نوال أبو حيدر
رغم الزخم التشريعي الذي شهده مجلس النواب اللبناني في الأسابيع الأخيرة، بقي اقتراح القانون الرامي إلى تنظيم الإعلانات الخاصة بالأدوية والمتممات الغذائية التي لا تستلزم وصفة طبية (OTC) خارج إطار البحث الجديّ، بعد أن تمّ تأجيل مناقشته نتيجة عدم إدراجه ضمن جدول الأعمال الطارئ. قرار الإرجاء هذا، وإن كان تقنياً في الشكل، إلّا أنه يعكس تعقيدات أعمق ترتبط بتضارب الصلاحيات والتشريعات، ما أدّى إلى تعطيل مسار قانون يُنظر إليه كضرورة صحية لحماية اللبنانيين من الفوضى التي تضرب هذا القطاع الحساس.
تشابك تشريعي… وتأجيل لأسباب قانونية
انطلاقاً من هذه المعطيات، يقول نقيب الصيادلة في لبنان، الدكتور جو سلّوم، عبر «اللواء» إن «أحد أبرز أسباب التأجيل يعود إلى الحاجة لتكييف الاقتراح مع قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 367، لا سيّما المادة 37 (فقرة ب)، التي تمنع بشكل صريح الإعلان التجاري عن الأعشاب والمستحضرات ذات الطابع العلاجي. ولتجنّب أي لبس قانوني أو تضارب محتمل، اقتُرح تعديل المادة لتضم استثناءات، منها السماح بالإعلان عن المتممات الغذائية، وحليب الأطفال ممن تجاوزوا السنة، وأدوية OTC، على أن تبقى الإعلانات خاضعة لرقابة صارمة».
بين حرية السوق وسلامة المستهلك
وفي سياق متصل، يعتبر سلّوم أن «الهدف الأساسي من الاقتراح، بحسب القائمين عليه، هو وضع إطار قانوني منظم يُتيح الإعلان عن بعض المنتجات الدوائية ضمن ضوابط مهنية دقيقة، تضمن صحة المعلومات المقدّمة للمستهلك، وتُحد من تسويق الأدوية المزيفة أو غير المسجلة. هذا النموذج يتماشى مع المعايير المعتمدة في العديد من الدول الأوروبية، التي تسمح بإعلانات محددة للأدوية دون وصفة، شرط أن تمرّ عبر الرقابة الرسمية وتُحاط بشفافية مطلقة».
نقابة الصيادلة تحذّر: الفوضى تهدّد الأمن الصحي
أمام هذا الواقع، يشدّد نقيب الصيادلة «على أهمية إقرار القانون بصيغته المقترحة»، معتبراً أنه «تم إعداد هذا القانون بدقّة من قبل نقابة الصيادلة، وهو يهدف إلى إخضاع كل إعلان دوائي لرقابة مسبقة من الجهات المختصة كوزارة الصحة والنقابة ونحن لا نتحدث عن تنظيم عادي، بل عن إجراء وقائي يحدّ من المخاطر الصحية المباشرة».
ويؤكد على أن «من أبرز النقاط الواردة في الاقتراح هو حظر الإعلان والبيع الإلكتروني للأدوية عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت مرتعاً لمنتجات مزوّرة أو غير معتمدة، تباع من دون أي ضوابط أو إشراف صحي، في وقت يكون فيه المواطن اللبناني معرّض لشراء دواء مغشوش أو مضرّ من دون أن يعرف خلفية المُنتج أو تبعاته».
تسويق بلا ضوابط… وغياب للمحاسبة
في هذا الخصوص، ووفق سلّوم، «المستفيد الوحيد من الوضع الراهن هم التجار غير المرخصين الذين ينشطون عبر الإنترنت، مستغلّين غياب التنظيم لعرض أدوية ومكملات بأسعار مغرية، لكن بجودة مجهولة ومخاطر مؤكدة»، من هنا يشدّد على أن «حصر بيع الدواء داخل الصيدليات المرخصة ليس تقييداً، بل ضمانة للمستهلك، لأن الصيدلي هو المرجع القانوني والعلمي الوحيد المؤهّل لتقديم المشورة الدوائية».
في غياب القانون… من يحمي صحة المواطن؟
على صعيد آخر، يوضح سلّوم أن «الواقع اليوم يكشف عن ثغرة قانونية خطيرة، حيث لا توجد آلية فعّالة لمحاسبة المروّجين أو لضبط المحتوى المنشور على الإنترنت، ما يترك المواطن مكشوفاً أمام عدد هائل من الإعلانات الطبية المضللة، التي قد تروّج لأدوية منتهية الصلاحية، أو تحتوي على مكونات خطرة، أو حتى تسبب آثاراً جانبية».
لذا، يحذّر من أن «عدم إقرار القانون سيُبقي الحماية القانونية للمستهلك ضعيفة جداً، وسيفتح الباب أمام المزيد من الفوضى والمخاطر الصحية، ولا بد من تدخّل تشريعي عاجل يعيد تنظيم السوق، ويُعيد ثقة الناس بالدواء وبالجهات الرسمية».
بين الحماية والتأجيل… صحة اللبنانيين على المحك!
في ظل هذا المشهد، يبقى التأجيل مؤشراً مقلقاً على التباطؤ في إقرار قوانين أساسية تمسّ حياة المواطنين بشكل مباشر. وبين الحرص على دقّة التشريع وخطر الفوضى المستشرية، يعلو صوت المجتمع الصيدلي والمهني مطالباً بإقرار قانون ينظّم الإعلان عن الدواء ويضمن بيعه في إطار قانوني صحي واضح. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل ننتظر وقوع كارثة صحية حتى نتحرك؟ أم أن الوقت قد حان لضبط هذا القطاع قبل أن يتحوّل إلى أزمة جديدة؟
