خاص ـ المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا ECCI
كرر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في خطاب ألقاه في لندن في يونيو 2025، تحذيرًا أطلقه علنًا ثلاث مرات على الأقل خلال العام 2025: التحالف الغربي متأخر بشدة عن موسكو في إنتاج الذخيرة. وأكد روته في العاشر من يونيو 2025: “فيما يتعلق بالذخيرة، تُنتج روسيا في ثلاثة أشهر ما يُنتجه حلف شمال الأطلسي بأكمله في عام”، مضيفًا أن آلة الحرب الخاصة ببوتين “تتسارع، ولا تتباطأ”.
كرر روته، الذي تولى رئاسة التحالف العسكري في أكتوبر 2025، نفس التحذيرقائلًا: “دعوني أكررها مرة أخرى. اقتصاد الناتو أكبر بـ 25 مرة من اقتصاد روسيا. يبلغ 50 تريليون دولار، بينما يبلغ الاقتصاد الروسي تريليوني دولار. هذا الاقتصاد الذي يبلغ تريليوني دولار يُنتج ذخيرة تفوق أربعة أضعاف ما يُنتجه الناتو بأكمله”.
بحسب البيانات والاحصائيات أنه على الرغم من أن إنتاج موسكو من الذخيرة ربما كان يفوق إنتاج حلف الناتو بنحو أربعة أضعاف في عام 2024، إلا أن هناك دلائل على أن الفجوة قد تتقلص.
ماذا نعرف عن قدرة روسيا على إنتاج الذخيرة؟
المعلومات المتعلقة بقدرة موسكو الإنتاجية العسكرية سرية، وتستند تقديرات الخبراء إلى تصريحات المسؤولين، ومعلومات استخباراتية مسرّبة، وبيانات تاريخية. يمكن القول على وجه اليقين إن موسكو زادت إنتاجها من الذخيرة بشكل كبير منذ أن شنّت حرب أوكرانيا في عام 2022، متجاوزة نظيراتها الغربية. وتشير تقديرات جهاز الاستخبارات الخارجية الإستوني إلى أن روسيا أنتجت أو جددت 400 ألف طلقة مدفعية في عام 2022، مما يعني مضاعفة إنتاجها بأكثر من أحد عشر ضعفًا لإنتاج 4.5 مليون طلقة في عام 2024.
توصل تحليل أجرته شركة الاستشارات Bain & Company في مايو 2024 إلى النتيجة نفسها، حيث قُدّر العدد الإجمالي للقذائف المنتجة أو المجددة في عام 2024 بنحو 4.5 مليون طلقة. تُنتج روسيا بشكل أساسي قذائف مدفعية عيار 122 ملم و152 ملم، في حين أن القذيفة القياسية لحلف شمال الأطلسي لها قطر أكبر قليلاً يبلغ 155 ملم، وتُستخدم بشكل رئيسي في أنظمة الهاوتزر الغربية، مثل تلك التي يوفرها الحلفاء لكييف.
تشير تقديرات تحليل شركة Bain & Company إلى أن القذيفة مقاس 152 ملم التي تفضلها موسكو أرخص أيضًا بنحو أربعة أضعاف في الإنتاج، حيث يبلغ سعر القذيفة 1000 دولار (860 يورو) مقارنة بـ 4000 دولار (3430 يورو) للقذيفة مقاس 155 ملم القياسية لحلف شمال الأطلسي.
ويُعتقد أن مخزون الذخيرة المتاح لموسكو أكبر من قدرتها الإنتاجية الخاصة بسبب المخزونات التي تستوردها من حلفائها. وبحسب تقارير نقلًا عن معلومات استخباراتية كورية جنوبية تسرّبت خلال يوليو 2025، فإن كوريا الشمالية زودت روسيا بـ 12 مليون طلقة من قذائف عيار 152 ملم لاستخدامها في أوكرانيا.
ورغم أنه لا يمكن التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل، فإن صور الأقمار الصناعية التي حلّلتها صحيفة “وول ستريت جورنال” في ديسمبر 2024 أظهرت علامات على زيادة كبيرة في مرافق الإنتاج في كوريا الشمالية، فضلًا عن زيادة الشحنات إلى روسيا.
كيف تُقارن قدرات حلف شمال الأطلسي؟
وفي عام 2024، من المتوقع أن تكون انتجت أوروبا والولايات المتحدة ما يُقدّر بنحو 1.2 مليون قذيفة سنويًا، وفقًا للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومقره برلين، مقارنةً بنحو 4.5 مليون قذيفة تُنتجها روسيا. وتتوافق هذه التقديرات بشكل تقريبي مع ادعاء روته بأن روسيا تُنتج ذخيرة أكثر بأربعة أضعاف سنويًا من نظيراتها في حلف شمال الأطلسي. ولكن التحالف الغربي يتطلع إلى سد الفجوة بشكل كبير بحلول عام 2025.
