير أن هذا القرار لم يُستكمل، إذ ما إن تولى الرئيس جو بايدن مهامه في يناير/كانون الثاني 2021، حتى ألغى قرار الانسحاب، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بدعم منظمة الصحة العالمية، سواء على مستوى التمويل أو التعاون السياسي، ومعلنًا عودة بلاده إلى العمل متعدد الأطراف في المجال الصحي العالمي.
لكن هذا الملف تصدر مجددا في يناير/كانون الثاني 2025 تزامنا مع عودة ترامب للبيت الأبيض، وقد وقع مرسوما نص على سحب بلاده من المنظمة، مبررا قراره بما وصفه بـ”سوء إدارة المنظمة لأزمة كورونا وغيرها من القضايا الصحية العالمية”.
انسحاب الأرجنتين
في فبراير/شباط 2025، أعلنت الرئاسة الأرجنتينية أن الرئيس خافيير ميلي قرر انسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية، مبررة القرار بوجود “خلافات عميقة بشأن إدارة القضايا الصحية” و”التأثير السياسي لبعض الدول”.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة، مانويل أدورني، أن الانسحاب جاء نتيجة تحفظات متراكمة، أبرزها ما وصفه بـ”أطول فترة حجر صحي في التاريخ”، التي فرضت أثناء جائحة كورونا تحت إدارة حكومة الرئيس السابق ألبرتو فرنانديز (2019–2023).
كما أشار إلى “غياب الاستقلالية” داخل المنظمة، في ظل ما اعتبره “تأثيرا سياسيا مفرطا من بعض الدول النافذة”.