قصفت إيران مساء أمس، قواعد أميركية في قطر والعراق، ردا على الهجمات الأمريكية التي استهدفت المواقع النووية الإيرانية قبل يومين. وقال التلفزيون الإيراني إن القوات المسلحة بدأت “ردا قويا على العدوان الأميركي”، ضمن عملية أطلقت عليها اسم “بشائر الفتح”. وأضاف أن الرد بدأ باستهداف قاعدة “العديد” الأميركية في قطر وقواعد أميركية في العراق. ونقل موقع أكسيوس عن مصادر أميركية أن إيران أطلقت 6 صواريخ نحو قاعدة العديد. من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع القطرية أن “الدفاعات الجوية القطرية اعترضت هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية”. وقالت: “بفضل الله ويقظة القوات المسلحة والإجراءات الاحترازية لم ينتج عن الحادث أي وفيات أو إصابات”. وأكدت الوزارة أن أجواء وأراضي دولة قطر آمنة وأن القوات المسلحة القطرية على أهبة الاستعداد دائما. وكردة فعل أولية أقدمت دولة الإمارات العربية المتحدة على غلق أجوائها.
عماد الدين بن جامع/ وكالات
هل سيكون “مضيق هرمز” الهدف المقبل للرد الإيراني؟
سبق هذه الخطوة الكبيرة التي أقدمت فيها إيران على قصف قواعد أمريكية في المنطقة، خطوة أخرى قد تكون سببا في إشعال فتيل أزمة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث وافق البرلمان الإيراني، أول أمس الأحد، على مقترح يُجيز إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية العالمية لتجارة النفط، وذلك في رد رمزي مباشر على الضربات الأميركية الأخيرة التي استهدفت ثلاثة مواقع نووية داخل الأراضي الإيرانية. وتنتظر هذه الخطوة الحساسة مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لتدخل حيّز التنفيذ، في ظل هذا التوتر المتصاعد، تبقى التساؤلات مطروحة بقوة: هل تغلق إيران فعلاً مضيق هرمز؟ وما مدى استعداد واشنطن للرد؟ هل يشكل هذا القرار بداية مواجهة بحرية؟ أم تُستخدم الورقة كورقة ضغط سياسية؟ وما هو مؤكد أن إغلاق المضيق لن يكون مجرد رد عابر، بل تصعيدًا استراتيجيًا يمسّ مصالح اقتصادية عالمية ويختبر حدود الصبر الدولي، وسط بيئة إقليمية مشبعة بالتصعيد والغموض.
يأتي هذا القرار بينما تشهد المنطقة توتراً متصاعداً بين طهران وواشنطن، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة نيتها “تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم”، وفقًا لنائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، الذي أكد في تصريحات رسمية أن واشنطن لا تسعى لتغيير النظام، لكنها “لن تسمح بامتلاك إيران لقدرات نووية تهدد أمن العالم”.
الحرب تهدد شريان الطاقة العالمي
يمر عبر مضيق هرمز نحو خُمس استهلاك العالم من النفط، أي ما يقارب 17 إلى 20 مليون برميل يوميًا، بحسب بيانات شركة “فورتيكسا”، إضافة إلى صادرات الغاز الطبيعي المُسال من قطر، ما يجعله نقطة استراتيجية لا يمكن تعويضها في شبكة الطاقة العالمية.
ورغم التهديدات المتكررة من الجانب الإيراني خلال السنوات الماضية بإغلاق المضيق، فإنها المرة الأولى التي يحظى فيها مثل هذا الإجراء بموافقة رسمية من البرلمان، ما يعكس تغيّرًا نوعيًا في الاستراتيجية الإيرانية.
ردود فعل دولية وتحذيرات غربية
ردود الأفعال الدولية لم تتأخر، إذ حذر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي من أن إغلاق المضيق سيكون “قراراً خاطئاً”، معتبرًا أن العالم “يقف على حافة الخطر”. كما وصفت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس الخطوة بأنها “بالغة الخطورة” وستؤدي إلى نتائج غير مرغوبة على الجميع.
