بينما كانت العاصفة تتجمّع في سماء المدينة، كان هناك أيضاً ما يقترب من كونه عاصفة تكتيكية داخل تشيلسي بقيادة إنزو ماريسكا.
ففي خطوة بدت خفية لكنها ذات مغزى، بحسب شبكة «The Athletic»، قرر المدرب الإيطالي الدفع بكول بالمر في مركز الجناح الأيسر، بدلاً من موقعه المعتاد كصانع ألعاب (رقم 10). قد تبدو هذه الخطوة بسيطة، لكنها تحمل دلالات تكتيكية تستحق التوقف عندها.
بالمر، صاحب الـ23 عاماً، يُعد القلب النابض لهجوم تشيلسي منذ انتقاله من مانشستر سيتي قبل موسمين، وهو اللاعب الأكثر تسجيلاً وصناعةً للأهداف في الدوري الإنجليزي للنادي خلال الموسمين الماضيين. نجاح ماريسكا الموسم الماضي ارتكز على توظيف بالمر خلف نيكولاس جاكسون، مع جناحين يتمتعان بالسرعة والقدرة على المراوغة.
لكن في كأس العالم للأندية الحالية، بدا أن ماريسكا قرر التجريب. وربما منحته سهولة مرحلة المجموعات هامشاً من الحرية لاختبار خطط بديلة. سواء كانت تلك تغييرات مؤقتة أو بداية لتوجه جديد، فهي بالتأكيد مثيرة للاهتمام.
في المباراة الافتتاحية أمام لوس أنجليس إف سي، لعب بالمر في مركزه المعتاد كرقم 10، ثم كجناح أيمن ضمن خطة 4-3-3 في الخسارة أمام فلامنغو. لكن أمام بنفيكا في دور الـ16، قرر ماريسكا الإبقاء على خطة 4-2-3-1، ووضع بالمر على الجناح الأيسر لأول مرة.
في المقابل، تولى بيدرو نيتو الجهة اليمنى، مما أتاح لماريسكا الدفع بثلاثي الوسط: مويسيس كايسيدو، وروميو لافيا، وإنزو فرنانديز – وهو أمر كان المدرب قد ألمح إليه الموسم الماضي. فرنانديز لعب في المركز 10، متقدماً على ثنائي المحور لافيا وكايسيدو، فيما تمركز ريس جيمس كقلب دفاع ثالث في الخروج بالكرة، بدلاً من التقدم كظهير، ليُشكّل تشيلسي مجدداً مربع الوسط المعتاد.
رغم تبدّل الأدوار، حافظ الفريق على التمركزات الهجومية ذاتها التي اعتاد عليها الموسم الماضي، مع اختلاف في هوية الأسماء. وصول المهاجم ليام ديلاب من إيبسويتش تاون، الذي لعب أساسياً ضد بنفيكا، أسهم في ذلك التغيير.
ديلاب، المتخرّج من أكاديمية مانشستر سيتي، كان جزءاً من الفريق الذي ضم بالمر ولافيا وتوّج بالدوري الإنجليزي تحت 23 عاماً في موسم 2020-2021، عندما لعب بالمر كجناح أيمن وجيمس ماكاتي كصانع ألعاب. سجل ديلاب آنذاك 24 هدفاً، وهو رقم قياسي لا يزال صامداً حتى اليوم.
أسلوبه يذكّر كثيراً بديدييه دروغبا: قوي في اللعب بظهره للمرمى، تسديدات حاسمة من الزوايا الضيقة، وتحركات دؤوبة على الأطراف، بالإضافة إلى خطورته في الكرات الهوائية. وبما أن ديلاب يتطلب نوعاً خاصاً من الإمداد الهجومي، فإن وجود بالمر على اليسار قد يخلق زوايا تمرير أفضل، ويعيد تفعيل الشراكة القديمة بينهما (ساهما معاً في 8 أهداف خلال 36 مباراة).
