يستعرض برنامج الشاهد في الحلقة التاسعة، مع الدبلوماسي والسياسي اليمني يحيى حسين العرشي، أحداث الثالث عشر من يناير، وأسباب عدم انخراط صنعاء في الصراع بين أجنحة الحزب الاشتراكي في عدن، وكيف تحول مسار الوحدة من مباحثات بين الدولتين إلى حوارات بين الحزبين الحاكمين؟
التمهيد للوحدة
يقول يحيى العرشي إنه في عهد علي ناصر محمد، وبعد توقيع اتفاقية الكويت، كان من الطبيعي أن يأتي الأمين العام عبد الفتاح إسماعيل إلى صنعاء لاستكمال الخطوات المتفق عليها، لكنه تعذر مجيئه بصفته أمينًا عامًا، وجاء علي ناصر محمد بصفته رئيس وزراء، وقام بهذه المهمة، وتم الاتفاق فيها على خطوات ممتازة.
وأضاف: “هذه الاتفاقيات كانت تتضمن إنشاء مؤسسات مشتركة برأسمال مشترك بين شطري اليمن، ومنها مؤسسات السياحة، التي كانت من ضمن مهامي كوزير للإعلام والثقافة، وكذلك من مهام الأستاذ باذيب، وأيضًا مؤسسة الاتصالات، التي كانت بين وزير المواصلات والنقل.”
وتابع: “هذه المؤسسات الثلاث كان لها دورها الفعلي في إعطاء فرصة كتجربة وحدوية عبر استثمارات مشتركة بين عدن وصنعاء، وكانت إدارتها مشتركة، بحيث يكون المدير العام من شطر، ورئيس مجلس الإدارة من الشطر الآخر.”
وأردف: “أعتقد أن هذه الخطوة هيأت الظروف فيما يتعلق بالتعامل المؤسسي في مجالات الاقتصاد والسياحة والتنقل، وكذلك في الإعلام والثقافة بين الشطرين.”
وزاد: “توالت اللقاءات، وعندما تسلم الرئيس علي ناصر محمد السلطة بشكل نهائي، بدلًا من عبد الفتاح إسماعيل، تواصلت الجهود، وأبرزها الاتفاق على إنشاء المجلس اليمني. وكانت أول زيارة قام بها الرئيس علي عبد الله صالح، وهي أول زيارة لرئيس الشطر الشمالي إلى عدن.”
وقال: “جاءت الزيارة في بداية عهد علي ناصر بصفته الجديدة، حيث كان يرأس الأمانة العامة وهيئة الرئاسة، ومن نتائجها الاتفاق على مجلس الرئاسة، الذي ضم رئيسي الشطرين، ومجلس الوزراء الذي كان يضم رئيسي الوزراء وعددًا من الوزراء، إضافة إلى السكرتارية التي كانت برئاسة وزيري الوحدة. وهو ما تطلب مني أن أتحمل هذه المسؤولية مع نظيري محمود عشيش.”
وأضاف: “هكذا استمرت الأحوال، وأهم ما حدث في تلك الفترة قبل أحداث يناير هو مشروع الاستثمار المشترك بعد اكتشاف النفط في صافر. وتم الاتفاق حينها على عدم اللجوء إلى المواجهة المسلحة، وأن يتم التباحث والتفاهم حول المساحة المطلوبة للمشروع.”
أحداث 13 يناير
وتابع: “عُقد مؤتمر، وكان بمثابة المؤتمر الفاصل، حيث كان التباين في وجهات النظر داخل الحزب الاشتراكي حاضرًا بقوة. وهذا استدعى جهودًا كبيرة، بما في ذلك جهود فلسطينية للوساطة من أجل حل بعض الملابسات ومحاولة التوفيق.”
وأردف: “تشكل وفد من صنعاء، وكان وفدًا كبيرًا ربما يكون الأكبر مقارنة بالوفود السابقة، وانطلقنا من تعز إلى عدن، حيث التقينا بالرئيس علي ناصر محمد وعدد من المسؤولين هناك. وكانت فرصة للسعي نحو تفاهمات في إطار الحزب الاشتراكي، على أمل أن يستمر علي ناصر محمد في الحكم، إذ إنه كان قد بدأ مشوارًا متزنًا إلى حد كبير في التعامل بين الشطرين، مع الاتفاق على استبعاد العمل المسلح في المناطق الوسطى، وكذلك تعزيز التعاون الثنائي بطرق سلمية.”
وزاد: “كانت لقاءاتنا في غالبيتها لقاءات جماعية، أما اللقاءات الانفرادية فكانت مع علي ناصر، بينما اللقاءات الجماعية كانت مع الآخرين. وقد تعامل معنا الجميع بكل احترام، وجاؤوا إلى مقر إقامتنا في البريقة كما أذكر، وكان التواصل معهم يشمل صالح مصلح، وعلي عنتر، وغيرهما.”
