ببالغ الحزن والأسى، نعى الوسط الفني في البحرين والعالم العربي الفنان التشكيلي الكبير عبدالكريم العريض الذي وافته المنية اليوم، عن عمر ناهز 90 عامًا. وسيتم تشييع جثمانه اليوم الثلاثاء، 25 مارس 2025، في تمام الساعة 3 عصرًا من مقبرة الحورة.
يُعتبر الراحل عبدالكريم العريض واحدًا من الأعلام البارزة في مجال الفن التشكيلي في البحرين والمنطقة العربية. تميزت أعماله بقدرتها على تجسيد الهوية الثقافية البحرينية والعربية، معتمداً في ذلك على تقنيات مبتكرة تعكس عمق فهمه للفن وتجديده الدائم.
وُلد العريض في المنامة التي عشقها في لوحاته عام 1934، وقد أسس أول معرض فني خاص به في البحرين عام 1960. نشأ في بيئة مفعمة بالثقافة والفن، مما شكل الرافد الأساسي لشغفه بالفن التشكيلي منذ سن مبكرة. بالإضافة إلى دراسته للفن، كان له اهتمام عميق بالتاريخ والثقافة البحرينية، ما أثّر بوضوح على أسلوبه الفني وأعماله المميزة التي خلّدت جوانب من التراث والهوية البحرينية.
رحيله يشكل خسارة كبيرة لعالم الفن، حيث ترك وراءه إرثًا فنيًا غنيًا يعبر عن ثقافة البحرين وروحها.
يُعد الفنان التشكيلي عبدالكريم العريض من أبرز الرواد في حركة الفن التشكيلي في البحرين، حيث كان له دور بارز في تأسيس العديد من التجمعات الفنية المهمة، مثل “أسرة هواة الفن” و”جمعية البحرين للفن المعاصر”، التي ترأسها في عدة دورات. كما ساهم بشكل كبير في تنظيم ودعم المعارض الفنية المحلية والدولية التي جرت في البحرين وخارجها.
كان العريض أول فنان تشكيلي بحريني يفتتح معرضًا خاصًا به (غاليري) في عام 1960 في شارع الشيخ عبدالله في المنامة، وهو المعرض الذي يُعتبر بداية لانتعاش سوق عرض وبيع الأعمال الفنية في البحرين. وقد أشاد جيمس بلجريف بهذا المعرض في كتابه “أهلًا بكم في البحرين”، مما يعكس أهمية هذا الحدث في تاريخ الفن البحريني.
كما قدم العديد من الأعمال البحثية والكتابات الأدبية التي استعرضت الفن والتراث الشعبي، ومنها كتابه “نافذة على التاريخ” الذي صدر عام 1999، و”حصاد الفن” الذي تناول فيه تجربته الشخصية في عالم الفن عام 2002. كما كتب “المنامة خلال خمسة قرون” عام 2006 و”الإنسان والتراث” عام 2009، إضافة إلى كتابه “أيام الفن والأدب” الذي نُشر عام 2013 وغيره.
حصل العريض على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماته الفنية، منها جائزة الدولة التشجيعية للفنون في عام 1984، وجائزة الدانة الذهبية في الكويت عام 1999، مما يعكس مكانته الرفيعة في المجال الفني على الصعيدين المحلي والدولي.
بفضل إطلاعه الواسع على الفن الغربي، يُعتبر الفنان عبدالكريم العريض من الأوائل الذين قدموا أسلوب الرسم الأوروبي في البحرين. كانت لوحاته دائمًا تحمل موضوعات محددة يبرزها من خلال تسمياتها، حيث كان يعكس التغيرات الاجتماعية والفكرية في المجتمع البحريني من خلال رؤى وأفكار بسيطة. في العديد من أعماله، كان العريض يستلهم من واجهات المباني أو الرموز التي تعكس واقعًا ما، ويعكس انشغاله العميق بالوضع العالمي والدولي، وكانت لوحاته تركز على مواضيع مثل السلام والقضايا الإنسانية.
يُعتبر العريض من أبرز الفنانين التعبيريين الذين وثقوا جوانب الحياة الاجتماعية في البحرين وبالطبع العاصمة المنامة. ومن بين أعماله المهمة، كان هناك توثيق للأسواق والمباني القديمة التي اندثرت مع مرور الزمن. كما قدم العريض إسهامًا فنيًا خاصًا في مجال الفن التعبيري العفوي في البحرين، لاسيما من خلال ما أطلق عليه “فن البحارة”، الذي هو نوع من الأعمال الفنية التي ابتكرها البحارة عبر الرسم على ألواح خشب السفن، مما يعكس جوانب من حياة البحر والطبيعة البحرية.
لقد كان الفنان عبدالكريم العريض مرشدًا للعديد من فناني البحرين، حيث ساهم في تطوير الحركة التشكيلية المحلية وأثرى الساحة الفنية البحرينية. شارك العريض منذ وقت مبكر في المعارض الجماعية داخل البحرين، كما مثل البحرين في العديد من المؤتمرات الفنية الهامة، مثل المؤتمر الأول للفنون التشكيلية في الوطن العربي الذي أقيم في دمشق، والمؤتمر الثاني للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب في الجزائر. لم تقتصر مشاركاته على المؤتمرات فقط، بل عرضت أعماله في العديد من الدول العربية والدولية مثل المملكة العربية السعودية، الجزائر، المغرب، سنغافورة، الأردن، مصر وغيرها.
نسأل الله العلي القدير أن يغفر للفقيد ويُسكنه فسيح جناته، وأن يُلهم أهله وذويه الصبر والسلوان في هذا المصاب الجلل.