منذ 2020 رفعنا درجة الطوارئ فى مواجهة كورونا، ومنذ سنتين رفعنا الطوارئ نفسها، والآن يحتفل العالم بهذه المناسبة بعد رعب استمر معنا ثلاث سنوات. فى الأيام الأولى من مايو 2023 أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) انتهاء حالة الطوارئ الصحية العالمية المرتبطة بـCOVID-19، بعد أكثر من 3 سنوات من إعلانها فى يناير 2020. العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة، أوروبا، ومصر، رفعت بعدها الإجراءات الاستثنائية مثل فرض الكمامات أو قيود السفر، كانت الدروس المستفادة من قرار رفع الطوارئ هى:
1- العلم قادر على تطويق الأزمات وليس القضاء التام عليها، لم ينتهِ فيروس كورونا نهائياً، لكنه أصبح تحت السيطرة بفضل التطعيمات وتراكم المناعة المجتمعية، هذا يؤكد أن هدف العلم الواقعى هو «إدارة المخاطر» لا «القضاء الكامل».
2- مفهوم «الطوارئ» لا يعنى أن الخطر زال، ورفع الطوارئ لا يعنى اختفاء الفيروس، بل فقط أن خطره لم يعد يهدد النظام الصحى العالمى بشكل استثنائى، كورونا مستمر كمرض تنفسى موسمى مثل الإنفلونزا.
3- أهمية بناء أنظمة صحية مرنة للمستقبل، رفع الطوارئ أعاد التركيز على ضرورة أن تكون الأنظمة الصحية مستعدة للأوبئة القادمة، وليس فقط الاستجابة للحالية.
4- الخروج من الجائحة كشف الفجوات، بعد رفع الطوارئ بدأت دول كثيرة فى تقييم الأضرار الاقتصادية، النفسية، والتعليمية التى خلفتها الجائحة، هذا أبرز أهمية التوازن بين الصحة والاقتصاد عند التعامل مع كوارث مستقبلية.
5- الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات سيكونان أساسيين، أحد المكاسب المهمة كان استخدام الذكاء الاصطناعى والنماذج الإحصائية فى تتبُّع الفيروس والتنبؤ بتطوره. هذا سيتوسع أكثر فى الطوارئ القادمة.
لكن أزمة كورونا (COVID-19) كشفت عن عدد كبير من الدروس المهمة الأخرى حول العلاقة بين العلم والمجتمع، والسياسة، والاقتصاد، وأهم تلك الدروس المستفادة كان: أهمية الاستثمار فى البحث العلمى، فالأوبئة لا تنتظر، والعلم وحده هو الأداة الأقوى لفهمها والتصدى لها، والتأكيد على أن الدول التى كانت تستثمر مسبقاً فى أبحاث الفيروسات (مثل mRNA) كانت الأقدر على تطوير لقاحات بسرعة (مثل لقاح فايزر وموديرنا).
الثقة بالعلماء والعلم المنهجى ضرورة، المجتمعات التى وثقت بتوصيات العلماء (مثل ارتداء الكمامات، التباعد، التطعيم) تعاملت مع الجائحة بشكل أفضل، فى المقابل أدى انتشار المعلومات الخاطئة والتشكيك فى العلم إلى ارتفاع الإصابات والوفيات فى بعض البلدان.
العلم لا يعطى يقيناً فورياً، فتطور الفهم العلمى للفيروس كان تدريجياً (كم من الوقت يعيش على الأسطح؟ هل ينتقل بالهواء؟…)، هذا أبرز للناس أن العلم يعمل بالتجربة والخطأ، وأن «تغيير التوصيات» ليس تخبطاً بل جزء من المنهج العلمى.
الترابط بين الصحة العامة والسياسات، القرارات السياسية (الإغلاق، التلقيح، دعم المستشفيات) يجب أن تستند إلى البيانات العلمية، الجائحة أثبتت أن تجاهل العلم فى السياسات له عواقب وخيمة.
العدالة فى توزيع اللقاحات والتكنولوجيا، ظهرت فجوة ضخمة بين الدول الغنية والفقيرة فى الحصول على اللقاحات والرعاية، وهذا درس مهم حول الحاجة لإصلاح أنظمة التعاون الدولى فى أوقات الأزمات.
أهمية الشفافية والتواصل العلمى، العلماء الذين شرحوا الأمور بلغة بسيطة وبشفافية ساهموا فى تهدئة الذعر وبناء الثقة.
الإعلام العلمى أصبح ضرورة وليس رفاهية، العلم وحده لا يكفى، ولا يكفى أن يتقوقع العالم فى معمله، إلى جانب العلم نحتاج إلى الثقافة العلمية، والإرادة السياسية، والتضامن المجتمعى، لا فائدة من اكتشاف علمى دون تطبيقه أو قبوله من الناس.