وقال: “كانت المؤشرات واضحة بأن الوضع يتجه نحو الانفجار، وكان هناك خلاف حول من يتسلم الإدارة التنظيمية، وكذلك موقع علي عنتر. كما كان هناك توجه للتقليل من صلاحيات علي ناصر محمد، وإن لم يتم إزاحته، فسيتم تقليص سلطته. وكان الطرف الأقوى يمثله صالح مصلح، وعلي عنتر، وشايع، فيما كان عبد الفتاح إسماعيل هو الورقة التي تم إقصاؤها لظروف معينة.”
وأضاف: “حاول الطرف الآخر إقصاء علي ناصر محمد، لكنه تمكن من تجاوز هذا.”
وتابع: “عدنا إلى صنعاء مرورًا بتعز، بعد هذا المؤتمر، لكن الخلاف بقي قائمًا، واستمر كل طرف يسعى لتحقيق أهدافه، خاصة فيما يتعلق بسلطة عبد الفتاح إسماعيل. وكان علي ناصر محمد يدرك أن التوجهات لم تكن تصب في مصلحته، فيما كان الطرف الداعم له يشجعه على اتخاذ موقف حاسم ضد خصومه، ولا أستطيع أن أفصح أكثر من ذلك.”
وأردف: “هذا ما كانت تشير إليه المؤشرات الإعلامية، حيث كنا نتابع الإعلام في عدن، وكان واضحًا أنه يتأرجح بين الأخبار المتضاربة، وهو ما دفعنا للاقتراب أكثر من الحقيقة ومتابعة الموقف.”
وزاد: “كان تواصلي مع محمود عشيش مستمرًا، وكان يطمئنني بأن الأمور تسير بشكل طبيعي، ولا يوجد ما يدعو للقلق، ولكن كل المعطيات كانت تشير إلى العكس، وتؤكد أن هناك خلافًا متصاعدًا. فاتجهنا مع الرئيس علي عبد الله صالح إلى الحديدة، وتابعنا الموقف من هناك عن قرب، من خلال تواصلي المباشر مع عشيش. ومع ذلك، زادت الأمور تعقيدًا، فتوجهنا برًا من الحديدة إلى تعز.”
وقال: “كنا نتابع التطورات، لكنها لم تكن مبشرة. قبل الانفجار، كانت هناك أخبار عن تحركات عسكرية، ولم أتمكن من التواصل مع محمود عشيش. أصبحت عملية التواصل معه صعبة، وكلما اتصلت به كان يُقال لي إنه سيتصل لاحقًا، وهكذا دواليك.”
وأضاف: “وعندما اقتربنا من تعز، جاءنا الخبر المزعج يوم 13 يناير، وهو أن الاقتتال قد اندلع بالفعل. وكان البيان الأول لصالح علي ناصر محمد يؤكد أنه تجاوز محاولة الانقلاب. وظهرت أصوات إعلامية تدعم هذا الطرح، لكن بعد ذلك تغير الخطاب الإعلامي، وبدأت تبرز نتائج أخرى.”
وتابع: “بعد الحدث مباشرة، كان جار الله عمر وآخرون في طريقهم إلى اللجنة، لكنهم عندما أدركوا أن الحدث قد وقع، أي أن الانفجار حدث بالفعل، عاد جار الله عمر للبحث عن وسائل اتصال أخرى. وتمكن من العثور على إذاعة قديمة في لحج – كما أعتقد – والتي كانت تابعة للجبهة. واستخدموها لبث أخبار مضادة، دحضت الرواية الرسمية وأوضحت وجهة نظر الطرف الآخر.”
وأردف: “كانت أحداث 13 يناير مواجهة مسلحة دامية. قاد العمل المسلح هيثم قاسم طاهر، من خلال استخدام سلاح المدرعات، وكان هو الفاعل الأساسي، في حين كان الحسيني في البحر يستخدم الأسلحة البحرية ضد عدن. وكانت هذه تجربة فريدة حيث استُخدم السلاح البحري في ضربات برية.”
وزاد: “في هذا السياق، كان نظيري محمود عشيش، وزير الوحدة في عدن، يقوم بإسعاف أحد القيادات العسكرية إلى مستشفى الجمهوري. لكن عند لحظة الإسعاف، تبين للطرف الآخر أنه محمود عشيش، فتمت تصفيته مباشرة بطريقة بشعة، هو ومرافقه الذي كان سكرتيره.”
وقال: “لم أعلم بهذه الأخبار إلا لاحقًا، أما في وقتها فكنا نتابع كل ما يصدر من أخبار وما يُبث إعلاميًا، وكنا في القصر الجمهوري بتعز.”