نظّمت لجنة الفنون والثقافة بالمجلس القومي للمرأة ندوة بعنوان العنف الإلكتروني ضد المرأة ومهارات النجاة جروح بلا ندبات، وذلك بحضور المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس، والدكتورة إيناس عبد الدايم عضو المجلس ومقررة اللجنة ووزير الثقافة الأسبق، والدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الأسبق، وعدد من عضوات وأعضاء اللجنة، إلى جانب طالبات وطلاب من جامعات عين شمس وحلوان والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.
في كلمتها، أكدت المستشارة أمل عمار أن هذه الحملة العالمية ليست مجرد نشاط توعوي، وإنما هي تجديد سنوي للالتزام بحماية كل امرأة وفتاة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، وبخاصة العنف الإلكتروني الذي بات يمثل أحد أخطر التحديات المعاصرة.
وأشارت إلى أن العنف الإلكتروني لا يقتصر على الرسائل المسيئة أو التنمر أو انتهاك الخصوصية، حيث يمتد أثره ليصيب نفسية المرأة وأسرتها ومحيطها الاجتماعي، ويقوّض شعورها بالأمان في الفضاء الرقمي.
كما أكدت أن الدولة المصرية، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولت قضايا حماية وتمكين المرأة أولوية متقدمة، ومن ضمنها مواجهة العنف الإلكتروني. وشدّدت على أن الفنون والثقافة ليست ترفًا، بل قوة ناعمة قادرة على تشكيل الوعي المجتمعي ومواجهة خطاب الكراهية والتحرش والتنمر الرقمي، عبر تأثيرها الممتد في السينما والمسرح والموسيقى والأدب والفنون البصرية.
وأعربت المستشارة أمل عمار عن سعادتها بمشاركة قامات رفيعة من المبدعات والرموز الثقافية، مؤكدة أن وجودهن رسالة دعم قوية تُعزّز دور الثقافة والفن في حماية الفتيات وتعزيز وعي المجتمع بمخاطر الفضاء الإلكتروني كما شدّدت على أهمية بناء شراكات واسعة تشمل المؤسسات الثقافية والفنية، والجامعات، ووسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والأسرة والمدرسة، لمواجهة هذا النوع من العنف.
واختتمت كلمتها بتقديم الشكر لكل فنانة ومثقفة ومبدعة جعلت من فنها صوتًا للمرأة، ومن ثقافتها جسرًا للدعم والحماية. وباسم المجلس القومي للمرأة، جدّدت الالتزام بمواصلة العمل على حماية نساء مصر وفتياتها، في الواقع وفي الفضاء الإلكتروني، حتى تنعم كل امرأة بالأمان والكرامة والاحترام.
جانب من الندوة
جلسة حوارية
ولأن الأدب والفن يملكان ما لا يملكه غيرهما: وهي القدرة على تحويل الجرح إلى معنى، والخوف إلى لغة مفهومة، شهدت الفعالية جلسة حوارية تناولت دور الأدب والسينما والدراما في مكافحة العنف الإلكتروني، أدارتها الدكتورة جهاد محمود عواض أستاذ الأدب المقارن والنقد الأدبى الحديث المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس ، وعضوة اللجنة . وشاركت فيها الدكتورة ميرفت أبو عوف، عميدة كلية الفنون البصرية و الإبداع بجامعة إسلسكا، والفنانة وفاء الحكيم، والدكتورة ثناء هاشم الأستاذة بالمعهد العالي للسينما والروائية والكاتبة المصرية الأستاذة هالة البدرى التى تناولت دور الأدب فى توثيق ومقاومة العنف ضد المرأة بين الأدب المصرى والأدب الصربي.
وتناولت الدكتورة جهاد محمود عواض فى كلمتها عرضا متمثلا فى مقارنة بين كاتبة مصرية وكاتبة صربية وتناولهما للعنف ضد المرأة مؤكدة أن ثقافة العنف لا تقتصر على ثقافة بعينها وإنما منتشرة فى كل الثقافات حتى الثقافة الصربية.
