تُمثّل الهجرة أو اللجوء بسبب ظروف الحرب أو البحث عن حياة أفضل في الدول الغربية مسألة معقدة، تؤثر بشكل كبير على العائلات العربية. وعلى الرغم من الفوائد التي قد تجلبها هذه التجربة من استقرار اقتصادي وأمان، فإن لها تأثيراتٍ سلبيةً خطيرة، لا سيما على الأطفال العرب في المهجر، الذين يتعرضون لخطر فقدان الهُوية الثقافية والدينية، سواء أولئك الذين هاجروا مع أسرهم أو الذين وُلِدوا في الخارج.
عندما تغادر العائلات العربية أوطانها، يجد الأطفال أنفسهم في بيئات جديدة لا تعكس قيمهم الثقافية أو الدينية.. هذا التحول يؤدي إلى فقدان البيئة الحاضنة التي تنقل لهم اللغة العربية، وتعلمهم القراءة والكتابة، فضلًا عن العادات والتقاليد والقيم الأخلاقية والدينية، ما يجعل من الصعب عليهم التمسك بجذورهم، وخصوصًا في ظل غياب دور الأهل.
إن فقدان الهوية الدينية والثقافية قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على القيم الأخلاقية للأطفال في بيئات لا تراعي الدين بشكل كبير؛ قد يواجه الطفل صعوبة في فهم واستيعاب أهمية الدين في حياته
وبالنسبة للأطفال الذين وُلِدوا في بلاد المهجر، فإن التحديات تكون أكبر، إذ يفتقدون منذ البداية إلى التربية في بيئة تشجعهم على الحفاظ على دينهم وقيمهم الأخلاقية، ما يزيد من خطر انفصالهم عن هويتهم الأصلية.
ومع مرور الوقت، يتبنى الأطفال العرب في المهجر عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيشون فيه، ما يجعلهم عرضة لفقدان التوازن بين القيم الجديدة والمبادئ التي نشأ عليها آباؤهم.. قد يصبح الوطن الأم والدين مجرد ذكرياتٍ غامضة أو قصصٍ ترويها العائلة، ما يقلل من شعورهم بالانتماء الثقافي والديني.
هذا الفقدان لا يقتصر على الهوية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى قضايا وطنهم الأم بأشكالها المختلفة، سواءً كانت سياسية أو اجتماعية، ما يجعل من الصعب على هؤلاء الأطفال التفاعل مع قضايا تمسّ مجتمعاتهم الأصلية.
إن فقدان الهُوية الدينية والثقافية قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على القيم الأخلاقية للأطفال في بيئات لا تراعي الدين بشكل كبير؛ قد يواجه الطفل صعوبة في فهم واستيعاب أهمية الدين في حياته، ما ينعكس على سلوكياته اليومية وقدرته على التعامل مع التحديات الأخلاقية التي تواجهه. إضافة إلى ذلك، قد يفتقد الأطفال إلى القدوة الدينية التي تدعم تنمية شخصيتهم على أسس سليمة، ما يضعف الارتباط بين أبناء الجيل الجديد ودينهم.
لذا، من الضروري أن تسعى الأسر العربية في المهجر جاهدةً للحفاظ على الهُوية الثقافية والدينية لأبنائها، من خلال توفير بيئة في المنزل تُعزز تعليم الأطفال اللغةَ العربية وتعاليم الدين، وتهتم بتوعيتهم وإرشادهم.. يمكن للأسرة أن تمارس دورًا حيويًا في ضمان استمرارية هذه الهُوية. ويجب على الأسر أيضًا وضع أبنائها في أنشطة وفعاليات ومدارس، تُحافظ على التراث الثقافي والديني، ما يُسهم في تعزيز الارتباط بالقيم والمبادئ العربية.
يجب أن تسعى الأسر العربية إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الهوية الأصلية، والاستفادة من الفرص التي تقدمها الثقافات الجديدة، من خلال بناء جيل واعٍ، وقادر على الدمج بين قيمه الثقافية والدينية وبين مكتسباته من العالم الجديد
علاوة على ذلك، ينبغي أن تُعزز الأسر وعي أطفالها بقضايا وطنهم الأم، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، ومعرفتهم بالتحديات التي تواجه المجتمعات العربية. يمكن تحقيق ذلك من خلال المناقشات الأسرية، ومتابعة الأخبار، والمشاركة في الفعاليات المجتمعية.
إن فهم قضايا الوطن الأم يُعزز من شعور الانتماء والارتباط بجذورهم، ويمكِّنهم من الانخراط في حوارات ومبادرات تعود بالنفع على مجتمعاتهم الأصلية.
في الختام، نجد أنه من الضروري التركيز على السلبيات والمخاطر المرتبطة بهجرة العرب وفقدان الهوية الثقافية والدينية لدى الأطفال. ومع ذلك، يجب أن نُشير أيضًا إلى أن هذا التركيز لا ينفي وجود جوانب إيجابية في تجربة الهجرة؛ فالتعرف على ثقافات جديدة يُتيح للأفراد فرصة لتوسيع آفاقهم وفهمهم للعالم، ما يسهم في تنمية مهاراتهم الاجتماعية واللغوية.
لذا، يجب أن تسعى الأسر العربية إلى تحقيق توازن بين الحفاظ على الهوية الأصلية، والاستفادة من الفرص التي تقدمها الثقافات الجديدة، من خلال بناء جيل واعٍ، وقادر على الدمج بين قيمه الثقافية والدينية، وبين مكتسباته من العالم الجديد، ما يُعزز من غنى الهوية العربية في سياق عالمي متنوع، دون المساس بأصالة هويته وقداسة جوهرها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.