من جانبها، أعلنت شركة “ميرسك” العالمية للشحن البحري أنها لا تزال تبحر عبر المضيق، لكنها “تراقب الوضع عن كثب”، ولم تستبعد تعديل مساراتها البحرية إذا ساءت الأوضاع.
إيران: لا مفاوضات.. والرد قادم
في تصريحات لافتة، اتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الولايات المتحدة بـ”خيانة الدبلوماسية”، مؤكدًا أن طهران كانت منخرطة في محادثات سرية مع واشنطن والأوروبيين قبل الضربة الأخيرة بساعات. وشدد على أن “إيران تحتفظ بحقها في الدفاع عن شعبها بكل الوسائل الممكنة”، مضيفًا أن بلاده تنظر إلى الهجوم الأميركي على أنه “خرق للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”. وفي الوقت ذاته، عاد الحديث عن انسحاب إيران المحتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو ما من شأنه أن يفاقم عزلة طهران على الساحة الدولية ويُعقّد جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة برنامجها النووي.
البرنامج النووي الإيراني تحت الضربات.. لكن لم يُدمّر
رغم الضربات الأميركية التي طالت منشآت نووية من بينها “فوردو”، تؤكد التقارير أن البرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر بالكامل. فقد أشارت صور الأقمار الصناعية إلى أضرار محصورة في محيط المداخل، في حين كشف مصدر إيراني أن أغلب اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تم نقله إلى موقع سري قبل الهجوم.
ويقول المحلل السياسي محمد صالح صدقيان إن “إيران تُعدّ لردّ مدروس قد لا يكون مباشراً”، مضيفاً أن طهران توازن بين الرد العسكري وبين الحفاظ على علاقاتها الإقليمية، خصوصاً مع دول الخليج.
السيناريوهات المحتملة.. رد مباشر أم تصعيد مدروس؟
حتى الآن، لم تُصدر إيران قرارًا نهائيًا بإغلاق المضيق أو تنفيذ رد عسكري مباشر، لكن قائدًا بارزًا في الحرس الثوري، النائب إسماعيل كوثري، أكد أن “الخيار مطروح على الطاولة، وسيتخذ القرار إذا اقتضى الأمر”. وتضع طهران نفسها أمام خيارات متعددة، تتراوح بين عمليات عسكرية دقيقة ضد المصالح الأميركية في المنطقة، أو اعتماد أسلوب “تلغيم المضيق” وتعطيل الملاحة البحرية بشكل غير مباشر، وهي خطوات قد تدفع بالمنطقة إلى مواجهة بحرية شاملة.
////////////////////
المحلل الاقتصادي، الدكتور جمال الدين نوفل شرياف لـ”أخبار الوطن”:
“إغلاق مضيق هرمز سيشعل أسعار النفط ويفاقم الهشاشة الاقتصادية العالمية”
نبّه الدكتور شرياف جمال الدين نوفل، المحلل الاقتصادي وفي ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة في منطقة الخليج العربي إلى الأهمية البالغة التي يكتسيها مضيق هرمز باعتباره شريانًا استراتيجيًا لنقل الطاقة على مستوى العالم، حيث تمر من خلاله نسبة تفوق 20% من إجمالي إنتاج النفط العالمي، بمعدل يراوح بين 18 إلى 20 مليون برميل يوميًا، إلى جانب كميات ضخمة من الغاز الطبيعي. وأشار الدكتور نوفل إلى أن الدول المنتجة في منطقة الخليج مثل العراق، الكويت، السعودية وقطر، تعتمد بشكل شبه كلي على هذا المعبر البحري لتصدير مواردها الطاقوية نحو الأسواق الرئيسية، خاصة الأسواق الآسيوية الكبرى كالصين، الهند، اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك نحو بعض الدول الأوروبية. ومن هذا المنطلق، فإن أي تهديد بإغلاق المضيق، سواء كان بفعل تصعيد عسكري أو سياسي، ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط على أسعار الطاقة، وإنما على الاقتصاد العالمي برمته. وقال