خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن أن الحرب الروسية الأوكرانية “لم تعد تهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة”، مبددا الرعب النووي، وفاتحا في الوقت نفسه بابًا واسعًا أمام التساؤلات حول حقيقة تراجع نذر الحرب العالمية الثالثة.
وشدد الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة على أن العلاقات الجيدة مع روسيا والصين أفضل من الصراع معهما، في إشارة واضحة إلى رغبته في تخفيف حدة المواجهة العسكرية، واللجوء إلى وسائل دبلوماسية واقتصادية.
وذكر ترامب أن الأزمة “طالت أكثر مما يجب” وأن تسويتها لم تعد بعيدة، وهو ما يعكس نزعة نحو اختصار زمن الحرب عبر طاولة التفاوض لا عبر ساحات القتال.
ميدانيا، لا يبدو أن الواقع يترجم هذه الرؤية المتفائلة، خاصة أن الهجمات بين روسيا وأوكرانيا تتواصل، وحرب المسيّرات باتت عنصرًا يوميًا في المشهد العسكري، في حين أن الرهان الأمريكي الحالي يقوم على أن الاقتصاد والدبلوماسية قد يشكلان خط الدفاع الأخير ضد مواجهة كبرى، ولو مؤقتًا.
أثر ترامب
الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، قال إن هناك عددًا من المؤشرات التي تؤكد أن خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة قد تراجع أخيرًا.
وتابع القليوبي في تصريحات لـ”إرم نيوز”: “أول هذه المؤشرات هو التغير في الإدارة الأمريكية، وأن الرئيس دونالد ترامب لا يحبذ الدخول في صدام مباشر مع روسيا، ولكن الأهم أن الغرب، دون الولايات المتحدة، لا يملك القدرة على مواجهة روسيا منفردًا، لا عسكريًا ولا سياسيًا”.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة أظهرت غياب حالة الإجماع الغربي على خيار المواجهة مع روسيا، وكان أبرز دليل على ذلك الحادثة التي اخترقت فيها مسيرات روسية الأجواء البولندية، دون أن يكون هناك رد فعل جاد أو حاسم من أوروبا، ما يعكس ترددًا واضحًا في الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
وأكد القليوبي أن “التاريخ يعلمنا أنه كلما اقتربت القوى العظمى من حافة المواجهة المباشرة، يحدث نوع من التهدئة الاستراتيجية”.
واستشهد بأزمة الكاريبي عام 1962، التي كادت تقود إلى حرب نووية، قبل أن تنتهي بتفاهمات واتصالات مباشرة بين واشنطن وموسكو، ثم مرحلة من الانفراج وزيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى موسكو بعد سنوات قليلة.
وأضاف القليوبي أن التوازنات الدولية اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وأن المصالح الاقتصادية والتشابكات السياسية تمنع الانزلاق إلى صراع مفتوح، خاصة مع الانكماش الاقتصادي الذي يعاني منه الغرب بعد أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا.
استنزاف كبير
من جانبه، أكد مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إيفان يواس، أن الحديث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة كان قائمًا على افتراض أن الجيش الروسي يُعد ثاني أقوى جيش في العالم، إلا أن فشل روسيا في حسم الحرب في أوكرانيا بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف على بدايتها أثار شكوكًا جدية بشأن هذه الفرضية.
وأوضح في تصريحات لـ”إرم نيوز” أن الاستنزاف الكبير في القدرات العسكرية الروسية يضع علامات استفهام حول قدرتها على خوض أو حتى بدء صراع عالمي واسع النطاق.
وأشار يواس إلى أن وتيرة تقدم القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية تباطأت بشكل واضح خلال شهر أغسطس آب 2025، رغم استمرار الهجمات الروسية وتحقيقها بعض النجاحات المحدودة.
وأكد أن من المبكر الحديث عن قرب نهاية الحرب، بل إن التقديرات الحالية تشير إلى أن الصراع سيستمر حتى عام 2026 وربما يمتد إلى عام 2027.
وفي تحليله للمشهد العسكري والسياسي، أوضح يواس أن طول أمد الحرب يكشف عن خلل بنيوي في الاستراتيجية الروسية، سواء على مستوى التنسيق العسكري أو الدعم اللوجستي، إضافة إلى العزلة الدولية المتزايدة التي تواجهها موسكو.
ورأى أن المقاومة الأوكرانية، المدعومة بدعم غربي متواصل، باتت أكثر تنظيمًا وفاعلية، ما أضعف قدرة روسيا على تحقيق انتصار حاسم، متوقعًا أن تتحول الحرب إلى صراع استنزاف طويل الأمد مع بقاء خطوط المواجهة غير محسومة.

