قال المتحدث باسم اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، ياسر الفرحان، إن المحاكمة العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل، والتي بدأت اليوم الثلاثاء، في مدينة حلب شمال سوريا، تشمل المسلحين المعتقلين المرتبطين بنظام بشار الأسد المخلوع والمتورطين بالأحداث والشائع تسميتهم بـ«الفلول»، وكذلك المعتقلون المتهمون بالانتهاكات بحق المدنيين.
ولفت الفرحان، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن القضاء العسكري أصبح قضاء عادياً تابعاً لمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، ولم يعد قضاء استثنائياً يتبع وزارة الدفاع كما كان سابقاً.
وأوضح أن اختيار مدينة حلب مقراً لمحاكمات المعتقلين من فلول النظام السابق المتورطين بالأحداث، وكذلك المعتقلون المتهمون بالانتهاكات بحق المدنيين، جاء بحكم أن محكمة حلب «محكمة مركزية» تشمل المنطقة الساحلية، بحسب التقسيمات الإدارية السابقة.
لكن الفرحان ذكر أنه من الممكن أن «تكون هناك محاكمات في محافظات أخرى، إذا كان هناك اختصاص ثانٍ ليس بعسكري».
ورداً على سؤال حول عدد المتهمين المحالين للمحاكمة، وإن كان بينهم أشخاص من الفصائل الموضوعة على العقوبات الأوروبية، ذكر الفرحان أن «التصريح عن الأسماء والأعداد منوط بالسلطة القضائية التي هي من تقدر متى وكيف تعلن الأسماء؛ لأن الموضوع يتعلق بحقوق المتهمين وبإجراءات العدالة».
وذكر أنه في مرحلة التحقيقات في كل دول العالم، تبقى التفاصيل سرية لأسباب واعتبارات متعددة، تتعلق بحقوق الضحايا ومنع تواري البعض عن العدالة وحقوق المتهمين.

وأوضح الفرحان أن المحاكمات في دول العالم، ومنها الأوروبية، تمر فترة أشهر وربما سنوات، ولا أحد يعرف من هم المتهمون ولا أي شيء عن الأدلة والمجريات، ولا في أي مسارات يذهب التحقيق، ولا متى سينتهي، مشيراً إلى أنه عندما تصل الأمور إلى مرحلة المحاكمة، فإن الأصول المتبعة أن تكون المحاكمة علنية.
وقال: «كما يرى الجميع، نحن وصلنا إلى نتيجة مرضية والتي تعدّ إنجازاً وطنياً، والمحاكمات الآن علنية، سمح لعائلات الضحايا من الطرفين سواء كان من أهالي عناصر الأمن والجيش الذين تعرضوا لاعتداءات وقتلوا في الأحداث، أو من أهالي المدنيين الذين تعرضوا لانتهاكات وقتلوا، التدخل في الدعوى، ويمكن للقاضي هنا أن يتوسع في لائحة المتهمين، وأن يضيف أشخاصاً آخرين قد يكونون شركاء ومتدخلين ومحرضين ويمكن العكس أيضاً».
ولفت الفرحان إلى أن المحاكمة العلنية أيضاً تسمح وتضمن توفُّر ضمانات كافية للمتهمين بالدفاع عن كل متهم عبر محامٍ يوكله، أو أن المحكمة تعين محامياً للمتهم.

وانتهت، ظهر الثلاثاء، في قصر العدل بمدينة حلب، أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل مطلع مارس (آذار) الماضي.
وترأس الجلسة بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، القاضي زكريا بكار، رفقة المستشارين حسين الشريف وأحمد مخلص المحمود، وشمل القسم الأول منها محاكمة 7 موقوفين من فلول النظام السابق بتهم إثارة الفتنة الطائفية والسرقة، والاعتداء على قوى الأمن الداخلي وقوات الجيش العربي السوري.
وعلق القاضي جلسات محاكمتهم إلى الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. فيما شمل القسم الثاني محاكمة 7 من العناصر المنفلتة المتهمين بجرائم سرقة وقتل، وتم تعليق جلسات محاكمتهم إلى الخامس والعشرين من الشهر نفسه.

من جهته، أكد مدير إعلام حلب، عبد الكريم ليلة، أن هذه الجلسة تمثل سابقة بعد تحرير سوريا، حيث دعيت وسائل الإعلام العربية والدولية لمواكبة الجلسة، ما يعكس حرص الحكومة على تحسين واقع الشفافية والمصداقية في قطاع القضاء.
وتضمنت الجلسة، التي جرى نقلها عبر قناة «الإخبارية» السورية، محاكمة أشخاص بتهمة الانتماء إلى النظام السابق والتواصل مع أشخاص وضباط في النظام السابق، بينهم الضابط أحمد صالح وهو من عناصر الحرس الجمهوري.

ورفض أحد المستجوبين من قبل القاضي الاعترافات التي وردت في عريضة الدعوة، قائلاً إنها « انتزعت منه تحت التعذيب»، بينما قال أحد المستجوبين إنه قام بتصوير مقطع فيديو يقول فيه إن لديه 700 عنصر «بناء على طلب من شخص يدعى أبو حسن الحلبي يعيش في لبنان». كما قال أحد المستجوبين، إنه كان يعمل سائقاً لدى ضابط روسي لا غير.
هذا وقد حضر المحاكمة، التي تعدّ الأولى من نوعها في سوريا، العديد من أهالي الضحايا، وانتشرت قوات الأمن العام بشكل مكثف في محيط القصر العدلي بحلب.
وتقول مصادر في وزارة العدل السورية، إنه ستكون هناك محاكم علنية أخرى للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم في أحداث الساحل السوري، وعددهم أكثر من 560 متهماً، إضافة إلى محاكمات أخرى بحق متهمين ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري على مدى 14 عاماً.
وكانت اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث الساحل السوري قد أعلنت أن أولى الجلسات العلنية لمحاكمة المتهمين بارتكاب الانتهاكات هي خطوة تعد الأولى من نوعها منذ سقوط النظام السابق.
وقال رئيس اللجنة، القاضي جمعة العنزي، في منشور على منصة «إكس»، مساء السبت، إن المحاكمات ستكون مفتوحة أمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، مؤكداً أن بدء الجلسات يمثل محطة مهمة لذوي الضحايا وكل المعنيين بمسار العدالة.
وشهدت أحداث الساحل السوري، التي اندلعت في السابع من مارس الماضي، أعمال عنف راح ضحيتها المئات من المدنيين وعناصر من الأمن العام وقوات وزارة الدفاع وعناصر من النظام السابق، إضافة إلى حرق منازل مدنيين.

