جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
يقول الفنان الشرقي السروتي:
«الفن، في جوهره العميق، ليس مهنةً نمارسها حين يتسع الوقت، بل قدرٌ نعيشه حين نضيق بالعالم. هو تمرينٌ يومي على الصدق، ومصارعةٌ نبيلة مع الخوف، وانتصارٌ هادئ للإنسان فينا على كل ما يحاول تدجينه أو إسكاته».
13 دجنبر 2025م
بهذا التاريخ، لا باعتباره رقمًا في رزنامة الأيام، بل باعتباره علامةً رمزية في سجل الذاكرة الثقافية، اختارت الرياضة المغربية أن تنحني للفن، لا خضوعًا، بل اعترافًا. ففي لحظةٍ نادرة الصفاء، كثيفة الدلالة، بادرت الجامعة الملكية المغربية للتايكواندو، من خلال رئيسها الأستاذ نور الدين الترابي، إلى تكريم الفنان الشرقي السروتي، في مشهدٍ تجاوز منطق الاحتفاء الشكلي، ليؤسس لمعنى أعمق: معنى التلاقي بين الجسد المنضبط والروح المبدعة، بين الصرامة الرياضية والمرونة الجمالية، بين القبضة التي تُروَّض والخيال الذي لا يُروَّض.

لم يكن هذا التكريم فعلًا معزولًا عن سياقه، ولا مجرّد التفاتة مجاملة تُستهلك في صور عابرة، بل كان موقفًا مؤسساتيًا محسوبًا، يحمل في بنيته خطابًا ضمنيًا مفاده أن الرياضة، حين تبلغ وعيها الأعلى، تدرك أن الفن ليس ترفًا هامشيًا، بل رافعة رمزية لصناعة الإنسان المتوازن. فالجامعة الملكية المغربية للتايكواندو، وهي مؤسسة راكمت تاريخًا من الانضباط والتكوين والتنافس الشريف، اختارت أن توسّع أفق اشتغالها، وأن تُعلن، دون ضجيج، أن البطولة ليست حكرًا على البساط، وأن المجد لا يُختزل في الميداليات وحدها.
إن تكريم الشرقي السروتي، في هذا السياق، ليس مجرد احتفاء باسم فني، بل هو اعتراف بمسار طويل من الاشتغال الصامت، وبسيرة إبداعية تشكّلت على مهل، خارج منطق الاستهلاك السريع، وداخل منطق البناء التراكمي للمعنى. فالسروتي ينتمي إلى ذلك الصنف النادر من الفنانين الذين يشتغلون في العمق لا في الواجهة، ويؤمنون بأن المسرح، قبل أن يكون خشبةً وإضاءة، هو أخلاق موقف، وانحياز دائم للإنسان في هشاشته وأسئلته.

وإذا كان المسرح، في فلسفته العميقة، رياضةً روحيةً عالية الكلفة، فإن التايكواندو، في جوهره، ليس مجرد فن قتالي، بل نسق تربوي صارم، يقوم على التحكم في الذات، واحترام الخصم، وضبط الطاقة، وتحويل العنف الكامن إلى حركة منضبطة. ومن هنا، يتبدّى هذا التكريم بوصفه لقاءً منطقيًا بين حقلين يتقاطعان أكثر مما يبدوان متباعدين. كلاهما يشتغل على الجسد، لكن بأدوات مختلفة؛ وكلاهما يسعى إلى تهذيب الإنسان، عبر مسارات متباينة تتكامل ولا تتنافى.
لقد جاء هذا التكريم من طرف رئيس الجامعة الملكية المغربية للتايكواندو، الأستاذ نور الدين الترابي، ليمنح الحدث قيمة مضاعفة، ويكسبه شرعية معنوية واضحة. فالرجل، بما راكمه من تجربة في التدبير الرياضي، وبما أبان عنه من حسّ ثقافي رفيع، قدّم نموذجًا لرئيس مؤسسة لا يكتفي بتسيير الملفات التقنية، بل ينخرط في توسيع أفق الرسالة الرمزية لمؤسسته. ومن هنا، يستحق الشكر، لا بوصفه إجراءً بروتوكوليًا، بل باعتباره اعترافًا بدور قيادي يربط الرياضة بسياقها الثقافي، ويحرّرها من الانغلاق داخل منطق المنافسة الصرفة. فتكريم الشرقي السروتي لم يكن استدعاءً متأخرًا لاسم من الماضي، بل تثمينًا لمسار لا يزال حيًا في الذاكرة، وقادرًا على إلهام أجيال جديدة من المبدعين.
كما أن هذه المبادرة تحمل، في بنيتها العميقة، حجةً ثقافية صلبة مفادها أن المغرب، وهو يراكم إنجازاته الرياضية، لا ينبغي أن يفرّط في رأسماله الرمزي، وأن الاستثمار في الإنسان لا يكتمل دون الاعتراف بمبدعيه. فالأمم القوية لا تُقاس فقط بما تحققه من انتصارات آنية، بل بما تبنيه من جسور بين مختلف تعبيراتها الحضارية.
وفي هذا السياق، يتبدّى الشكر الموصول للأستاذ نور الدين الترابي بوصفه شكرًا على رؤية، لا على فعلٍ معزول؛ رؤية تعتبر أن الجامعة الرياضية ليست جهازًا تقنيًا محضًا، بل فاعلًا ثقافيًا قادرًا على التأثير في الذوق العام، وعلى إعادة الاعتبار لقيم الاعتراف والوفاء. وهي رؤية، إن قُدّر لها أن تستمر وتتوسع، قادرة على إحداث تحول نوعي في علاقة الرياضة بالمجتمع.
إن تكريم الشرقي السروتي، في 13 دجنبر 2025م، هو رسالة واضحة إلى كل فنان اشتغل في صمت، وإلى كل رياضي آمن بأن الانضباط لا يتناقض مع الجمال، وإلى كل مؤسسة أدركت أن رسالتها لا تكتمل إلا حين تلامس الإنسان في عمقه. إنه تكريم يشتغل بمنطق العقل والقيمة، لا بمنطق الصدفة والظرفية.
وفي المحصلة، يمكن القول إن هذا الحدث، في ظاهره البسيط، يحمل في جوهره دلالةً استراتيجية عميقة: دلالة مغربٍ ممكن، تتجاور فيه الرياضة والفن، لا على سبيل المجاملة، بل على أساس الشراكة الرمزية. مغربٍ يدرك أن القوة الحقيقية لا تكمن في العضلات وحدها، ولا في الخطاب وحده، بل في هذا التوازن الدقيق بين الصرامة والخيال، بين الحركة والمعنى.



