نشر الكاتب ساري عرابي مقالاً تناول فيه المرحلة الجديدة من الحرب على غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن “إسرائيل” لم تلتزم بالاستحقاقات المترتبة عليها، بل حولتها إلى أدوات ضغط وابتزاز سياسي ضد الفلسطينيين، بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية.
وأوضح عرابي في مقاله المنشور على موقع عربي21 أن “إسرائيل” سمحت بدخول نحو 1000 شاحنة مساعدات فقط منذ بدء وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول/أكتوبر وحتى 26 من الشهر نفسه، بينما يحتاج القطاع إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا. وخلال هذه الفترة استشهد 93 فلسطينيًا وأصيب 324 آخرون، ما يشير إلى استمرار نمط العدوان وإن تغيّر شكله.
وبيّن أن هذه المرحلة تهدف إلى فرض واقع جديد في غزة شبيه بالهيمنة الأمنية الإسرائيلية المفروضة في الضفة الغربية ولبنان وسوريا.
خرافة الخلاف الأمريكي – الإسرائيلي
ونفى الكاتب وجود أي خلاف حقيقي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، مؤكدًا أن الحديث الإعلامي المتكرر عن “توتر بين البيت الأبيض ونتنياهو” مجرد تضليل لتغطية الدعم الأمريكي المفتوح للإبادة.
وأشار إلى أن إدارة بايدن اكتفت بخطوات رمزية كوقف نوعٍ محددٍ من شحنات القنابل، لكنها واصلت تمويل الحرب وتوفير الأسلحة. كما تجاوزت الكونغرس أكثر من مرة لتسريع توريد العتاد العسكري لـ”إسرائيل”.
ونقل عرابي عن معهد “واتسون” بجامعة براون أن واشنطن تكفلت بنسبة 70% من تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، ما يثبت – حسب قوله – أن الشراكة بين الجانبين كانت تامة، دون أي خلاف جوهري.
فرصة جديدة للإبادة
ولفت الكاتب إلى أن العام 2025 منح “إسرائيل”، بدعم من إدارة ترامب، فرصة جديدة لإعادة إنتاج الإبادة الجماعية بعد تنصّلها من اتفاق كانون الثاني/يناير واستئناف القصف في تموز/يوليو ضمن ما سمّي “عملية عربات جدعون 2”.
وأوضح أن الاتفاق الأخير بين الجانبين لم يكن سوى امتدادٍ للسياسة الأمريكية السابقة، إذ سمح لنتنياهو بتحسين شروطه السياسية والعسكرية دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين، مؤكدًا أن الضامن الأمريكي لم يلتزم بوعوده بضمان استمرار المفاوضات أو تنفيذ بنود الاتفاق السابق.
خطة إعمار بشروط الاحتلال
وقال عرابي إن “إسرائيل” سعت في هذه المرحلة إلى صفقة شاملة تهدف إلى إنهاء الإبادة شكلاً، مع استمرار السيطرة على غزة عمليًا. واستندت الصفقة إلى عمليات “عربات جدعون 2” التي دمّرت مدن القطاع وشرّدت سكانها، لتُستخدم لاحقًا كورقة ضغط على المقاومة.
وأشار إلى أن الخطة الأمريكية – الإسرائيلية تضمنت إشرافًا مباشرًا على مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا في منطقة رفح، عبر مليشيات محلية مدعومة من أطراف عربية، لتصبح نموذجًا لما تسميه واشنطن “اليوم التالي في غزة”.
تسويق الخطة
وبحسب المقال، عملت إدارة ترامب على توفير غطاء سياسي عربي وإسلامي للخطة عبر ثماني دول، بينها تركيا، باكستان، وإندونيسيا، لتبدو وكأنها تمثل موافقة مليار مسلم على الاتفاق.
وأوضح الكاتب أن الهدف من هذا الترتيب كان عزل حركة حماس وإظهارها بمظهر الرافض الوحيد للسلام، ما يسمح بتصويرها في الإعلام كجهة معزولة حتى في العالم الإسلامي.
ونقل عن نتنياهو قوله في هذا السياق: “أرادوا عزلنا فعزلناهم”، في إشارة إلى نجاح “إسرائيل” في قلب المشهد السياسي والإعلامي لصالحها.
ترتيب مشترك لا خلاف
وأكد عرابي أن الانتقال من الإبادة المفتوحة إلى ما يسمى “وقف الإبادة” لم يكن نتيجة ضغط أمريكي على “إسرائيل”، بل نتاج تنسيق مشترك بين الطرفين لوضع حدٍّ شكليٍّ للحرب التي فقدت جدواها السياسية.
وأوضح أن هذا التغيير لا يعني نهاية العدوان، بل بداية مرحلة جديدة من إعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية بوسائل سياسية واقتصادية، وبغطاء دولي وإقليمي واسع.
ويخلص مقال الكاتب إلى أن “إسرائيل” لم توقف الإبادة، بل غيّرت أدواتها، مؤكدا أن الولايات المتحدة شاركت فعليًا في تمويل وتغطية العدوان، فيما خطة ترامب أعادت إنتاج الاحتلال بثوب “صفقة سلام شاملة”.

