بيان مراكش/ الصديق أيت يدار
تشير مؤشرات كثيرة، متدفقة من جهات متعددة ومتسارعة بإيقاع متواتر، إلى تحولات جذرية يعرفها المجتمع حتى كاد يصاب بالتيه في زحمتها، وذلك بسبب تنوع مصادرها وتضارب مساراتها، غير أن تجاوز التشويش يستدعي من النخبة قراءة عميقة في نقاط تقاطع هذه المؤشرات.
لنبدأ أولا بالتحولات الاجتماعية، فهناك تراجع في حجم الأسر التقليدية وظهور أشكال أسرية حديثة، مثل الأسر النووية أو الأسر الممتدة بشكل مصغر، إضافة إلى ذلك التغيير الحاصل على مستوى الأدوار الاجتماعية للمرأة، حيث يشهد وضع المرأة تحولات كبيرة، من خلال مشاركتها المتزايدة في سوق العمل وحضورها النوعي في التعليم، وهي كلها أمور تؤثر على دورها في المجتمع.
ومن مؤشرات التغيير كذلك، الذي يعرفه المجتمع، خصوصا في السنوات الأخيرة، بسبب تداخل عوامل كثيرة، تزايد نسب الهجرة، سواء الداخلية أو الخارجية، بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى تغيرات في التركيبة السكانية للمدن والقرى.
أما على مستوى التحولات الاقتصادية، فيشهد المغرب تحولا نحو التمدن السريع، مما يطرح تحديات جديدة في مجالات الإسكان والبنية التحتية والنقل. كما يشهد الاقتصاد تحولا نحو قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والسياحة، مما يخلق فرص عمل جديدة تتطلب مهارات جديدة، لكن على الرغم من النمو الاقتصادي، لا تزال هناك فوارق اجتماعية واقتصادية كبيرة بين الطبقات والفئات المختلفة، مما يثير تحديات في مجال التنمية المستدامة.
كما يتعرض المجتمع، على المستوى الثقافي، لتأثيرات العولمة من خلال وسائل الإعلام والتكنولوجيا، مما يؤدي إلى تغير في القيم والعادات والتقاليد، والأصول والأعراف ؛ الأمر الذي ترتب عنه تغير في أنماط الاستهلاك ، حيث ظهر جيل جديد من المستهلكين يتبنى أنماط استهلاك جديدة تتأثر بالثقافات الأخرى.
وبالتالي، هذه التحولات لا تخلو من تحديات، وتتطلب إدارة فعالة لضمان التماسك الاجتماعي وعدم تفاقم الفجوات الاجتماعية، من خلال تطوير نظام التعليم لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، كما يجب أن تسعى السياسات العامة إلى تحقيق التنمية المستدامة التي تضمن تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
وبإمعان النظر في هذه التقاطعات ينتصب المجتمع أمامه بشكل ملحوظ ومتكرر، مكون في غاية الأهمية، إنه مكون النخبة. إذا في قلب هذه التحولات تبرز النخبة لا بوصفها طرفا هامشيا، بل كعنصر محوري يعيد إنتاج الواقع أو يمهد لتجاوزه، فكلما اقتربنا من القضايا المركزية التي تعصف بالمجتمع وترهن مصيره في الحاضر والمستقبل، إلا وتطل النخبة من خلفية الصورة بما لها من أدوار وما عليها من مسؤوليات.
الواقع الحالي يسائل النخبة، باعتبارها فئة تمارس تأثيرا غير اعتيادي في شؤون المجتمع، في هويتها ووظائفها وأدوارها، وكذلك موقفها في ما يعيشه المجتمع من تطورات وتحولات، فهذا الأخير يتغير ويتحول، أو بالأحرى هو في مرحلة تطور، وما يحدث حاليا يعتبر مرحلة انتقالية نحو محطة مغايرة، تتطلب من الجميع، دولة ومؤسسات وأحزاب سياسية ونقابات وهيئات مدنية وحقوقية، إلى غير ذلك من المؤسسات، أن يواكب المتغيرات الجديدة، التي يتقاطع فيها الوطني والإقليمي والدولي.
ومن المداخل المهمة لتأطير المتغيرات، التي يعرفها المجتمع على أكثر من صعيد، الحرص على أن تكون الانتخابات المقبلة في مستوى المرحلة، فعلى الأحزاب السياسية، لما لها من دور في إنتاج النخب، أن تنأى عن عادتها القديمة المتمثلة في استقطاب “الأميين” و”اصحاب الشكارة”، وأن ترشح للانتخابات تلك الأقلية التي تقود، توجه، تبتكر وتؤثر، شريطة أن لا يرتبط ذلك بالامتياز الطبقي، بل بالاستحقاق والتميز الفكري والأخلاقي