ليس هناك فى تاريخ الفن العربى كله رجل جمع بين التمثيل والتأليف والإخراج والإنتاج والإدارة وملكية الأصول، فى كل من المسرح والسينما على السواء غير يوسف وهبى، الرجل الذى لم يدع مجالاً فنياً إلا وترك فيه بصمة، وحتى التلحين وأداء المونولوج الفكاهى كان له فيهما نصيب، وكذلك المونتاج السينمائى ومسئول الدعاية وهندسة الديكور، أضف إلى ذلك حياته الشخصية الثرية بزيجاته الثلاث ومغامراته التى لا تعد، وعلاقاته المتشعبة برجال زمانه من أهل السياسة والفن والأدب، للدرجة التى جعلته يضع مذكراته الشخصية التى صدرت سنة 1973 فى ثلاثة أجزاء تحت عنوان «عشت ألف عام».
غداً وبالتحديد فى الرابع عشر من يوليو سيكون قد مر على مولد يوسف وهبى 127 عاماً، حيث إنه ولد قبل نهاية القرن التاسع عشر بعامين بمحافظة الفيوم، لأب كان من طبقة الباشاوات ويعمل كبيراً لمفتشى الرى بالمحافظة، تلقى يوسف تعليمه الأولى فى مدارس الفيوم ثم تحول إلى الدراسة الثانوية بمدرسة السعيدية بالقاهرة، ومنها إلى مدرسة الزراعة العليا، ولكنه كان مشدوداً للعمل بالفن ومتابعة العروض المسرحية، التى كانت تقدمها فرقة جورج أبيض فى ذلك الوقت، ثم التحق بفرقتى حسن فايق وعزيز عيد، وكان يلقى ببعض المنولوجات بين فصول روايات هاتين الفرقتين ما أغضب منه والده، وتسبب فى مغادرة بيت العائلة، وعلى أثر ذلك قرر يوسف وهبى السفر إلى إيطاليا عام 1919 لدراسة المسرح والسينما، وبالفعل شارك هناك فى أكثر من عمل مسرحى وسينمائى، وتعرف على قواعد وأصول الفن الوليد، كما اقترن بأولى زيجاته الممثلة الإيطالية «ألينا لوندا»، التى ساهمت فى زيادة فرصه فى السينما الإيطالية، حيث عُرف بشخصية «رمسيس» كناية عن انتمائه للحضارة المصرية الفرعونية، ولذلك حينما زاره عزيز عيد فى أوروبا أواخر عام 1922 وحثه على العودة إلى مصر، خاصة بعد وفاة والده، قرر وهبى إنشاء فرقته المسرحية التى أطلق عليها فرقة رمسيس.
ورغم أن الرجل قد وجد عنتاً شديداً من جانب أسرته المحافظة بسبب اشتغاله بالتمثيل، فإنه كان من بين العوامل التى انتزعت لهذا الفن مزيداً من الاحترام وسط الطبقات الراقية التى أتى منها، وخلق حالة من الترحيب المجتمعى بفن التمثيل، بعد أن كان ينظر إلى المنتسبين إليه على أنهم مجرد مشخصاتية.
ومع بداية عروض فرقة رمسيس مساء العاشر من مارس 1923 بدأت مرحلة جديدة، ليس فقط فى تاريخ يوسف وهبى وإنما أيضاً فى تاريخ المسرح العربى كله، فقد ظلت هذه الفرقة هى الأشهر والأهم والأكثر تأثيراً فى الحركة المسرحية العربية، بفضل ما يزيد على 300 مسرحية بين التأليف والترجمة وعشرات الطاقات الفنية التى قدمتها الفرقة للحياة الفنية، أمثال عزيز عيد، حسين رياض، فتوح نشاطى، دولت أبيض، روز اليوسف، أمينة رزق، زينب صدقى، عزيزة أمير، مختار عثمان، ستيفان روستى، أحمد علام، وغيرهم.
وفى عام 1926 واجه أزمة كبرى كان من الممكن أن تقضى على مستقبله الفنى، حين أتى إلى مصر مغامر تركى اسمه وداد عرفى، ممثلاً لشركة إنتاج سينمائى مقرها فرنسا، بصدد تنفيذ فيلم كبير عن حياة نبى الإسلام محمد عليه السلام، تحت عنوان «حب الأمير»، وأسندت الشركة البطولة إلى يوسف وهبى كى يؤدى شخصية الرسول الكريم على خلاف مبادئ الشريعة الإسلامية وقرارات الأزهر الشريف بحرمانية تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية، فحدثت أزمة كبيرة نال بسببها وهبى الجانب الأكبر من الهجوم، ودخل فيها الأزهر الشريف والقصر الملكى ورجال الثقافة والفكر على الخط، ولم تتوقف إلا بعد أن أعلن وهبى اعتذاره عن القيام ببطولة الفيلم، الذى قررت الشركة الفرنسية التراجع عنه بعد هذا الاعتذار تفادياً لغضبة المجتمع المصرى.
وقد ساهمت هذه الواقعة فى تأخر بداية مشوار يوسف وهبى السينمائى لمدة أربع سنوات كاملة، كان منشغلاً فى معظمها بتأسيس مدينة رمسيس للفنون، وهى مدينة متكاملة ضمت قاعات مسرح ودار سينما واستوديو سينمائياً ومدينة ملاهٍ ومتنزهات وأماكن تصوير مفتوحة، وهى المدينة التى صور فيها باكورة إنتاجه السينمائى «زينب» الصامت عام 1930، مكتفياً فيه بالإنتاج فقط دون التمثيل، وإلى يوسف وهبى يرجع الفضل فى إدخال الصوت على شريط السينما فى مصر، وذلك فى فيلم «أولاد الذوات» الذى قام بإنتاجه سنة 1932 كأول فيلم روائى مصرى ناطق، وهو أيضاً أول ظهور سينمائى له كممثل، ثم أتبعه عام 1935 بأول فيلم جمع فيه بين الإنتاج والتمثيل والإخراج وهو فيلم «الدفاع»، الذى قام بتصويره فى الاستوديو الخاص به ستوديو وهبى فى منطقة الجيزة، وتم عرضه أيضاً فى دار سينما وهبى التى كان يملكها، وفى منتصف الأربعينات دخل فى شراكة مع الأخوين نحاس لتأسيس ستوديو نحاس، أحد أهم الاستويوهات السينمائية فى مصر، وهكذا جمع يوسف وهبى فى فترة وجيزة بين كل عناصر السينما والمسرح كصناعة وفن فى حالة وحيدة بين كل أقرانه من الفنانين.
ولست هنا بصدد استعراض مسيرة يوسف وهبى الفنية والشخصية التى تتمتع بالثراء والإثارة معاً، فهذا أمر يحتاج إلى صفحات وصفحات، لكننى وددت فقط التأكيد على أن عميد المسرح العربى، الذى أصاب فى حياته كثيراً من النجاح والتكريمات، لم تمنحه الأجيال التالية ما يستحقه من الاهتمام النقدى والإعلامى الذى يليق بعطائه الفنى الكبير.