يعجبني كثيرًا الإنسان الذي يصر على العمل؛ مهما كان الأمر صعبًا، ويعجبني أكثر حين يجعل من اليقين بالله درعًا يواجه به آلامه، ويجعل من الإصرار وسيلة للوصول إلى الهدف؛ مهما كانت المعوقات كثيرة وكبيرة.
خطرت هذه الكلمات، وأنا أشاهد بعض لوحات الفنان التشكيلي نايل ملا- وهو واحد من جيل الرعيل الثاني لرواد الحركة التشكيلية السعودية ومؤسيسيها، الذي يقدم لنا من خلال أعماله الفنية دروسًا بليغة من عدم الاستسلام أمام المعاناة؛ مهما كان حجمها. وكم أعجبتني كلماته لجريدة “الشرق الأوسط” وهو يتحدث عن رحلته مع المرض قائلاً:” أجريت استئصالًا لورم سرطاني، ومكثت في المستشفى نحو شهر ونصف، حينها أدركت كيف أن المرض يمكن أن يساهم في تغيّر الإنسان، ويدفعه لعدم الاستسلام، وألا يكون حبيس الجدران؛ فعليه أن يقاوم ويعود لممارسة حياته الطبيعية؛ ليعيش متفاعلًا من جديد مع مجتمعه” وعن تأثير هذه التجربة القاسية على عطائه الفني يوضح قائلًا: إنه اشتغل على مجموعة أعمال بعد فترة تعافيه وشفائه- ولله الحمد- من هذا المرض؛ فاستطاع- بفضل من الله- الخروج بمجموعة لوحات وأعمال مختلفة المواضيع والأساليب ذات الحجم الصغير، أو ما يسمى بالمنمنمات؛ ما عمّق لديه تجربة الشعور بالمعنى، وفن المصغرات”المنمنمات” الذي يتقنه نايل ملا منذ بداية دخوله معترك الفن التشكيلي؛ فن عربي إسلامي الهوية، بدأ وازدهر منذ أواخر القرن 13 الميلادي على يد الرسام يحيى الواسطي، من واسط جنوب العراق، عندما رسم وزخرف كتاب مقامات الحريري، وبعدها تناقل الغرب هذا الفن، ومن أشهر رساميه بول كلي، الذي رسم قرابة 3000 منمنمة، بينما قدم فناننا التشكيلي السعودي نايل ملا ما يقارب 2000 من مصغراته على مدار مسيرته التشكيلية، التي اشتهر بها، ويقدمها اليوم بروح عصرية مختلفة، ما يجعله “رائدًا سعوديًا” في هذا الاتجاه المتميز، وهو لقب أطلقه عليه الفنان التشكيلي الدكتورمحمد الرصيص؛ أحد رواد الحركة التشكيلية السعودية عضو هيئة التدريس ورئيس قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود “سابقًا” الذي أكد أحقية الفنان ملا بهذه الريادة، التي شهدت له عدة فعاليات نظمها بهذا الخصوص؛ ومنها تنظيم المهرجان الأول لفن المصغرات بجدة، وكان على مستوى المملكة عام 2002م ثم تنظيم أضخم مهرجان للمصغرات على مستوى العالم العربي بجدة عام 2008. هذان المهرجانان أكدا استحقاقه لريادة هذا النوع من الفنون، إضافة لإقامته لمعرضين شخصيين بالرياض وجدة خاصين بمصغراته، وعن ذلك يقول نايل ملا “: تلك المصغرات أو المنمنمات كانت عشقي وشغفي والمحببة دومًا إلى نفسي منذ بداية ممارستي للفنون التشكيلية؛ فطغت اللوحة الصغيرة على أغلب مشاركاتي الجماعية، لدرجة أن البعض كان يتهكم عليَّ بعدم قدرتي على تقديم الأعمال ذات المساحات الكبيرة؛ بحكم أن المصغرات هي ديدن مشاركاتي الجماعية إلا أنه بالطبع هناك الكثير من الأعمال الكبيرة المنجزة باسمي، ولكن المصغرات هي ما لازمتني حتى أنني اشتهرت بها”. ولد الفنان التشكيلي نايل ياسين ملا بمكة المكرمة عام 1957م، وتعلم في مدارسها، وفي بداية رحلته التشكيلية التحق بدورة حرة “بمركز دبلن بإيرلندا للفنون” 1982ودراسة حرة في “الحفر والطباعة” بدارة الفنون بعمان بالأردن، صقلها بدراسة مكثفة بأسبانيا في فنون الحفر والطباعة” الجرافيك”؛ إحداهما بجامعة كومبلوتينسي بمدريد، والأخرى بالمركز العالمي المعاصر للجرافيك بجامعة سانتياجودي.