نوفل: “لا نتحدث هنا عن مجرد احتمالات، بل عن حتمية اقتصادية، فإغلاق مضيق هرمز، حتى لفترة قصيرة، سيؤدي إلى اهتزازات حادة في أسواق النفط وارتفاع كبير في الأسعار، يُضاف إليه تضخم تكاليف النقل البحري والتأمين، مما يُربك سلاسل الإمداد ويزيد من الأعباء على الدول المستوردة للطاقة.” وأضاف: “رأينا في الأيام القليلة الماضية كيف أدت مجرد تصريحات تتعلق بإمكانية إغلاق المضيق إلى ارتفاع محسوس في أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما يعكس هشاشة الوضع ومدى ترابط السوق العالمية بالطاقة الخليجية”، كما أوضح الدكتور نوفل أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لطالما اعتبرت مضيق هرمز ورقة تفاوض وضغط بيدها، حيث تنظر إليه كـ”مياه داخلية”، على خلاف ما ينص عليه اتفاق قانون البحار لعام 1982، وهو ما يمنح طهران، بحسب رؤيتها، صلاحية التأثير وربما التحكم في حركة السفن العابرة للمضيق. “إيران أثبتت عبر العقود الماضية أنها مستعدة للذهاب بعيدًا في استخدام أدوات الضغط الاستراتيجية، بما في ذلك ورقة مضيق هرمز. وفي ظل التوترات الإقليمية والعقوبات المتزايدة، فإن غلق المضيق لم يعد سيناريو مستبعدًا، بل خيارًا مطروحًا بقوة في حال تفاقمت الأزمة الجيوسياسية.” وفي هذا السياق، يُبرز الدكتور نوفل أن أي مواجهة محتملة ستؤثر سلبًا ليس فقط على الدول المنتجة للنفط التي تعتمد على صادراتها لتمويل ميزانياتها (اقتصادات ريعية)، بل أيضًا على الدول المستوردة التي تعاني أصلًا من ضغوط تضخمية ومعدلات نمو ضعيفة. وفيما يتعلق بالسوق الأوروبية، يرى الدكتور نوفل أن هذه الأزمة تُشكل فرصة استراتيجية لإعادة رسم خارطة إمدادات الطاقة، حيث قال: “السوق الأوروبية مدعوة اليوم لتسريع البدائل الطاقوية، مثل مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط نيجيريا بالنيجر ثم الجزائر، لما توفره الجزائر من استقرار أمني وسياسي يجعلها شريكًا موثوقًا لتأمين حاجات أوروبا من الغاز على المدى المتوسط والبعيد.”، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي مطالب بتحمل مسؤوليته في تمويل وتفعيل هذه المشاريع الإستراتيجية، بالنظر إلى التحديات الطاقوية الراهنة والتهديد المتواصل للأمن الطاقوي، خصوصًا في ظل تسجيل معدلات نمو اقتصادي ضعيفة تلامس الصفر في معظم دول الاتحاد موقف الولايات المتحدة: مستفيد غير مباشر كما أشار الدكتور نوفل إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تجد نفسها في موقع المستفيد غير المباشر من هذه الأزمة، حيث تمتلك احتياطات ضخمة من النفط تؤمّن لها درجة عالية من الاستقلال الطاقوي، ما يسمح لها بالمناورة في الأسواق دون تأثر كبير. ومع ذلك، يرى نوفل أن الضغط العالمي، بما فيه منظمات دولية وشبكات مصالح اقتصادية وتجارية كبرى، سيدفع واشنطن على الأرجح للعب دور تهدئة ومحاولة الحيلولة دون تفاقم الصراع واندلاع أزمة طاقوية عالمية جديدة. واختتم الدكتور شرياف جمال الدين نوفل تصريحه مؤكدًا أن مضيق هرمز سيظل ورقة استراتيجية مؤثرة في معادلات الطاقة والسياسة الدولية، وقد يُسهم في إعادة تشكيل ديناميكيات التفاوض والتحالفات الإقليمية والدولية. كما شدد على ضرورة أن تستثمر الجزائر هذه التطورات لتعزيز موقعها كلاعب طاقوي محوري، عبر دعم مشاريع الإمداد الطاقوي، وتفعيل شراكاتها الإقليمية والدولية، مستفيدة من استقرارها السياسي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.