حددت المفوضية الأوروبية هدفًا لزيادة إنتاج الذخيرة إلى مليوني طلقة سنويًا بحلول عام 2025، في حين تتطلع الولايات المتحدة إلى تحقيق هدف جديد يتمثل في 100 ألف طلقة شهريًا بحلول أكتوبر 2025. ويتطلع حلفاء آخرون، بما في ذلك النرويج والمملكة المتحدة وكندا، أيضًا إلى تعزيز سلاسل التوريد.
رغم أن تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يجعل حلف شمال الأطلسي يقلّص الفجوة بشكل كبير مع روسيا، فإن الحلفاء الغربيين واجهوا في الماضي صعوبة في الوفاء بوعودهم. فشل الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدفه بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية بحلول شهر مارس 2024، مما دفع جمهورية التشيك إلى قيادة حملة دولية لجمع التبرعات لشراء المزيد من قذائف الذخيرة لكييف، والتي ضمنت منذ ذلك الحين مشاركة 16 دولة.
سلّمت المبادرة التشيكية منذ ذلك الحين، 1.6 مليون قذيفة إلى أوكرانيا. وصرّح وزير الخارجية التشيكي في مايو 2025 بأنه تم تأمين التمويل اللازم لاستمرار البرنامج حتى عام 2026، إلا أن مستقبله يعتمد على الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في أكتوبر 2025.
هل يشكل التخلف الغربي خطرًا على مقاومة أوكرانيا؟
ومن غير الواضح مقدار تلك المخزونات الغربية التي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا في عام 2025. وكانت الحكومة في كييف قد أكدت إنها تحتاج إلى حوالي 200 ألف طلقة ذخيرة شهريًا لتكون قادرة على الصمود في وجه الهجمات الروسية على خط المواجهة.
أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرًا إن أوكرانيا تأمل في الحصول على نحو ثلاثة ملايين قذيفة مدفعية من حلفائها خلال العام 2025، بما في ذلك 1.8 مليون قذيفة من برنامج تقوده جمهورية التشيك.
لكن الغرب، وخاصة أوروبا، لا يزال يكافح لإنعاش صناعة الذخيرة. وتعاني المتفجرات وهي النواة الأساسية لقذائف الذخيرة من نقص حاد، إذ لا يوجد حاليًا سوى مصنع واحد في بولندا يُنتج مادة ثلاثي نيتروتولوين، أو ما يُعرف بـ “تي إن تي”. ولا تزال الأهداف الغربية بعيدة كل البعد عن تحقيق أهداف روسيا، على الرغم من أن الاقتصاد الروسي أصغر بنحو 25 مرة من حجم اقتصادات دول حلف شمال الأطلسي مجتمعة.
تقييم وقراءة مستقبلية
يعكس تحذير الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، عمق القلق الغربي من التفوق الروسي في إنتاج الذخيرة، رغم الفارق الهائل في القوة الاقتصادية بين الطرفين.
تكشف الأرقام عن خلل واضح في أولويات التصنيع العسكري للغرب، حيث تستغل موسكو مواردها بكفاءة عالية، مدعومة بشبكات إنتاج محلية ومساعدات من دول حليفة مثل كوريا الشمالية. في المقابل، يواجه الغرب تحديات بنيوية في توسيع طاقته الإنتاجية، بما في ذلك ضعف سلاسل التوريد ونقص المواد الأساسية كالـTNT.
من المرجح أن يُسرّع الناتو ودوله الأعضاء برامج تعزيز الإنتاج العسكري، إلا أن تحقيق الأهداف المعلنة يظل مشكوكًا فيه، كما أظهرت الإخفاقات السابقة، خصوصًا في توفير الذخيرة لأوكرانيا.
إذا استمرت الفجوة الحالية حتى عام 2025، فقد تتعرض مقاومة أوكرانيا لضغط أكبر، وتُضعف قدرة الغرب على دعمها بشكل مستدام. والأخطر أن التفوق الروسي قد يغيّر التوازن الاستراتيجي في ساحات الصراع، ويُشجع على مزيد من التوسّع العسكري الروسي.
ما لم يُحدِث الغرب تحولًا جذريًا في استجابته الصناعية والدفاعية، فإن قدرته على الردع والمناورة في بيئة جيوسياسية متغيرة ستتآكل بشكل تدريجي.
رابط مختصر.. https://www.europarabct.com/?p=106183
