إعداد – د. هناء بنت راشد الشبلي:
تُعتبر الجوائز التشكيلية من اللبنات الأساسية التي تُعزز من الثقافة والفنون في المجتمعات، حيث تتجاوز تأثيراتها حدود التكريم الفردي لتصبح شعلة تنير الطريق أمام الإبداع والفكر. في عالم تعج فيه الأفكار والمواهب، تظهر الجوائز كوسيلة فعالة لتسليط الضوء على الأعمال الفنية التي تعكس تجارب إنسانية عميقة وتطرح قضايا اجتماعية وثقافية هامة. إن هذه الجوائز لا تقتصر على تكريم الفنانين فحسب، بل تُعبر عن اعتراف المجتمع بأهمية الفن كوسيلة للتواصل والتفكير النقدي، وعندما تُمنح الجوائز التشكيلية، فإنها تخلق مساحة للتنافس الإبداعي، مما يُحفز الفنانين على تقديم أعمالهم بأعلى مستوى من الجودة، كما تُسهم هذه الجوائز في تعزيز الوعي الثقافي من خلال تسليط الضوء على الأعمال التي تعكس مواضيع خاصة، مما يُساهم في توسيع آفاق الجمهور ويُعزز من فهمهم للأبعاد المختلفة للفن.
وقد قٌدمت على مدى سنوات ماضية جوائز سعودية متنوعة للفنان التشكيلي منها على سبيل المثال: جائزة «السفير»، «جائزة باحة للفنون التشكيلية»، «مسابقة ملون السعودية»، «جائزة ضياء عزيز ضياء» ، «جائزة رضوي فن»، «جائزة إثراء للفنون»، «الجائزة الثقافية الوطنية- مجال الفنون»، «جائزة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن- مجال الفنون»، وآخرها أقيمت جائزة « كلمات البدر وعدسة الفيصل»، حيث تُعتبر هذه الجائزة تجسيدًا لروح الوفاء والإبداع وتحمل في طياتها معاني عميقة لتخليد الذكرى كونها تأتي في سياق تكريم الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، رحمه الله، الذي كان له تأثير كبير وعميق على نفوس الفنانين والمثقفين، من قبل رفيقه المقرب صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله آل سعود – حفظه الله- الذي يُعتبر رمزًا للفن والتصوير الفوتوغرافي، وله مسيرة طويلة في الحفاظ على الفنون ونشرها من خلال معارض ذات معايير عالمية، وقد قدم هذه الجائزة كمبادرة للوفاء والمحبة للبدر ودعما للفنانين التشكيليين السعوديين.
وساهمت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية «جسفت» باستقبال الجائزة ومراحل تحكيم جوائزها وتنظيم المعرض التشكيلي لها، فمن خلال هذه الجائزة عبر الفنانون عن مشاعرهم وتجاربهم الشخصية وتشجعوا على تقديم لوحات فنية تعكس رؤاهم بأسلوب فني يُبرز تأثيرات الأمير البدر وإرثه الثقافي عليها، مما يسهم في بناء جسور بين الفنانين والمجتمع من خلال التفاعل مع اللوحات الفنية المعروضة بالمعرض التشكيلي وفهم الرسائل التي تحملها بين مفرداتها، مما يُعزز من الحوار الثقافي ويُقوي الروابط الاجتماعية، ويعزز النقاشات حول الموضوعات الحيوية ويسلط الضوء على إبداعات الفنانين.
كما أن تأثير الجوائز التشكيلية على الفنان التشكيلي له تأثير مباشر وإيجابي حيث تعتبر حافزًا قويًا لهم، وتدفعهم نحو الابتكار والإبداع، فعندما يعرف الفنان أن أعماله مُراقبة وأن هناك تقديرًا مُحتملًا لجهوده، فإنه يتحفز لتقديم أفضل ما لديه، ويُعد هذا التنافس الإيجابي وسيلة لتحفيزهم على استكشاف تقنيات جديدة وأساليب تعبيرية مبتكرة، وبالتالي ستُعزز الجوائز من التجربة الفنية وتُثري المشهد الإبداعي.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تلعب الجوائز التشكيلية دورًا محوريًا في بناء الروابط بين الفنانين والمجتمع. تُعطي الجوائز الفرصة للفنانين للتواصل مع جمهورهم، مما يُعزز من الحوار الثقافي البناء.
ومن الناحية الاقتصادية، تُعتبر الجوائز التشكيلية من العوامل المحفزة لزيادة الطلب على الأعمال الفنية، فعندما يحصل فنان على جائزة، تزداد قيمة أعماله، مما يفتح أمامه أبوابًا جديدة للبيع والتسويق، وتساهم في خلق فرص تعاون جديدة مع المؤسسات الفنية والمعارض، مما يُساعد في تحقيق استدامة مالية أكبر للفنان.
إن توفر الدعم المالي يُعزز من قدرة الفنانين على الاستمرار في إنتاج أعمالهم ويساهم في ازدهار السوق الفني، ومن جانب آخر قد تؤثر الجوائز تأثيرا سلبيا على الفنان الذي لم يفز بالجائزة وتسبب له شعورا بالإحباط أو انخفاض الثقة بالنفس.
في ختام هذه التأملات.. نؤكد دور الداعمين مالياً واجتماعيا وإعلاميا لهذه الجوائز كونها من أهم العوامل الأساسية في تعزيز الثقافة والفنون. فبدون الدعم المالي قد تواجه هذه الجوائز تحديات كبيرة في الاستمرار والنمو، حيث يُسهم الداعمون في توفير المنصات التي تُظهر الإبداع وتدعم الفنانين، مما يُعزز من المشهد الثقافي ويُساهم في بناء مجتمع أكثر إبداعًا ووعيًا.
إن الاستثمار في الجوائز التشكيلية لا يُعد مجرد دعم مالي، بل هو استثمار في المستقبل الثقافي للمجتمع، كون الفنون أحد أهم أعمدة الحضارة الإنسانية، فالجوائز التشكيلية هي أكثر من مجرد تكريم؛ إنها تعبير عن تقدير المجتمع للفن واعتراف بأهمية الإبداع في تشكيل الهوية الثقافية. لذا، يجب أن يستمر الدعم المالي لهذه الجوائز، لتعزيز روح الإبداع والمساهمة في بناء مجتمع متفاعل ومُزدهر.