بيروتوكالات الإشتباكات الفرديّة ليست بجديدة على مخيّم «عين الحلوة»، والصراعات الداخليّة وأجواء التوتّر والإحتقان ليست بجديدة أيضاً، لكنّ الإتجاه التصاعدي العام للأوضاع في أكبر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين اللبنانيّين غير مُطمئن على الإطلاق، إلى درجة أنّ التخوّف من إنفجار الوضع الأمني في المخيّم صار حالياً أعلى من أيّ وقت مضى، على الرغم من التطمينات ومن محاولات التهدئة الحثيثة. فما هي الأسباب التي أدّت إلى هذا الإستنتاج؟
بحسب مصادر فلسطينيّة مُطلعة، إنّ الوضع الدقيق داخل المخيّم يعود إلى جملة من الأسباب المُجتمعة، منها أمني – سياسي ومنها إقتصادي – إجتماعي.
وأوضحت أنّ قرار منظّمة «الأونروا» الدَوليّة تقليص حجم المساعدات للفلسطينيّين الموجودين في لبنان خطير جداً، شأنه شأن قرار وقف المساعدات عن الفلسطينيّين المُهجّرين من سوريا، نزل كالصاعقة على رؤوس وجهاء ومسؤولي المخيّم في الأيّام القليلة الماضية، حيث أنّ التخوّف الأكبر يتمثّل في أن تكون النتيجة إنحراف المزيد من الشبّان نحو الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة والمُتطرّفة والتي هي الأفضل تمويلاً بين مختلف التنظيمات الفلسطينيّة. وأضافت هذه المصادر إلى أنّه، وإلى جانب الأسباب المعيشيّة، يتأتّى الخطر من التحوّل الكبير الذي لحق بالمخيّم من ناحية التوجّه السياسي العام، وتلقائياً من الناحية الأمنيّة.
وفي هذا السياق، أوضحت هذه المصادر الفلسطينيّة المُطلعة أنّه جرى في الأيّام القليلة الماضية رصد تحرّكات ميدانيّة مُتزايدة للقوى الإسلاميّة «الجهاديّة»، لجهة وتيرة الإجتماعات السياسيّة وحركة المُسلّحين على الأرض، مع تسجيل أكثر من ظهور مُسلّح علني في أكثر من مكان.
وأضافت أنّه في السابق كان مخيّم «عين الحلوة» مقسوماً بين جماعة حركة «فتح» وجماعة حركة «حماس» إضافة إلى بعض التنظيمات الإسلاميّة المحدودة عدد المناصرين والإنتشار الجغرافي، وفي طليعتها «عصبة الأنصار».
أمّا اليوم، فالمناخ السلفي الجهادي هو المُسيطر، من دون أن يكون لعصبة الأنصار الكلمة الفصل، ومن دون أن يكون لحركة فتح القُدرة على ضبط الوضع وفرض الإستقرار، كما في السابق. وتابعت أنّه من ضمن التغييرات الأساسيّة تحوّل أحياء وأزقّة المخيّم إلى مُربّعات أمنيّة صغيرة وشبه مفصولة عن بعضها من ناحية السيطرة الأمنيّة، نتيجة تمدّد النفوذ الإسلامي من خلال السيطرة على الجوامع، وتجنيد المزيد من الشبّان، وتأمين بيئة حاضنة في كل حيّ.
وبحسب المصادر الفلسطينيّة نفسها، إنّ محاولات تجنيد مُقاتلين جُدد لصالح الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة في تصاعد مُستمرّ، حيث بلغت في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية وتيرة مُرتفعة جداً، بالتزامن مع محاولات تجميع أكبر عدد من هذه الفصائل تحت جناح واحد وقيادة واحدة.
وأضافت أنّه يمكن اليوم الحديث عن تجمّع العديد من الجماعات الإسلاميّة المُسلّحة (مثل «جند الشام» و«فتح الإسلام» وغيرها) تحت إسم «الشباب المُسلم» بقيادة الشيخ أسامة الشهابي الذي له علاقات خارجيّة مع تنظيمات جهاديّة عدّة، ومنها تنظيم «القاعدة».
والبعض من مسؤولي هذا التنظيم الإسلامي الناشئ على علاقة بتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة». وتُقدّر قوّة هذه القوى الإسلاميّة المُجتمعة تحت سقف واحد بما لا يقلّ عن ألف مُقاتل، بعضهم جرى تجنيدهم حديثاً. ومع إزدياد قوّة التنظيمات الإسلاميّة المُتشدّدة، توسّع إنتشار هذه الجماعات من حيّ الطوارئ – التعمير إلى نحو نصف مساحة المخيّم، ولوّ عبر مُربّعات مُستقلة بعضها عن بعض، وذلك بفعل الإستفادة من بيئة حاضنة نمت بموازاة الصراع السياسي – المذهبي في المنطقة وبنتيجة توافد العديد من اللاجئين الفلسطينيّين من مخيّمات سوريا إلى مخيّم عين الحلوة. ومن المناطق التي صارت خاضعة لسيطرة الإسلاميّين حديثاً حيّ حطين وحيّ المنشيّة. والمُفارقة أنّ بعض التنظيمات الإسلاميّة الأصولية، على غرار «عصبة الأنصار» مثلاً، صارت تبدو شبه مُعتدلة أمام التشدّد الكبير لبعض التنظيمات الإسلاميّة الناشئة! ومن بين هذه الأخيرة «الحركة الإسلاميّة المُجاهدة» السلفيّة، بقيادة الشيخ جمال خطاب الذي يُعتبر «أميرها».
