في دورته الخامسة والأربعين، يأتي المعرض العام هذا العام ليؤكد مكانته كأحد أبرز المحافل الفنية في مصر والعالم العربي، جامعا بين أجيال وتجارب وأساليب تتقاطع في مساحة واحدة من التعبير البصري والبحث الجمالي، لا يكتفي المعرض الذى يختتم فعالياته غدًا بعرض الأعمال الحديثة، بل يلتفت أيضًا إلى الرموز التي صنعت جزءًا من ذاكرة الفن المصري، عبر مسيرة طويلة من العطاء والتجديد.
أحمد مرسي
عمل الفنان أحمد مرسى
بين الكلمات والصور، بين الإسكندرية ونيويورك، بين الذاكرة والتحول، يأتي أحمد مرسي كواحد من الأسماء التي لا تلتزم بحدود وسيط واحد، بل تمتد تجربته عبر الشعر والرسم، النقد، والتصميم المسرحي.
ولد مرسي في الإسكندرية عام 1930، وتخرج في جامعتها عام 1954 دارسًا الأدب الإنجليزي، لكنه لم يتوقف عند اللغة، بل جعلها امتدادًا بصريًا لتجربة تشكيلية تستعصي على التصنيف، في بغداد والإسكندرية، كان مرسي صوتًا فاعلًا في مشهد الحداثة، مؤسسًا لمجلة Galerie ’68، التي لم تكن مجرد مطبوعة، بل منصة لحوار ثقافي مفتوح على التجريب والأسئلة الجديدة. وكأنما يستجيب لنداء داخلي نحو المجهول، انتقل عام 1974 إلى مانهاتن، حيث بدأ في تفكيك وإعادة تركيب رموزه البصرية في ضوء تجربة العيش في مدينة لا تهدأ، في أعماله، تظهر الدمى وكأنها شواهد صامتة، جماجم الخيول كبقايا سفر طويل، والشخصيات الأندروجينية ككيانات تسبح في فضاءات غير محددة، وكأن مرسي يعيد رسم المشهد لا كما هو، بل كما يسكن الذاكرة. البحر يطل في الخلفية ليس كمشهد، بل كحضور ملموس يشهد على التحولات.
تكريمه في المعرض العام ليس احتفاءً بفنان فقط، بل برحلة كاملة من البحث عن المعنى داخل الصورة، عن الزمن الذي لا يُمسك، عن المدينة التي تسكن أعماله مهما ابتعد عنها.
جورج بهجوري

عمل الفنان جورج بهجوري
ولد الفنان في قنا عام 1932، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، قبل أن ينتقل إلى باريس لاستكمال دراسته، برز اسمه مبكرًا في الصحافة، حيث قدّم الكاريكاتير كأداة تحليل بصري، لا كتعليق سريع، بل كرؤية نقدية تُعيد تشكيل الحدث الاجتماعي والسياسي، وهو ما تجلّى في أعماله بمجلتي “روز اليوسف” و”صباح الخير” بين عامي 1953 و1975.
في باريس، أعاد اكتشاف نفسه ضمن مناخ الحداثة الأوروبية، دون أن يفقد جذوره المصرية، عام 1990، دخلت لوحته وجه من مصر إلى متحف اللوفر، وحصل على الميدالية الفضية، كما أُدرج اسمه فى قاعة كبار المشاهير إلى جانب جان كوكتو، شارك في أكثر من 100 معرض جماعي وأقام 32 معرضًا فرديًا، وتوجت مسيرته بجوائز كبرى مثل جائزة الكاريكاتير بروما (1985، 1987) وجائزة الملك عبدالله الثاني للإبداع، وكمبدع متعدد، جمع بين التشكيل والكتابة في كتبه مثل من بهجورة إلى باريس والرسوم الممنوعة.
تكريمه في هذه الدورة هو إضاءة على سيرة تُجسد كيف تتحول السخرية إلى وسيلة لاكتشاف المعنى، وكيف يصبح الرسم سجلًا لحياة كاملة بين مصر وفرنسا.
على نبيل وهبة