كومبوستيللا. وبعد تخرجه من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عام 1980 قسم إعلام، عمل بالخطوط السعودية؛ حيث قدم الكثير من المناشط التشكيلية المختلفة؛ من أهمها مسابقة” ملون” التي نظمتها الخطوط السعودية، وساهم في وضع حجر أساسها وصياغة نظامها العام، وخلال مسيرته الفنيه خاض” نايل ملا” مجموعة من التجارب الفنية الغنية بالبحث والتجريب، وتعد أعماله الشهيرة “تقاسيم شرقية” التي تحاكي بيئة المشرق العربي بوجه عام، وبيئة المملكة العربية السعودية بشكل خاص من التجارب المتميزة، التي نال من خلالها عددًا من الجوائز المحلية والدولية؛ منها: جائزة “السفير” التي نظمتها وزارة الخارجية 2001، وجائزة “المفتاحة” 2001، والجائزة الشرفية من بينالي طهران الدولي الثالث عام 2005م، في حين حصل على عدة جوائزمحلية ودولية؛ من أهمها جائزة “حتحور” من بينالي القاهرة الدولي 2003؛ كأول فنان تشكيلي سعودي يحصل عليها، كما حاز على درع تكريمي من مؤسسة مسك للفنون بالرياض 2021. وأعمال الفنان نايل ملا لاتستطيع تصنيفها إلى مدرسة بعينها، على الرغم من معالمها التجريدية تارة، والتعبيرية تارة أخرى، هو من الفنانين التشكيليين الذين يرون أن حرارة التعبير وصدقه أهم من الوسائط، التي تتجسد بها تلك الشحنات التعبيرية، وهو يختار الوسائل التي تسعفه عندما تلح عليه خاطرة فنية؛ لهذا جاءت لوحاته الفنية مغلفة بطابع الألفة والرقة المتناهية، التي لا تخلو تارة من حزن شفيف، وكانت البساطة + الغموض هي أبرز معالم أسلوبه الفني. أما لمساته التي يقدم لنا من خلالها لوحات تحتفل بالجمال، وتدعو إلى الصفا والحب؛ فألوانها مذابة في وجدان عاشق فنان، لا يعرف التردد أو التلكؤ. شارك نايل ملا في الكثير من المعارض والمسابقات والفعاليات المحلية والإقليمية والدولية من بيناليات وورش عمل منذ العام 1982م، ومثل المملكة رسميًا في العديد من المحافل الدولية التشكيلية؛ أهمها: بينالي الشارقة الدولي الثالث 1995م، وبينالي آسيا الدولي الثامن 1997م، وترينالي مصر الدولي الثالث للجرافيك 1999م، وبينالي القاهرة الدولي التاسع 2003م. ومقتنيات الفنان “نايل ملا” حاضرة في أهم المواقع السعودية، منها 12 عملاً من مجموعته “تقاسيم شرقية” بقصر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العلا، وكذلك أربع منسوجات بمطار الملك خالد الدّولي بالرياض، وأربع جداريات (موزاييك وفسيفساء) في مطار الملك فهد الدّولي بالدمام، و4 جداريات (منسوجات) في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وغيرها من المواقع الهامة.
- بروتوكول بين وزارة الرياضة وصندوق مكافحة الإدمان.. الكشف عن تعاطى المخدرات لأعضاء مجالس إدارات اللجان الأولمبية والبارالمبية والاتحادات الرياضية والأندية.. وإتاحة خدمات العلاج مجانا وفقا للمعايير الدولية
- ناصر الدين: واقع الأزمات المتعددة يضع عبئًا إضافيًا على النظام الصحي
- بيروت تعيد كتابة سيرتها: من رموز الوصاية إلى أيقونات الفن
- أسعار العملات الأجنبية في الإمارات مستهل تداول الثلاثاء 29 أغسطس 2023
- عدم مشاركة كريستال بالاس في الدوري الأوروبي خسارة للبطولة
- أحداث سوريا تهيمن على ملف أسلحة الفصائل في العراق
- فحص اللعاب يكشف العلامات المبكرة لمرض السكري | صحة
- «أبوظبي للغة العربية»: القراءة المستدامة ترسخ مجتمع المعرفة