ومن اللافت أن المعرض هو الأول للفنانة التي عززت مهارتها الإبداعية في الإمارات، يستمر في استقبال محبي الفنون والمهتمين حتى 21 سبتمبر المقبل، ويحاورهم بصرياً من خلال أعمال تغطي أكثر من خمسة عشر عاماً من الممارسة الفنية، مقترحاً إعادة التقييم النقدي لمفاهيم الابتكار والاستدامة ومستقبل الأمن الغذائي، والتغييرات التي تشهدها طرق الحياة التقليدية، والآثار السلبية التي جرّتها أساليب الزراعة الصناعية، وتغير المناخ، وتسليع الأراضي.
ومن هنا، تبدو الأعمال التي يتناولها ويقدمها المعرض، كانشغالات فنية غير تقليدية.
فأعمال الفنانة لا تنشغل بالمفاهيم الجمالية المجردة، وتذهب مباشرة نحو قضايا التنمية والمعضلات الاجتماعية، وفي طريقها إلى ذلك، تحول الفن إلى أدوات بحثية.
وهنا، يمكن فهم هذا التوجه البحثي من حقيقة أن الفنانة أسونسيون مولينوس جوردو، هي في الأصل باحثة ثقافية، أي تحمل منذ الأساس في رؤيتها وذائقتها نهجاً بحثياً خالصاً، لا يتوقف كثيراً عند المفاهيم الجمالية، وهذه الحقيقة لا تقلل من شأن البعد الجمالي والفني في أعمالها التي تضمّنها المعرض، فتنوعت في تقنياتها بين الأعمال متعددة الوسائط، التي تشمل الأعمال التركيبية الكبيرة، والمواد الأرشيفية، وعروض الأبحاث، والأتربة، والرواسب، وغيرها الكثير.
معادلات قاسية
ومن حيث الرسالة الفنية، تواجه الفنانة جوردو معادلات ((التقدم)) القاسية، التي تأتي على حساب طرق الحياة التقليدية، وبدلاً من ذلك تقترح معادلات جديدة، تضع المزارعين في قلب التقدم الفكري والتكنولوجي، وتكشف عن الديناميكيات الحقيقية التي تحكم إنتاج الغذاء، واستخدام الأراضي، والاستقرار البيئي.
وفي هذا السياق، تعرض الفنانة اثنين من أهم أعمالها، تجسد هذه المفاهيم التي تحاورها وتناقشهما، وهما العملان التركيبيان: ((متحف الزراعة العالمي))، و((كما اعتدنا))، ففي العمل الأول، تستعيد جماليات المتحف الزراعي بالقاهرة، وتكشف عن التناقضات داخل الخطاب الزراعي المعاصر، من خلال المقابلة بين الروايات العلمية الرسمية والخطابات الخاصة بالمنظمات الفلاحية والدعاية والمؤسسات، لتصل إلى انتقاد أساليب الزراعة الصناعية، وتسليط الضوء على هشاشة ((التقدم)) الذي تقدمه.
وأثار هذا العمل التركيبي، الذي تبلغ مساحته 150 متراً مربعاً، لدى عرضه لأول مرة في القاهرة، الكثير من الانطباعات القوية، وهو ما أهّله عام 2015 للمشاركة في بينالي الشارقة، وحاز جائزة دورته الثانية عشرة.
ثقافة ثنائية
من جهة أخرى، يعكس عمل ((كما اعتدنا))، ثقافة الفنانة الإسبانية، فتذهب إلى محاورة أنظمة الري الأندلسية في العصور الوسطى، معولة على تشابهها مع نظام الأفلاج في الإمارات، وتتمثل فكرة ((كما اعتدنا))، في أنه عمل تركيبي من التراب المتراكم، في تقديم التاريخ بأسلوب التنقيب الآثاري، وتصوره على شكل طبقات ترابية، وتعزز ذلك بقطع خزفية منقوشة بنصوص للشاعر والمزارع ابن خفاجة، ونسخ من قطع أثرية أخرى.
وفي هذا العمل تسلط الفنانة الضوء على هشاشة التراث الزراعي، ومخاطر محو المعارف التقليدية، وتفعل ذلك من خلال مزج تربة من فالنسيا الإسبانية، بأخرى مأخوذة من الفجيرة الإماراتية.
وتم عرض هذا العمل لأول مرة في معهد فالنسيا للفن الحديث، في سياق يسعى لاستكشاف وسائل الهندسة الفلاحية في الحفاظ على المجتمعات التقليدية وازدهارها لقرون عدة، عبر المساواة في توزيع المياه، وتعزيز الانسجام الاجتماعي، وهذا ينسجم وممارسة الفنانة وأسلوبها، الذي يتمحور حول مفهوم ((المعارف الفلاحية)) بطبيعتها التراكمية، التي عمدت العلوم الزراعية الحديثة إلى تهميشها عبر التاريخ.
MENAFN13082025000110011019ID1109926144