عماد الدين بن جامع
////////////////////////
المحلل الاقتصادي هواري تيغرسي لـ”أخبار الوطن”:
“أزمة طاقة عالمية تلوح في الأفق بسبب مضيق هرمز”
حذّر المحلل الاقتصادي هواري تيغرسي، من تداعيات خطيرة على الأسواق العالمية في ظل التصعيد القائم في منطقة الخليج، مؤكدا أن الوضع يمثل إشكالية حقيقية سواء بالنسبة للأسواق العالمية أو للدول المستهلكة الكبرى، بل وحتى للعملة الأمريكية الدولار، في ظل تداعيات تمس الكيان الصهيوني، إيران، والأسواق المفتوحة عموما، لا سيما الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره قرابة 20 % من صادرات الطاقة العالمية من البترول، وحوالي 30 بالمائة من الغاز المسال.
وأوضح تيغرسي، أن هذا الممر البحري يشهد مشاكل كبيرة تنذر بأزمات خانقة في السوق العالمية، مع توقع نقص حاد في العرض وتأثير سلبي مباشر على أسعار النفط، مشيرا إلى أن سوق النفط العالمي يعيش تحت ضغط شديد، مع ارتفاع كبير للأسعار، حيث بلغ سعر البرميل حاليا حوالي 80 دولارا، مع إمكانية تسجيل زيادات تتراوح بين 10 إلى 15 بالمائة في الأيام المقبلة.
وأضاف المتحدث ذاته، أن ردود الفعل الدولية تجاه هذا التصعيد تعكس مخاوف جدية بشأن استمرارية تدفق الإمدادات القادمة من منطقة الخليج، حيث تعتمد دول كالسعودية، الإمارات، العراق، والكويت على مضيق هرمز لتصدير النفط الخام، وأي إغلاق فعلي له قد يؤدي إلى تعطيل ما بين 17 إلى 18 مليون برميل يوميا، ما يُحدث اختناقات كبيرة في سلاسل التوريد ونقصا حادا في المعروض، وبالتالي ارتفاعًا للأسعار قد يتجاوز 100 دولار للبرميل.
وفي السياق ذاته، لفت تيغرسي إلى أن الدول المستوردة ستكون الأكثر تضررا، وعلى رأسها الدول الآسيوية مثل الهند، الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، التي تعتمد بشكل خاص على النفط الخليجي، مضيفا أن الاقتصاديات الأوروبية بدورها ستواجه وضعا صعبا بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل.
وأشار الخبير، إلى أن هذا الممر الاستراتيجي سيخلق إشكالية متزايدة فيما يخص أسعار الشحن والتأمين البحري، حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التجارية وناقلات النفط، وزيادة المخاطر على حركة التجارة العالمية، ما سيؤثر سلبا على الإمدادات والأسواق والأسعار على حد سواء.
كما لفت، إلى أن القوات الأمريكية تعمل على تأمين الملاحة في المضيق، غير أن التحركات الحالية تسعى فقط لمحاولة ضبط الوضع مؤقتا وتعديل السوق بالاعتماد على المخزونات العالمية.
أما بخصوص السيناريوهات المحتملة، فقد اعتبر تيغرسي أن أخطرها هو الإغلاق الفعلي لمضيق هرمز، ودخول المنطقة في اشتباكات واسعة، ما سيقود إلى أزمة طاقة عالمية وانهيار اقتصادي واسع، بينما يتمثل السيناريو الثاني في تصعيد محدود مع تهديدات متبادلة دون إغلاق فعلي، لكنه سيتسبب في استمرار حالة عدم اليقين وارتفاع المخاوف، أما السيناريو الأقل احتمالا فهو تدخل دبلوماسي، غير أن هذا الخيار يبدو مستبعدا في ظل تعقيد الأوضاع.
وختم المحلل الاقتصادي تصريحه بالتأكيد على أن إشكالية الخليج، خاصة في ظل الصراع الإيراني الأمريكي، تبقى رهينة مصالح متداخلة، حيث تسعى القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى فرض توازن في السوق العالمية لخدمة مصالحها الخاصة، دون اعتبار حقيقي لمصلحة الشعوب في المنطقة.
حكيمة حاج علي