أظهرت دراسة طبية حديثة في بريطانيا أن آلاف المصابين بمرض التصلب المتعدد يواجهون مشكلات معرفية مؤثرة في التفكير والذاكرة والتركيز، رغم أن الكثير منهم لا يعاني من أي عجز حركي واضح، ما يكشف جانبًا غير ملحوظ من هذا المرض المزمن.
إقرأ ايضاً:“إنذار عاجل.. ‘الأرصاد’ يتوقع أمطارًا رعدية على الرياض و8 محافظات أخرى اليوم السبت””دراسة صادمة.. تأخير وجبة الإفطار ولو لساعة واحدة يزيد من خطر الوفاة المبكرة لكبار السن”
الدراسة التي نُشرت تفاصيلها عبر موقع متخصص في الأبحاث الطبية وأجرتها فرق علمية من كلية كينجز لندن وإمبريال كوليدج، اعتمدت على بيانات السجل الوطني البريطاني للتصلب المتعدد، وأكدت أن صحة الدماغ تمثل جزءًا لا يقل أهمية عن صحة الجسد في متابعة المرض وتطوره.
وأشار الباحثون إلى أن ما بين أربعين وسبعين في المئة من المرضى يشتكون من صعوبات يومية في التذكر أو التركيز أو أداء المهام الذهنية البسيطة، بينما لا يتم تسجيل هذه الأعراض بدقة في التجارب السريرية المعتادة التي تركز بشكل أساسي على الجانب الحركي.
شملت الدراسة أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة مريض خضعوا لاختبارات معرفية إلكترونية عبر منصة متخصصة تدعى كوغنترون، واستغرقت الاختبارات نحو أربعين دقيقة لكل مشارك، ما أتاح قياس القدرات الذهنية بشكل موضوعي ومنظم.
النتائج كشفت عن أربع فئات من المرضى بحسب أدائهم في هذه الاختبارات، وكان أبرزها فئة بدت سليمة تمامًا من الناحية الجسدية لكنها أظهرت ضعفًا معرفيًا واضحًا لدى ما يقارب نصف أفرادها، وهو ما يسلط الضوء على فجوة كبيرة في طرق التشخيص التقليدية.
وأكدت الفرق البحثية أن هذا النمط من التصلب المتعدد لا يلتقطه التقييم السريري المعتاد، مما يجعل المريض في كثير من الحالات غير مدرك لطبيعة ما يعانيه، كما قد يؤدي إلى تقليل تقدير حجم التحديات التي يواجهها في حياته اليومية.
وشدد الباحثون على أن صحة الدماغ ينبغي أن تُدرج في التعريف الطبي لتطور التصلب المتعدد إلى جانب القدرة على الحركة، فالمرض لا يقتصر على العضلات أو التوازن، بل يمتد ليؤثر على التفكير والذاكرة وصنع القرار.
وأوضح الأطباء أن تجاهل هذه الجوانب قد يحرم المرضى من خطط علاجية متكاملة، حيث إن التقييم القائم فقط على الحركة لا يكشف سوى نصف الصورة، فيما يظل الجانب المعرفي غير مرصود بشكل كاف.
ويرى الخبراء أن إدراج اختبارات معرفية روتينية ضمن الممارسات الطبية سيساعد على فهم أعمق للمرض، وسيتيح للأطباء تصميم برامج علاج وتأهيل أكثر شمولية، تأخذ في الاعتبار الصحة العقلية والقدرات الذهنية إلى جانب الحركة.
كما أشاروا إلى أن ضعف الإدراك قد يعيق قدرة المريض على العمل أو إدارة حياته اليومية، حتى وإن كان قادرًا على الحركة بشكل جيد، وهو ما يطرح تحديات اجتماعية واقتصادية لا تقل أهمية عن التحديات الصحية.
وبحسب الدراسة، فإن تحسين رصد الأعراض المعرفية قد يسهم في تطوير الأدوية الموجهة لعلاج هذا الجانب من المرض، فحتى الآن تركز معظم العلاجات على تقليل الانتكاسات الجسدية أو الحد من الالتهابات العصبية.
ويؤكد الباحثون أن الجمع بين بيانات الإدراك والبيانات الحركية سيخلق صورة أوضح للمرض، ويساعد على تحديد الفروق الفردية بين المرضى، ما يمهد الطريق لبرامج علاج شخصية تستجيب لاحتياجات كل حالة على حدة.
ويأمل القائمون على الدراسة أن تسهم هذه النتائج في تغيير النظرة التقليدية للتصلب المتعدد، بحيث يتم التعامل معه كمرض يؤثر على الدماغ والجسد معًا، لا كحالة عصبية مرتبطة فقط بالحركة والعضلات.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة تمثل بداية نحو إدماج الصحة العقلية والمعرفية في إطار الرعاية الطبية المتكاملة لمرضى التصلب المتعدد، بما يضمن لهم فرصًا أفضل في الحفاظ على جودة حياتهم وقدرتهم على الاستقلالية.