خلال اللقاء، شغل بالمر المساحات النصفية، ما أفسح المجال أمام مارك كوكوريّا للتمركز على خط الدفاع الأخير. حاول بنفيكا مجابهة مربع وسط تشيلسي بدفاع ضيق من 4-3-3، لكن وجود صانعي لعب كفرنانديز وبالمر أرهق محاولاتهم، رغم أن أنخل دي ماريا تراجع أحياناً ليُشكّل خطاً خلفياً خماسياً يراقب بالمر.
تميّز بالمر بقدرته على التمركز في «الجيوب» وتسلُّم الكرة تحت الضغط ثم الالتفاف سريعاً لفتح خطوط التمرير أو التسديد. ورغم بعض التمريرات الطولية المفرطة لديلاب، أو توقيت الركض غير المثالي، فإن المؤشرات الإيجابية كانت حاضرة.
جدير بالذكر أن أفضل لحظات بالمر الموسم الماضي لم تكن في العمق، بل حين تراجع للعمق أو مال للأطراف ليستعرض مدى تمريراته. ورغم إخفاقه في 9 عرضيات أمام بنفيكا، فإن الشوط الأول شهد تمريرات أرضية خطيرة على المرمى، كانت ستتحوّل لأهداف بتوقيتٍ أدق من المهاجم.
لكن في الشوط الإضافي، وبعد توقف لمدة ساعتين بسبب العاصفة، عاد بالمر بقوة. وبفضل طرد جيانلوكا بريستياني، لعب تشيلسي بزيادة عددية، واستغل بالمر المساحات المفتوحة لقيادة انتفاضة سجل فيها الفريق 3 أهداف خلال 9 دقائق.
وجود بالمر في الجهة اليسرى قد يجعل هجوم تشيلسي أكثر تنوعاً، بعد أن كان يميل كثيراً للعمق الموسم الماضي، مما اضطرهم للاعتماد على الكرات العرضية لاختراق الكتل الدفاعية. المشكلة أن الفريق كان يعتمد بشكل شبه كلي على تألق بالمر الفردي.
تشير الإحصاءات إلى هذا الاختلال؛ فالفريق احتل المركز السابع من حيث العرضيات من الجهة اليمنى، لكنه كان في المرتبة الـ15 من اليسار. هذا يعود جزئياً لدقة تمريرات ريس جيمس، ودور كوكوريّا المتطور كظهير متقدم.
والأدهى أن تشيلسي سجل فقط 8 أهداف من العرضيات طوال موسم 2024-2025 – رابع أقل فرق البطولة – منها هدفان فقط من عرضيات مفتوحة من الجهة اليسرى.
ومن اللافت أن أحد هدفي إنزو فرنانديز بالرأس جاء بتمريرة عرضية من بالمر أمام توتنهام، والآخر من كوكوريّا ضد ليستر سيتي. ولأن ماريسكا يرى فرنانديز صانع الألعاب المستقبلي، فإن تحويل بالمر إلى الجهة اليسرى قد يفتح المجال أمام الأرجنتيني ليُشكّل مصدراً إضافياً للأهداف.
إصابة لافيا الطويلة الموسم الماضي أجبرت ماريسكا على إشراك فرنانديز في المحور مع كايسيدو، لكن مع عودته، يعود التوازن من جديد.
وفي فبراير (شباط) الماضي، عندما سُئل ماريسكا عن إمكانية تغيير تركيبة الهجوم، وكان الفريق حينها قد فاز فقط في 3 من آخر 10 مباريات، قال: «الموقع الأساسي للاعب لا يهم كثيراً. عندما تتحرك الكرة، يتغير كل شيء، وكول يتحرك كثيراً. بالنسبة لنا، هذه فكرة واردة. لقد لعب المباراة الافتتاحية ضد السيتي كجناح أيمن مع مالو غوستو خلفه، وأنهى المباراة في العمق. وأنا أفضل رؤية كول في المساحات الداخلية».