وأضافت المصادر الفلسطينيّة المُطلعة أنّه في المقابل، تتوزّع قوى أخرى مُصنّفة مُعتدلة فعلياً السيطرة على باقي أنحاء المخيّم، ومنها «الأمن الوطني الفلسطيني – فتح» بقيادة «اللواء» صبحي أبو عرب، والمجموعات التابعة لأمرة «العميد» محمود عيسى (ملقّب بإسم «اللينو») المفصول عن حركة «فتح – رام الله».
ومن الملاحظ أنّه لا وجود للجماعات الفلسطينيّة التي كانت مُوالية في السابق للنظام السوري، على غرار «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين» و«القيادة العامة» و«الجبهة الديمقراطيّة»، إلخ.
ولفتت المصادر الفلسطينيّة نفسها، إلى أنّ الإشتباكات الأخيرة بين «فتح» وتنظيم «الشباب المُسلم» أظهرت مدى التحوّل في النفوذ الإسلامي داخل المخيّم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تكاثر عمليّات الإغتيال والتصفية الفرديّة، بالتزامن مع تراجع دور «اللجنة الأمنيّة» المُشتركة، بسبب إنقسامات داخليّة، حيث أنّ الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة فيها ترفض التدخّل.
وقالت إنّ خطورة الأوضاع، والمعلومات التي تتحدّث عن إستعدادات متواصلة للتنظيمات الإسلاميّة، من تجنيد وتدريب وتسلّح، في إنتظار «ساعة الصفر» للتوسّع والسيطرة على مخيّم «عين الحلوة» دفعت برئيس مكتب الشؤون السياسيّة لحركة حماس، القيادي موسى أبو مرزوق، إلى بيروت أخيراً لبحث الموضوع الفلسطيني بشكل عام، وفي مخيّم «عين الحلوة» بالتحديد، حيث عقد أكثر من إجتماع خُصّص لبحث سُبل مواجهة هذا المنحى وإفشاله، نظراً إلى عواقبه الوخيمة على مختلف الأطراف. وفي السياق عينه، برزت في الساعات الماضية، سلسلة الإجتماعات التي عقدها كلّ من «سفير» فلسطين في لبنان أشرف دبور، وأمين سرّ حركة «فتح» وفصائل «منظّمة التحرير الفلسطينيّة» فتحي ابو العردات في صيدا، في محاولة لمعالجة الثغرات.
في الختام، وبحسب مصادر سياسيّة لبنانيّة اللافت أنّه لطالما كان للمُخبرين السِرّيين في مخيّم «عين الحلوة» دور في إطلاع السلطات اللبنانيّة على الأوضاع فيه، وعلى توازنات القوى وأماكن إنتشارها، وكذلك على أماكن إختباء المَطلوبين من القضاء اللبناني.
وأضافت أنّ كل تقارير هؤلاء للأجهزة الأمنيّة تتحدّث باستمرار عن تنامي ظاهرة التطرّف الإسلامي بشكل تصاعدي بدأ يُهدّد أمن المخيّم بكامله. وقالت إنّ التخوّف كبير، لأنّ الخطر يتهدّد أكثر من مئة ألف لاجئ، من ضمنهم آلاف اللاجئين الذين توافدوا من المخيّمات الفلسطينيّة في سوريا، محصورين في بقعة جغرافية ضيّقة جداً لا تتجاوز الكيلومتر المربّع الواحد.
وبالتالي، إنّ أيّ محاولة من جانب الفصائل الفلسطينيّة الإسلاميّة المُتشدّدة لبسط سيطرتها بالقوّة العسكريّة على المخيّم، يعني حُكماً وقوع مجازر بحقّ سُكّان المخيّم والمنطقة المحيطة به، لأنّه لا مجال لأن تقوم حركة «فتح» وباقي الفصائل غير الإسلاميّة، بتسليم أسلحتها ومناطق نفوذها، بل أنّها ستقف بكل ما أوتيت من قوّة ضدّ محاولات جرّ «عين الحلوة» إلى ما لا تُحمد عقباه.
ومن جهة أخرى، من الصعب على السلطة اللبنانيّة التفرّج على تحوّل أمني خطير قد يبدأ في المخيّم الصيداوي ثم قد يمتدّ إلى مُختلف المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، وقد يكون بمثابة «الضوء الأخضر» لتحرّك مختلف «الخلايا النائمة» في البلاد.
عن الديار اللبنانية