كتب: د.أسامة بدير من قلب قرية المرازيق بمركز البدرشين في محافظة الجيزة، يتجدد كل عام موسم حصاد التمور، ليكشف عن دورة حياة اقتصادية واجتماعية وصناعية متكاملة، تتجاوز كونها مجرد عملية زراعية، لتصبح نشاطًا استراتيجيًا يسهم في دعم الأمن الغذائي ويعكس أصالة الريف المصري.
الزراعة والإنتاج
تُعد مصر من أكبر دول العالم إنتاجاً للتمور، إذ تحتل المرتبة الأولى عالمياً بمتوسط إنتاج يقترب من 1,8 مليون طن سنوياً، أي ما يقارب 18% من الإنتاج العالمي. وتساهم قرى محافظة الجيزة، ومنها المرازيق، بنصيب وافر من هذا الإنتاج، حيث تضم آلاف أشجار النخيل التي تتحول خلال شهور الخريف إلى مصدر رزق رئيسي لعشرات الأسر.
ويؤكد مزارعو المرازيق أن العمل يبدأ مبكراً من صعود النخيل لجمع الثمار، مروراً بفرزها وفقاً للجودة، وصولاً إلى التعبئة، في عملية تعتمد بشكل أساسي على الأيدي العاملة المحلية، وتشكل مصدر دخل مستدام لأبناء القرية.
حجم الإنتاج في الجيزة والبدرشين
تشير إحصائيات رسمية إلى أن محافظة الجيزة جاءت في الصدارة ضمن محافظات مصر المنتجة للتمور، بإنتاج يصل إلى 262,1 ألف طن خلال الموسم الأخير، من إجمالي الإنتاج المصري الذي بلغ حوالي 1,8 مليون طن، ما يعكس أهمية دور الجيزة في قطاع التمور المصري.

أما في مركز البدرشين تحديداً، فتُقدر أعداد أشجار النخيل في قرى مثل المرازيق بأكثر من مليون نخلة، وتُبلغ الإنتاجية لكل نخلة ما بين 100 إلى 120 كيلوجراماً تقريباً سنوياً، وهو ما يجعل المركز من المراكز الزراعية البارزة في التمور داخل الجيزة.
البعد الاقتصادي
لا يقتصر موسم التمور على كونه مصدر رزق للفلاحين فقط، بل يمثل حلقة مهمة في سلسلة القيمة الزراعية، تبدأ من المزرعة وتنتهي إلى المستهلك المحلي وأسواق التصدير.
فبحسب إحصاءات وزارة التجارة والصناعة، تجاوزت صادرات التمور المصرية حاجز 60 ألف طن سنوياً، لتصل إلى أكثر من 45 دولة، بعائدات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وتُعد الأسواق العربية والأفريقية الوجهة الرئيسية للتمور المصرية، بينما تعمل الدولة على فتح أسواق جديدة في أوروبا وآسيا لتعزيز تنافسية المنتج.
البعد الصناعي
شهدت صناعة التمور تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مع دخول تقنيات الفرز والتعبئة الحديثة وإنشاء مجمعات صناعية متخصصة في الوادي الجديد والواحات البحرية.
وتسعى الدولة لزيادة القيمة المضافة عبر تصنيع منتجات ثانوية مثل عجوة التمر، دبس التمر، أعلاف النوى، والخل الطبيعي، وهو ما يفتح فرصاً جديدة أمام الصناعات الغذائية والتصديرية.
وفي المرازيق، بدأت بعض الورش الصغيرة في إدخال أساليب حديثة للتعبئة، بما يتوافق مع متطلبات الجودة العالمية، تمهيداً لدخول المنتج المحلي في سلاسل التوريد الدولية.
البعد الاجتماعي
يظل موسم التمور مناسبة اجتماعية تجمع الأسر والأجيال، حيث يشارك الرجال والنساء والشباب في مختلف مراحل العمل، ما يخلق روحاً من التضامن والتكاتف بين أبناء القرية.

وتمثل هذه المشاركة عاملاً مهماً في تقليل معدلات البطالة الموسمية، إذ يوفر الموسم آلاف فرص العمل المؤقتة للعمالة الريفية، فضلاً عن كونه مصدر دخل إضافي يعزز الاستقرار الأسري والاجتماعي.
البعد البيئي
يُعرف نخيل التمر بقدرته العالية على التكيف مع الظروف المناخية القاسية، واعتباره حائط صد طبيعي في مواجهة التصحر. كما أن زراعة التمور تسهم في استصلاح الأراضي الجديدة وتوسيع الرقعة الزراعية.
وإلى جانب ذلك، فإن مخلفات النخيل تُستغل صناعياً في إنتاج الأخشاب المضغوطة وأعلاف الحيوانات، مما يقلل من معدلات الفاقد ويعزز الاستدامة البيئية.

آفاق مستقبلية
يؤكد خبراء الزراعة أن التوسع في زراعة التمور وتطوير سلاسل القيمة المرتبطة بها، يمثل فرصة ذهبية لمصر لتعزيز صادراتها الزراعية ورفع قدرتها التنافسية عالمياً.
ويطالب المنتجون في المرازيق بدعم أكبر من الدولة في مجالات التدريب على الممارسات الجيدة، وتوفير قنوات تسويقية حديثة، فضلاً عن الاستثمار في التصنيع الزراعي لزيادة القيمة المضافة.
الخلاصة:
موسم التمور في المرازيق ليس مجرد حصاد موسمي، بل هو قصة نجاح تعكس تداخل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والبيئية، وتجسد نموذجاً للقرية المصرية التي تتحول جهود أبنائها إلى قيمة مضافة تعزز الاقتصاد الوطني وتدعم الأمن الغذائي.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.