عمل الفنان علي نبيل وهبة
يأتي تكريم الفنان علي نبيل وهبة هذا العام ليعيد إلى الواجهة نموذجًا لفنان لم يكن الفن بالنسبة له مجرد ممارسة تشكيلية، بل فعلاً متجذرًا في صلب الوجود الإنساني.
ولد في الشرقية عام 1937، وتخرج في كلية التربية الفنية عام 1962، بدأ معلمًا، ثم خاض تجربة الإدارة الثقافية، حيث أدار قصر الجزيرة للفنون، ثم تولى إدارة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة (1970–1974)، كما عمل أستاذًا للتربية الفنية في الرياض، ثم عاد إلى مصر ليشرف على قسم التربية الفنية بالدقي، ثم مديرًا لمتحف الفن المصري الحديث (1992–1995)، لكن الوجه الأهم في مسيرته يظهر في أعماله الفنية، التي لا تسجل الحدث، بل تُفككه لتصل إلى جوهره الإنساني. في أسلوبه التعبيري الملحمي، تتصارع الخطوط وتتداخل الأجساد، وتتحول شخوصه إلى رموز للصمود. شارك في أكثر من 25 معرضًا جماعيًا، وكانت أعماله دائمًا مرآة لتجربة وطنية وإنسانية كثيفة.
عبد الغفار شديد

أعمال الفنان عبد الغفار شديد
تكريم عبد الغفار شديد في المعرض العام هو احتفاء برؤية ربطت الماضي بالحاضر، وجعلت من كل عمل فني امتدادًا لسؤال قديم عن المعنى، الزمن، والصورة.
بدأ عبد الغفار شديد رحلته في القاهرة، متخرجًا في كلية الفنون الجميلة عام 1962، ثم انطلق إلى ألمانيا، حيث حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونخ، باحثًا في أثر الفن المصري القديم على الإغريقي والروماني. لم يكن بحثه نظريًا فحسب، بل كان امتدادًا لوعيه التكويني، حيث شارك في 10 معارض فردية، وعشرات المشاركات الدولية.
عند عودته إلى مصر، أسّس قسم تاريخ الفن بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عام 1995، واضعًا أسسًا لدراسة جديدة تتجاوز التصنيف، وتربط بين النظرية والممارسة.
محيى الدين حسين

عمل الفنان محي الدين حسين
من كلية الفنون التطبيقية، قسم الخزف، بدأت رحلة الفنان محيي الدين حسين عام 1962، حيث مزج بين التراث والتجريب، مستلهمًا تقنيات الفخار الشعبي، ومانحًا الخزف موقعًا مركزيًا في المشهد التشكيلي المصري المعاصر.
بعد انضمامه إلى الفنانين المتفرغين بمؤسسة الأهرام عام 1968، بدأ في بناء لغته الخاصة، التي تنفتح على الحداثة دون أن تفقد صلتها بالجذور، لم يكن معنيًا فقط بالممارسة، بل بدور الخزف في المشهد الفني، فكان قوميسير بينالي القاهرة الدولي للخزف عام 1992، وأسس ملتقى الفخار الشعبي في قنا عام 1999، ليخلق مساحة حوار بين الحرفة والفن، بين الذاكرة والابتكار.
شارك في 24 معرضًا فرديًا، ومثل مصر في 20 معرضًا دوليًا، مقدمًا أعمالًا تستلهم من الفخار الشعبي المصري، لكنها تُعيد صياغته برؤية حديثة، جعلت من الطين والنار وسيلتين للتعبير عن القيم والجمال والتحوّل.
وفي تكريم مستحق، خصصت مكتبة الإسكندرية معرضًا دائمًا لأعماله، يضم 100 قطعة نادرة، من الأواني واللوحات إلى التماثيل والجداريات، تتجلى فيها تقنيات الحريق الزلطي والبريق المعدني، التي جعل منها مسارًا بصريًا متجددًا ومتفردا، تكريمه في المعرض العام هذا العام هو اعتراف بمسيرة استثنائية جعلت من الخزف لغة تحاور التراث وتعيد تشكيله في ضوء المعاصر.