التعليم والذكاء الاصطناعي
وأكدت الدكتورة ميرفت أبو عوف ضرورة إدماج الوعي الأكاديمي بمخاطر الذكاء الاصطناعي – والذي قذ يوظف في العنف الإلكتروني – في التعليم منذ المراحل المبكرة، مشيرة إلى أن التكنولوجيا الحديثة تنطوي على مخاطر حقيقية تستدعي استعدادًا أكاديميًا وإعلاميًا وأسريًا متكاملًا لمواكبة سرعة التطور التقني.
وتناولت الفنانة وفاء الحكيم في كلمتها الدور المحوري للدراما باعتبارها فنًا مرئيًا يعكس الواقع ويؤثر فيه، مشيرة إلى أن المجتمع يشهد حالة من الازدواجية الثقافية رغم ما تحققه الدولة من تقدم وإنجازات.
وأكدت أن تعزيز ثقافة احترام الاختلاف ضرورة لحماية فئات ذوي الهمم من العنف والتنمر، داعية إلى إعادة المجتمع إلى قيم تقبّل التنوع والاختلاف واستعرضت الدكتورة ثناء هاشم تأثير الفن عبر التاريخ، موضحة أن الفن يؤثر على المجتمع بالتراكم، وأن السينما المصرية شهدت ريادة نسائية منذ بداياتها. وأكدت أن التحديات الحالية تتطلب أعمالًا فنية تُصنع بحب وإيمان بدور الفن الوطني، خاصة في ظل قوة العادات والتقاليد.
تكريم رائدات الفن
جاءت فقرة التكريم لتحتفي برائدتين أسهمتا في تشكيل وتغيير وعي المجتمع بقضايا المرأة الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسي صاحبة مشروع مهني متكامل، لا مجرد قلم لامع وريشة زاهية، والتي تنتمي إلى الجيل الذهبي، وهي مؤسسة مجلة “نِصف الدنيا” عام (1993) التي صنعت تحولا فارقا في مفهوم مجلة المرأة لتجعلها لكل الدنيا.. صحافة مجتمعية مؤثرة بمعيار لغوي رفيع وذائقة راقية وصاحبة الحضور المبدع في “الأهرام” بمقالات ترسم المجتمع بتفاصيله الدقيقة، وتكشف ما تحت السطح، فتُحدث تغييرًا عميقًا هادئًا. وكاتبة مسلسل “حكايات هو وهي” عام (1985)؛ العمل الذي أعاد تعريف الحوار بين “هو” و“هي” على الشاشة بجدية وأناقة، وفتح بابًا لنقد العلاقة بوعي فني وأخلاقي.. نحتاجه اليوم كثيرا وفي إطار التكريم وصفتها المستشارة أمل عمار بأنها «ذاكرة الصحافة المصرية في بيت المرأة المصرية».
كما تم تكريم اسم الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، توثيقا لفضلٍ مهني، وتأكيدا على بوصلةٍ واضحة: أن تبقى الدراما وعدًا بالعدل، وأن تبقى النساء مرئياتٍ في النصّ وفي الحياة.. في قلب السرد .. لا على الهامش.
تسلمت درع التكريم من المستشارة أمل عمار، الفنانة صفاء الطوخي، ابنة الكاتبة الراحلة، تقديرًا لتجربة شخصية مهمة لامرأة خرجت من الحرمان من التعليم إلى صناعة المعنى، ومن بيت يُغلق الأبواب إلى مسرح يفتح المجتمع كله على ضوء الأسئلة، وتجربة درامية ثرية كسرت الصور النمطية وقدمت أعمالًا مؤثرة مثل مسلسل «هي والمستحيل»..
دائرة الحكي.. كيف نفذنَ من الحائط الشفاف
اقتربت الفعالية من تجربة لا تُرى بسهولة: حواجز شفّافة لا تكتبها اللوائح، ترسمها الأعراف. تُحدِّد أين تقف المبدعة، وأيّ سقفٍ تراه حين ترفع رأسها. تسميات كثيرة ظهرت في النقد الحديثمن السقف الزجاجي إلى الحائط الشفّاف لكن ما يهم هنا هو ما فعلته النساء حين اصطدمن به: بحثن عن شقٍّ رفيع للعبور، وسرن نحوه بإصرار، خطوةً خطوة، حتى اتّسع الممر.
