تواجه الحكومة ضغوطاً داخلية من قبل «حزب الله» وقوى النظام القديم أو التقليدية الراغبة في تجديد «الستاتيكو» السلطوي المافيوي، والحؤول دون حصول أي تغيير جدي في آلية صنع القرار. الإرباك الذي ظهر على الفريق الوزاري نتيجة هذه الحملات أسهم في زيادة حجم الضغوط، والتي تشير المعلومات إلى أنها ستتصاعد تدريجياً مع كل قرار أو تعيين أو خطوة تخطوها الحكومة بغية إفشالها، ومن ثم تفجيرها.
يتوزع هذا المناخ الضاغط على ركنين أساسيين: الثنائي الشيعي، حيث يقوم «حزب الله» بتبادل الأدوار مع حركة «أمل»، فيزيد من حجم ضغوطه على الدولة من أجل إتاحة الفرصة أمام رئيس البرلمان لتحسين شروط الصفقة في كل القضايا المطروحة، في موازاة إلهاء الجمهور بالصراع «مع أدوات إسرائيل وأميركا»، وفق قاموسه، لحرف الأنظار عن عملية إعادة الأعمار التي تبدو مشروطة بالكثير من معايير الرقابة المتدرجة.
إلى جانب القوى السنية السياسية التقليدية، حيث يقود الرئيس نجيب ميقاتي بالتنسيق مع رؤساء الحكومات السابقين، وبالتحالف مع «تيار المستقبل» وشخصيات كلاسيكية، عملية تحمية الشارع في مدينة طرابلس بالذات، لكونها أكبر حواضر السنة وأكثرها تأثيراً، عبر عناوين وشعارات تلعب على الوتر العاطفي في دواخلهم. وهذا ما دفع بالرئيس نواف سلام إلى إجراء زيارة لطرابلس وعكار من أجل خرق الطوق الذي يتم العمل على مراكمة حلقاته بكل أدوات ووسائل التحريض، تمهيداً لإسقاط المشروعية السنية عن حكومته.
في المقابل، يعتبر النائب أشرف ريفي أن «حزب الله» انتهى دوره، وأن المشروع التوسعي الإيراني صار على طريق الزوال وانفرط عقد وكلائه، وهذا ما يحتم العودة إلى الجذور لاستنهاض الهمم، والتلاقي مع كل من يحمل خطاباً سيادياً أو رؤية تغييرية، ناهيكم عن إتاحة الفرصة أمام استقطاب نخب شبابية تتوسّم المشاركة في صناعة تغيير سياسي جدي يطوي صفحة السلطة التي أفرزتها الوصايات السالفة، بعدما فرضت طبيعة المرحلة السابقة وتوازناتها العمل على المستوى الوطني ضمن جبهة معارضة موسعة، لمواجهة تغول المشروع الإيراني وهيمنة «حزب الله» على قرار الدولة وتفريغ مؤسساتها.
وعليه، يسعى ريفي إلى تشكيل جبهة سنية تتولى تظهير موقف سيادي صلب يتماهى مع مناخ الشارع السني، وتقود عملية حياكة مشهد سياسي جديد يمنع كل رموز وأدوات منظومة الفساد، التي استفادت من الوصايتين السورية والإيرانية من إعادة إنتاج نفسها والإمساك بمفاصل السلطة والقرار في طرابلس، عن طريق التعيينات الأمنية والقضائية والإدارية، بالإضافة إلى الاستحقاقات الانتخابية.
ضمن هذا المنحى، كان من البديهي الالتقاء مع النائب مصباح الأحدب، الذي واجه حملة إقصاء عن الساحة السياسية من قبل تيار «المستقبل» بسبب مواقفه الجريئة، وذلك ضمن عملية تفريغ الساحة السنية من السياسة ونخبها لصالح طبقة رجال الأعمال من الأثرياء الجدد ووكلاء الشارع، والتي استدعت إبعاد شخصيات بارزة مثل النائبين السابقين أحمد فتفت ومصطفى علوش.
وإنعاشاً للذاكرة، فإن الأحدب كان ضمن لائحة «نواب الشرف» الذين رفضوا التمديد للرئيس إميل لحود، ربيب بشار الأسد، في عز سطوة النظام الأمني، كما كان في طليعة المبادرين إلى التصدي لحملات زجّ الشباب السنة في المعتقلات من خلال فبركة تهم الإرهاب، فيما كان تيار «المستقبل» يلهو بمصائرهم، ومعه الرئيس نجيب ميقاتي وقيادات سنية أخرى، حولوا هذه القضية إلى كرة يتقاذفونها في ما بينهم في كل استحقاق انتخابي، فيغدقون الوعود الجاذبة للأصوات ثم يتنصلون منها ويرمون بالملامة على الآخرين.
كما تشير المعلومات إلى وجود اتصالات مع شخصيات أخرى، في طليعتها نائب التغيريين السابق رامي فنج وأمين سر كتلة «تحالف التغيير» الأكثر قرباً من القوى السيادية، والذي التقت إرادته مع مساعي ريفي في ظل وجود تنسيق بينهما يعود لسنوات سابقة، لتشكيل مروحة أمان تقي طرابلس شر استثارة العصبية السنية من خلال شعارات وعناوين ممجوجة يعمل على ترويجها في الشارع بطريقة تدريجية.