أبو بكر سيد أحمد: الفن السوداني بين الذاكرة والمقاومة في زمن الحرب
في ظل واقع سوداني يتقاطع فيه الانهيار السياسي والاقتصادي مع النزيف الإنساني، يطلّ الفنان أبو بكر سيد أحمد بوصفه صوتًا مقاومًا في زمن التشظي، مؤمنًا بأن الأغنية ليست ترفًا ولا هروبًا، بل فعل وعي وموقف. في حوار صريح، يتحدث عن تجربته الفنية، وعن معنى أن تكون فنانًا في وطن تتكسّر فيه الأصوات قبل أن تكتمل الجملة الموسيقية.
مسيرة فنية
يصف أبو بكر سيد أحمد مسيرته الفنية بأنها بطيئة ولكنها راسخة، مشيرًا إلى رضاه التام عن الأداء النوعي الذي يقدمه، سواء من خلال إعادة إحياء الأغاني القديمة أو تقديم أعمال جديدة تحمل رؤى تجديدية. ويؤكد أن الغناء في زمن الهرجلة والاستسهال بات تحديًا، حيث أصبح بإمكان أي شخص أن يغني دون امتلاك أدوات الفن الحقيقية، ما يجعل الطريق أكثر تعقيدًا أمام الفنانين الذين يسعون إلى تقديم إضافة حقيقية للمشهد الفني السوداني.
مشروع خاص
يرى أبو بكر نفسه صاحب مشروع فني مستقل، رغم احترامه للجيل السابق من الفنانين. ويشير إلى أنه لحّن وأدّى عددًا من الأغاني الخاصة التي فازت في مهرجانات متعددة، معتبرًا أن الفنان الذي لا يحمل رؤية تجديدية ولا يضيف شيئًا جديدًا لا مبرر لوجوده. ويؤمن بأن الحفاظ على التراث الغنائي لا يتعارض مع ضرورة تقديم مشروع فني خاص، لأن الرؤية الشخصية هي التي تصنع اسم الفنان وتمنحه هويته الحقيقية.
أزمة الأغنية
يتحدث أبو بكر عن حال الأغنية السودانية اليوم بوصفها تمر بمنعطف خطير، شأنها شأن الاقتصاد والصحة والسياسة والأمن في البلاد. ويعبر عن أسفه لتزايد اللغط والغثاء الفني، وظهور من وصفهم بأدعياء الانحطاط الذين يعكسون محمولات المرحلة الراهنة. ويأمل أن تستعيد الأغنية السودانية عافيتها، وأن يُكرم السودان بالخروج من هذه المهالك التي أثّرت على وجدان الناس وهويتهم الثقافية.
وعي فني
يؤكد أبو بكر أن الفنان الواعي هو من يدرك قضايا شعبه ويقدم ما يصلح مجتمعه، وليس من يستجيب لكل ما يطلبه الجمهور. ويشدد على أن موقفه الفني هو موقف نصيحة، وليس انحيازًا لأي طرف من أطراف الحرب. ويعتبر أن الحرب ليست بين الجيش والدعم السريع، بل بين الدعم السريع والكيزان، وأن القوات المسلحة جُرّت إلى الحرب. ويؤمن بأن الفنان يجب أن يكون صوتًا للحياة، لا تابعًا للصراع السياسي أو العسكري.
أصالة وتجريب
يرى أبو بكر أن لا تعارض بين الأصالة والتجريب، فالفن بطبيعته يسعى إلى الابتكار. ويؤمن بأن الفنان يجب أن يكون شجاعًا في تقديم أساليب جديدة، لأن ذلك هو ما يصنع القيمة المضافة للعمل الفني. ويؤكد أن التمسك بالأصالة لا يعني الجمود، بل يمكن أن يتجدد من داخل النمط نفسه، بشرط أن يحمل الفنان رؤية واضحة ومبادئ فنية راسخة.
أثر الحرب
يتحدث أبو بكر عن تأثير الحرب على حياته الشخصية والفنية، مشيرًا إلى أن الحرب لم تستثنِ أحدًا، وأنه فقد أرواحًا عزيزة واضطر إلى اللجوء القسري والابتعاد عن الأحبة. ويصف كيف ألقت هذه الظروف بظلالها على لغته الفنية، التي أصبحت أقرب إلى البكائية، رغم محاولاته المستمرة لإعادة التوازن. ويؤمن بأن الغناء للحب والجمال والفضيلة هو المعادل الموضوعي لما يعيشه السودانيون من ألم، رغم الضغوط النفسية الثقيلة التي يواجهها الجميع، والفنان بشكل خاص.
مقاومة فنية
يعتبر أبو بكر أن الفن يجب أن يكون وسيلة مقاومة في زمن الحرب، مقاومًا لفكرة الحرب نفسها. ويؤكد أن الفنان الواعي لا يدعم الموت أو الصراع، بل يدعو إلى قيم الحياة والنماء. ويشدد على أن رسالة الفنان في كل زمان ومكان هي “لا للحرب”، وأن هذا الموقف يمثل ميثاقًا عالميًا اتفق عليه الفنانون حول العالم، بعيدًا عن تفاصيل الخصومة السياسية أو العسكرية.
رسالة وطنية
يوجه أبو بكر رسالة إلى السودانيين داخل الوطن وخارجه، داعيًا إلى رفع الغشاوة عن العقول حتى لا يتحزب الناس ضد بعضهم البعض. ويعبّر عن أمنيته بأن يدرك الشعب السوداني أن الحرب لا رابح فيها، وأن البلد هو الخاسر الأول. ويصف الفقد بأنه يبدأ من فقدان الوجدان والضمير، ثم يمتد إلى فقدان الأجساد، داعيًا إلى وعي جماعي يرفض الحرب ويعيد للسودان إنسانيته وسلامه.
دور الفن
يرى أبو بكر أن الفنان لا يملك سوى أدواته الفنية للمساهمة في تحقيق السلام، وأن عليه توظيف المسرح والسينما والتلفزيون والفنون التشكيلية لمواجهة القبح وسفك الدماء. ويؤمن بأن التغني بالسلام ليس مجرد شعار، بل فعل يومي يجب أن يستمر حتى يتحقق، وأن الفنان يستطيع أن يكون جزءًا من هذا المسار من خلال أعماله ومواقفه.
صور الوجع
يختتم أبو بكر حديثه باستحضار صور أهله في الفاشر، الذين مزّقت الحرب أرواحهم دون ذنب، مشيرًا إلى البراءة التي تُقتل يوميًا في السودان، والزرع والضرع الذي يُقصف أمام الأعين. ويؤكد أنه سيواصل الغناء للسلام في كل مكان، وأنه سيبكي كما يغني، لأن دارفور تنزف منذ عام 2003، وأن الحرب كشفت حجم الفقد الذي لم يكن يدركه كثيرون. ويأمل أن تنتهي هذه الحرب، وأن يُسبغ الله على السودانيين نعمة الأمن والاستقرار.