تجربة دائرة الحكي بعنوان كيف نفذن من الحائط الشفاف شاركت فيها الدكتورة رشا عبد المنعم،والفنانة سلوى محمد علي، والمخرجة عبير لطفي، والمخرجة عبير علي مديرة مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، والفنانة وفاء الحكيم.استعرضت عدد من المبدعات خلال الدائرة تجاربهن وتحدياتهن ورؤيتهن لقضايا الفن والعنف ضد المرأة.
وأكدت الكاتبة رشا عبد المنعم أن مهرجان إيزيس يسلّط الضوء على منجزات المبدعات، مشددة على أن العنف ضد المرأة قضية معقدة ذات أسباب متداخلة، تتطلب تكاتف المجتمع المدني والدولة، إلى جانب تعزيز الوعي وإحياء روح الفن والجمال للارتقاء بالإنسان والابتعاد عن مظاهر القسوة.
وتحدثت المخرجة عبير علي عن تجربتها الفنية، مشيرة إلى تأسيسها فرقة مستقلة تهتم بإعادة قراءة التاريخ غير المدوّن، وتغيير الصورة الذهنية للتاريخ الاجتماعي عبر الحكايات. وأوضحت أن التضييق في المساحات الثقافية والتعليمية يُضاعف من التحديات أمام المبدعات، لافتة إلى محدودية القيادات النسائية في المؤسسات الثقافية عالميًا، ومؤكدة أن «الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالجدارة والتميز»، وأن الاستثمار في تدريب الشباب بالمحافظات كان أحد أنجح مشروعاتها.
وفي كلمتها، عبّرت المخرجة والممثلة عبير لطفي، مؤسسة ورئيسة مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، عن انزعاجها من استمرار مناقشة قضايا العنف ضد المرأة حتى عام 2026، موضحة أن شغفها بالإخراج وتدريب الشباب كان دافعًا رئيسيًا في رحلتها الفنية، ومؤكدة أن فكرة المهرجان انطلقت من ضرورة وجود منصة مسرحية تُبرز إسهامات المرأة. وأشارت إلى أن التحدي المالي كان الأبرز في بداية عمل المهرجان، بالإضافة إلى تحديات جائحة كورونا، معربة عن تقديرها لدعم أسرتها وزوجها لمسيرتها.
كما تطرقت الكاتبة رشا عبد المنعم إلى تجربتها الشخصية داخل أسرتها، وسعيها لإقناع والدها بقدرتها على أن تصبح كاتبة مسرح، مؤكدة أن الحوار الهادئ وبناء الثقة كان لهما دور في تغيير الصورة الذهنية.
وحول إبداعات المرأة في المسرح، تحدّثت الفنانة سلوى محمد علي عن حضور المرأة الراسخ في المسرح المصري، مؤكدة أن هناك أعمالًا مسرحية عظيمة جسدت قضايا المرأة بعمق، وأن المرأة – مؤلفة ومخرجة وممثلة – أثبتت حضورًا قويًا، وأن طبيعة المرأة الثرية بالحساسية والجمال تجعلها أكثر قدرة على الإبداع، مشيرة إلى أن المسرح الأوروبي يرى أن المرأة المصرية على الخشبة أقوى من الرجل لاضطرارها إلى التعبير «بحيلة وذكاء» في مختلف أدوارها في الحياة، خصوصا كزوجة.
ورشة التعافي بالكتابة
ثم انتقلت الفعالية من الكلام إلى الفعل، حيث قدمت الكاتبة الصحفية أمل فوزي ورشة عن «التعافي بالكتابة التعبيرية»، كتابةٌ تُرتِّب الداخل وتمنح الجُرح لغةً تمشي إلى الأمام، والتي أكدت أنها ليست رفاهية، بل ضرورة للتنفيس عن المشاعر وتعزيز التعافي النفسي، موضحة شروطها وأساليبها. وقدمت تدريبا عمليا للحاضرات من الفتيات والشباب على كيفية ممارستها للتعافي من الصدمات التي قد تنتج عن العنف وفي الختام، وجّهت الفنانات المشاركات الشكر للدكتورة إيناس عبد الدايم لدعمها الثقافة المصرية ولدورها في «اختراق الحائط الشفاف» وتقديم نموذج لوزارة ثقافة منفتحة ومتحررة.
تكريم سناء البيسي

