في مساءٍ لا يُنسى من شهر يوليو (تموز)، تجمّع أكثر من 16 مليون بريطاني حول مباراة مصيرية واحدة: نهائي يورو 2025 للسيدات.
بينما كانت العيون شاخصة إلى شاشات التلفاز، تجمّع أكثر من 16 مليون بريطاني حول مباراة مصيرية واحدة: نهائي بطولة أوروبا للسيدات 2025. لم تكن مجرد مواجهة رياضية، بل لحظة وطنية مشتعلة، امتزج فيها العرق بالدموع، والتاريخ بالحاضر، والشغف بالهوية.
على أرضية استاد نادي بازل السويسري، اصطدمت لاعبات إنجلترا بعملاق الكرة النسائية الجديد: إسبانيا، بطلة العالم. انتهت المباراة بالتعادل 1 – 1 وذهبت إلى ركلات الترجيح، لكن خلف كل ركلة، وكل دمعة، كانت هناك كاميرات، وشاشات، وأرقام ضخمة تُسجّل في صفحات التاريخ.
وبحسب شبكة The Athletic، أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، صباح الاثنين، أن ذروة المشاهدة على قنواتها بلغت 12.2 مليون مشاهد، تابعوا كل لحظة من لحظات الصراع الإنجليزي – الإسباني بحماس متصاعد. في المقابل، جمعت القناة الأولى في شبكة التلفزيون «آي تي في 1» نحو 4.2 مليون مشاهد، لتبلغ الحصيلة الإجمالية أكثر من 16 مليون مشاهد داخل بريطانيا وحدها.
ورغم أن هذا الرقم جاء أقل بنحو مليون من عدد المشاهدين في نهائي عام 2022، الذي جذب 17.4 مليون متابع عبر هيئة الإذاعة البريطانية فقط، فإن المعنيين بالبث أرجعوا الفارق إلى تقسيم التغطية بين قناتين، مؤكدين أن القلوب بقيت موحّدة رغم انقسام الشاشات.
المثير أن أعلى ذروة مشاهدة لدى قناة «آي تي في» لم تكن في النهائي، بل في نصف النهائي أمام إيطاليا، حيث سجلت 10.2 مليون مشاهد، في مشهد يذكّر بما كانت تحققه مباريات المنتخب الرجالي قبل أعوام قليلة. الأرقام تروي الحقيقة بوضوح: كرة القدم النسائية لم تعد على الهامش، بل باتت جزءاً من الحياة اليومية للبريطانيين.
الانفجار الجماهيري لم يتوقف عند الشاشات. فقد سجلت هيئة الإذاعة البريطانية ومنصاتها الصوتية، مثل الراديو الخامس وخدمته الإضافية، أكثر من 1.1 مليون مستمع، بزيادة قدرها 122 في المائة مقارنة ببطولة أوروبا 2022. أما المنصات الرقمية – مثل خدمة المشاهدة، ومنصة الرياضة، وتطبيق الأصوات – فقد جذبت 10.1 مليون حساب مسجل، بزيادة بلغت 15 في المائة عن النسخة الماضية.
لكن المفاجأة الكبرى جاءت من موقع المقاطع القصيرة، حيث جمع حساب هيئة الإذاعة البريطانية وحده أكثر من 100 مليون مشاهدة خلال البطولة، من أصل 231 مليون مشاهدة عبر جميع المنصات الاجتماعية. كرة القدم النسائية لم تعد مجرد ظاهرة مؤقتة، بل أصبحت اتجاهاً ثقافياً عميقاً يلامس المجتمع كله.
وسط هذه العاصفة، لمعت الأسماء من جديد: كلوي كيلي، التي سجلت ركلة الحسم مرة أخرى بعد أن فعلتها أمام السويد في نصف النهائي، وأليشا روسو التي عادت بقوة لتُعادل النتيجة في الشوط الثاني بعد هدف التقدم الإسباني الذي سجلته ماريوتا كالدينتي.
أما المدربة الهولندية سارينا ويغمان، فقد دخلت التاريخ من بابه العريض بتحقيقها اللقب القاري الثالث، بعد تتويجها مع هولندا عام 2017، ثم مع إنجلترا عام 2022، والآن في 2025. لم تكن مجرد مدربة، بل أيقونة تكتيكية وروحية، حولت كرة القدم النسائية في إنجلترا إلى مشروع وطني لا يُستهان به.
من جانبها، سجلت القناة الأولى الإسبانية معدل مشاهدة بلغ 6 ملايين مشاهد، بحصة 58 في المائة من إجمالي نسبة المشاهدة، وهي الأعلى في تاريخ كرة القدم النسائية على التلفزيون الإسباني. كانت المعركة على العشب، لكنها امتدت إلى العقول والقلوب في أنحاء القارة.
أرقام المشاهدة، ونسب التفاعل، وحوارات الصباح التالي، والدموع في المقاهي، والتصفيق في صالات البيوت، والصمت الذي سبق ركلة كيلي، ثم الانفجار بعدها… كل ذلك يلخص واقعاً جديداً: كرة القدم النسائية لم تعد مجرد رياضة، بل باتت لعبة أمة ورسالة جيل.
في 90 دقيقة وركلات ترجيح، كتبت إنجلترا فصلاً جديداً من المجد، بينما كانت أعين 16 مليون بريطاني لا ترمش، وقلوبهم تُراهن على كل ركلة.

